قضايا وآراء

صراع النتائج في العراق أبعد من سجالات الفتح والصدر (1-2)

ياسر عبد العزيز
1300x600
1300x600

التصعيد نحو الخضراء

 

في متابعة لصحيفة لوموند الفرنسية لما يجري في العراق في إطار تداعيات نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نشرت تحت عنوان "عناصر مليشيات الحشد ما زالوا يصعدون من تهديداتهم عند بوابات المنطقة الخضراء" عن تلك التهديدات التي توجه من قبل تلك المليشيات للمفوضية العليا للانتخابات في العراق وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، واتهامهما بالمشاركة في تزوير الانتخابات.

وفي إطار تحريض قادة المليشيات منتسبيهم وأنصارهم ضد المفوضية والنتائج التي صدرت، وصف مسئول مليشيا حزب الله في العراق، أبو علي العسكري، الانتخابات البرلمانية بالمؤامرة الدولية، وسمى الأطراف التي شاركت في نسج تلك المؤامرة، لإذكاء روح المظلومية التي يتقن هؤلاء القادة في اللعب على وترها. فلم تسلم أغلب القوى الدولية الغربية من تحريض العسكري، حتى وصلت قذائفه إلى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديدا.

ففي تغريدة له على حسابه في تويتر، وصف العسكري بيان مجلس الأمن عن انتخابات العراق بأنه بيان منحاز، واسما مجلس الأمن بأنه سيئ الصيت، مؤكدا أن مجلس الأمن يساهم مع أطراف محلية وإقليمية ودولية في مؤامرة الانتخابات الكبرى. وشدد أبو علي في إطار بيانه العسكري المقتضب على تويتر بأن مليشياته لن تسكت على ما سماها جريمة تزوير الانتخابات لصالح أطراف بعينها، وأنها ستقدم التضحيات مهما بلغت، مشددا على عناصر مليشياته بالاستعداد والجهوزية وتصعيد وتيرة الاحتجاجات ضد أطراف المؤامرة.

هذا التصعيد الذي تشنه المليشيات من خلال عناصرها بزيهم المدني مدفوع بقرارات اتخذت من سياسيي تحالف الفتح الذي يمثل الواجهة السياسية لهذه المليشيات، بعد أن فقد مقاعده في برلمان 2018 الذي أطاحت به ثورة تشرين

هذا التصعيد الذي تشنه المليشيات من خلال عناصرها بزيهم المدني مدفوع بقرارات اتخذت من سياسيي تحالف الفتح الذي يمثل الواجهة السياسية لهذه المليشيات، بعد أن فقد مقاعده في برلمان 2018 الذي أطاحت به ثورة تشرين؛ التي تحتفل بعامها الثاني هذه الأيام.

صدمة المليشيات بفقدان ثلث مقاعدها لها دلالات كبيرة على أكثر من محور أعظمها بحسب المحللين؛ هي فقدانهم للحاضنة الشعبية التي اكتسبوها على إثر الفتوى الدينية التي تأسس الحشد بموجبها، وهو ما يعني أن ثورة تشرين استطاعت كسر تابو الحشد الذي قدم نفسه على أنه حامي حمى العراق من "الإرهاب" بفتوى الجهاد الكفائي. فبعد أن أوغل في دم السلميين من شباب العراق، وأحرق قلوب أمهاتهم برصاصه الذي دفع العراقيون ثمنه من جيوبهم، كشفت الثورة عورتهم وأظهرت حقيقة جهادهم من أجل المناصب وحصد خيرات العراق لتقديمها على مذبح الولي الفقيه في طهران، لذا فإن أوامر إرهاب المنطقة الخضراء لا يعدو أن يكون أمرا من جملة أوامر يأتمر بها الحشد وقادته.

