هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عقدت "عربي21"، السبت، ندوة حول مشهد الصراع الداخلي في إثيوبيا، تحدث فيها الخبير بالشأن الأفريقي، محمد صالح، عن السيناريوهات المحتملة، وحسابات الأطراف الإقليمية والدولية، ولا سيما الدول العربيّة والولايات المتحدة الأمريكية.
واعتبر "صالح"، الذي يدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، أن الصراع في إثيوبيا "صفري"، مرجحا أن يؤدي إلى حرب أهلية طاحنة وطويلة الأمد، تمتد نيرانها لعموم المنطقة، التي تعاني بالفعل من نزعات انفصالية ومن حكم أنظمة هشّة.
وأوضح أن سيناريو التفاوض وارد، لكن عوامل من بينها الجرائم المرتكبة من قبل مختلف الأطراف، ولا سيما في إقليم التيغراي، وتدخل نظام إريتريا في الحرب، وغياب رؤية متكاملة للحل، و"الأحقاد المتراكمة"، فضلا عن الحسابات الإثنية والمناطقية المتعددة والمعقدة؛ وغيرها؛ تجعل من دفع مختلف الأطراف للجلوس على طاولة واحدة عملية معقدة.
ولفت الخبير الأفريقي إلى حديث عن احتمال تدخل الولايات المتحدة على الأرض بهدف إسكات البنادق وإجبار مختلف الأطراف على التفاوض، مع تصاعد المخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة.
كما أشار إلى أن خروج، أو إخراج، رئيس الوزراء آبي أحمد من المشهد قد يكون كفيلا بتخفيف التوتر، لا سيما وأنه المتهم الرئيسي بتأجيج الصراع من خلال خطواته ضد التيغراي، الذين حكموا البلاد قبله لثلاثة عقود، وسعيه للحد من سلطات الأقاليم وتركيزها بشكل أكبر في أديس أبابا.
لكن فراغا في أديس أبابا قد يفجر صراعا أوسع نطاقا على السلطة، ما يستدعي وجود تركيبة بديلة لآبي أحمد تملأ مكانه مباشرة، وتحظى بالحد الأدنى من القبول لدى مختلف الأطراف.
اقرأ أيضا: خبير أفريقي لـ"عربي21": حرب "تيغراي" قد تؤدي لتفكك إثيوبيا
"انقلاب أمريكي"
وشكل الموقف الأمريكي محورا رئيسيا في الندوة، بالنظر إلى مؤشرات قوية تؤكد توجه واشنطن لدعم التيغراي على حساب آبي أحمد، الذي يعتقد بأنه وصل إلى سدة الحكم، عام 2018، بدعم من الولايات المتحدة.
وأوضح محمد صالح أن آبي أحمد وصل إلى السلطة في إطار تفاهمات لتأمين خروج آمن للتيغراي منها، عام 2018، بعد موجة اضطرابات استمرت لسنوات في البلاد.
لكن رئيس الوزراء الشاب، الذي حظي بدعم غربي كبير؛ "لم يسر بموجب الخارطة التي رسمت له"، بحسب تعبير صالح، الذي أشار في هذا السياق إلى عدة جوانب، أهمها تحالف آبي أحمد مع أسياس أفورقي، رئيس إريتريا، والمتهم دوليا بالاستبداد في بلاده وانتهاك حقوق الإنسان.
وإثر اندلاع الحرب في إقليم تيغراي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، دخل الجيش الإريتري بقوة واتهم بارتكاب جرائم، في إطار "تصفية حسابات قديمة" مع الإثنية الإثيوبية التي كانت تحكم في أديس أبابا إبان الحرب بين البلدين (1998- 2000).
ووضعت رغبة آبي أحمد بالقضاء على معارضيه في الشمال، باستخدام القوة العسكرية الإريترية، مستقبل البلاد تحت تهديد كبير، وحظي خلال نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري بفرصة انشغال الولايات المتحدة بانتخاباتها وانتقال الحكم من الجمهوري دونالد ترامب إلى الديمقراطي جو بايدن.
وتمكنت الحكومة الفيدرالية، بدعم من حلفائها الإقليميين، من تحقيق انتصار سريع في إقليم التيغراي، لكن المخاطر المترتبة على "المغامرة" تضاعفت بعد أن فشلت أديس أبابا بالحفاظ على مكتسباتها هناك، وتمكن التيغراي من استعادة قواهم داخل الإقليم، بل وبدء الخروج منه نحو أديس أبابا، مؤخرا.
ولفت محمد صالح إلى أن التيغراي نجحوا على المستوى الإعلامي والدبلوماسي في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة، وروّجوا بقوة ضد الانتهاكات وأعمال التطهير العرقي في الإقليم، واستخدموا علاقاتهم القديمة مع أروقة صنع القرار التقليدية في واشنطن، ولا سيما لدى الحزب الديمقراطي.
اقرأ أيضا: عقوبات أمريكية على الجيش والحزب الحاكم في أريتريا
المواقف العربية
وفي سياق الحديث عن المواقف العربية، ولا سيما مصر والسودان، المعنيّتان بملف سد النهضة؛ أشار الخبير الأفريقي إلى أن جميع المؤشرات تدل على وجود دعم من القاهرة للتيغراي، وكذلك من المكون العسكري، تحديدا، في السودان.
ونفى محمد صالح وجود معلومات مؤكدة بشأن ذلك الدعم من حيث نوعه وحجمه، لكن ذلك التوجه موجود لدى مصر، لافتا إلى عدة مؤشرات تدل عليه.
لكن صالح، في المقابل، استبعد أن تقوم مصر بعمل عسكري ضد سد النهضة في غمرة الفوضى الإثيوبية، مشيرا إلى أن أي خيارات أخرى لن تنهي الأزمة على المدى البعيد، لا سيما وأن جميع الأطراف في إثيوبيا، وخاصة التيغراي، متفقون على ضرورة المضي بالمشروع المائي الكبير.
وذكّر صالح بأن التيغراي هم من قطعوا الأشواط الأساسية الكبرى في التأسيس لمشروع سد النهضة وإنشائه.
وتطرقت الندوة إلى الموقف الإماراتي "المريب" من الأزمة، حيث ظهرت أبوظبي كداعم أساسي لآبي أحمد في بدايات الأزمة، وأشارت تقارير إلى دور كبير لطائراتها المسيرة وقواتها المتواجدة بميناء عصب الإريتري، ما ساهم بإلحاق الهزيمة بقوات التيغراي في الجولة الأولى.
لكن الإمارات سرعان ما انسحبت، بحسب صالح، بعد عودة واشنطن إلى المشهد واستقرار بايدن في البيت الأبيض، وانقلاب الموقف الأمريكي.