تحولات نحو اللا شيء

وعلى الرغم من هذه التجاذبات والسجالات التي أظهرتها نتائج الانتخابات بين مليشيات الحشد وذراعها السياسي تحالف الفتح، وبين التيار الصدري الممثل السياسي لمليشيا سرايا السلام، لم تظهر تلك النتائج تحولا ملموسا في شكل الخريطة السياسية في العراق، ومن ثم ميزان القوى بين تلك الأحزاب والتيارات والتجمعات القديمة المتحورة.
صدمة المليشيات بفقدان ثلث مقاعدها لها دلالات كبيرة على أكثر من محور أعظمها بحسب المحللين؛ هي فقدانهم للحاضنة الشعبية التي اكتسبوها على إثر الفتوى الدينية التي تأسس الحشد بموجبها، وهو ما يعني أن ثورة تشرين استطاعت كسر تابو الحشد الذي قدم نفسه على أنه حامي حمى العراق من "الإرهاب" بفتوى الجهاد الكفائي

مكاسب الصدر التي من المتوقع أن تتراوح بين 72 و75 مقعداً، والتي يراها التيار وزعيمه على أنها إنجاز كبير، وأنها نجاح للحزب من حيث التنظيم وإدارة المعركة الانتخابية، ما ينظر إليه على أنه توسع في دوائر انتخابية استطاع التيار اختراقها ومن ثم ترمز إلى قبول شعبي يجب الوقوف عنده، إنما هي في الحقيقة كمن أحرز هدفا في غياب الفريق المنافس. فالمقاطعة الشعبية الكبيرة التي قدرها إياد علاوي بـ88 في المئة، بعد أن أكد أن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات لم تتجاوز 12 في المئة، تفقد هذا التحليل لأسباب فوز الصدر بمقاعده محتواه وتعيده إلى حجمه الطبيعي، فنجاح الصدر الحقيقي في حشد أنصاره في مقابل فشل الآخرين ليس إلا.

أما الفتح الممثل الرسمي لمليشيا الحشد، فلم يفهم القواعد التي أقيمت عليها الانتخابات الأخيرة، وتعامل معها بنفس خطة انتخابات 2018، على عكس الصدر. كما أن مليشيات الحشد وذراعها السياسي تعاملوا مع الانتخابات والناخبين بنفس المنطق الدارج لديهم؛ أنهم حماة العراق وبناة جدران الأمان فيه، وهو ما انهار مؤخرا بصرخة شيخ عشيرة بني تيم في وجه هادي العامري، ما يعكس حقيقة مرة لدى الحشد وممثليه السياسيين، مفادها أن العراقيين لم يعودوا يرون تلك الهالة التي رسمتها المرجعية والإعلام للحشد.

وعلى الرغم أيضا من أن المالكي الذي استطاع إعادة تدوير نفسه من خلال تحالف "شيعي" بنى حملة كتلته الانتخابية على أوتار الطائفية، مخاطبا المكون الشيعي ولاعبا نغمة الأحقية الطائفية، ما يعني مزيدا من التغذية للفيروس الذي نخر في عظم العراق وأكل لبه ومزق لحمته.

وعلى الرغم من أن بعض المحسوبين على ثورة تشرين قد دخلوا البرلمان، سواء من خلال الحزب الوحيد الذي استطاع أن يدخل الانتخابات أو على قوائم الأحزاب والتكتلات القديمة، إلا أن النسبة لم تعدُ أن تكون ضئيلة، لدرجة لم تجمل مساحيقها الوجوه العكرة في الحياة السياسية، ولم تخفِ نتوءات الطائفية والإقصاء الذي حفر آثاره على مر السنوات الماضية في وجه الحياة السياسية العراقية.

رغم كل هذه التغييرات التي يعتبرها شركاء العملية السياسية في العراق جوهرية ونجاحات حققها البعض على البعض، من خلال إعادة تقسيم كعكة مقاعد البرلمان، إلا أن هذا التغيير في النهاية انتهى إلى اللا شيء، حيث نفس الوجوه ونفس الكتل والأحزاب ونفس الأفكار، ونفس الرشى الانتخابية والوعود المزيفة، فانتخابات من دون منافسة حقيقية وبرامج تنافسية تعني في النهاية اللا شيء بعينه.
رغم كل هذه التغييرات التي يعتبرها شركاء العملية السياسية في العراق جوهرية ونجاحات حققها البعض على البعض، من خلال إعادة تقسيم كعكة مقاعد البرلمان، إلا أن هذا التغيير في النهاية انتهى إلى اللا شيء، حيث نفس الوجوه ونفس الكتل والأحزاب ونفس الأفكار، ونفس الرشى الانتخابية والوعود المزيفة

ما وراء تظاهرات الحشد وثوار تشرين

في فكر من أنزلهم، يرى قادة مليشيات الحشد أن تواجد عناصرهم في الشارع سيحقق عدة أهداف، يمكن بها تحصيل المكاسب وحجز بعضها عن غيرهم من منافسين ومناوئين. فظهور عناصر المليشيات ولو بلباسهم المدني؛ هو إظهار لشعبيتهم ودعم الشعب لهم، ما يصور أنهم ظلموا في النتائج، لا سيما وأن أذرعهم الإعلامية وذبابهم الإلكتروني يعزفون حتى الآن ملحمة من ملاحم المظلومية التي يتقنون عزفها.

لكن هدفا آخر كان في بنك أهداف من دفع عناصر المليشيات إلى الشارع، وهو إظهار القوة في بلد أزاحت قيم التغيير السلمي وبدلتها بقوانين الغاب والبقاء للأقوى، فاستعراض القوة الذي يجرى من وقت لآخر، هو جزء من إبقاء الحضور الخشن لتلك المليشيات في أذهان العراقيين، وعدم غياب عرباتهم ذات الدفع الرباعي والمحملة بعناصر المليشيات المدججين بالسلاح؛ فيجب أن تظل شاخصة في عقل كل عراقي ليعرف موقعه في عراق ما بعد الاحتلال، فلا صوت يعلو على صوت قادة المليشيات وسلاحها، وهو ما وُجه في هذه الحالة للمفوضية العليا للانتخابات وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، التي تعلمت الدرس وباتت تضع ذلك في حساباتها عندما تكتب تقاريرها الأممية.

لكن الهدف الأهم من إنزال عناصر المليشيات للشارع، والذي قد يخفى على الكثيرين، هو ملء الشارع حتى لا يملؤه ثوار تشرين الرافضين للعملية السياسية وما رشح منها من انتخابات، والمناهضين للمليشيات ولديهم معها ثأر، فتلك المليشيات التي قتلت مئات الثوار تعلم رفض الثوار لهم، ولأن كل شيء يُستنسخ في العراق الجديد، فإن نزول المليشيات كان مستنسخا من تجربة القبعات الزرق الذين استطاعوا قمع الثوار.
ما يحدث في العراق من صراع على نتائج الانتخابات هو أبعد من سجالات الفتح والصدر؛ تتدخل فيه قوى إقليمية ودولية ترسم خطوط نفوذها وتتقاسم خيرات ذلك البلد الطيب، كما تتقاسمه الأحزاب والتيارات والمليشيات الآن في شوارع العراق

نزول المليشيات جاء في توقيت إعلان نتائج الانتخابات الذي يتزامن مع مرور عامين على اندلاع ثورة تشرين، ما يعني دافعا أكبر للثوار للنزول للشارع وإظهار العراقي الحقيقي الرافض لتقاسم كعكة الوطن على مائدة المحتل الإيراني.

إن نزول المليشيات للشارع رفضا لنتائج الانتخابات والذي قابله نزول المليشيات المضادة احتفالا بما تراه نصرا لما حققت في تلك النتائج، وما ينتج عن ذلك من مخاوف من الصدام المحتمل، لا سيما وأن الكل يعرف طريقه للزناد، لا يعدو أن يكون اختلافا على توزيع الأنصبة وصراع على المناصب، لا من أجل الديمقراطية التي بشر بها المحتل الأمريكي ولا تأصيلا لقيم التداول السلمي للسلطة الذي تعلو فيه إرادة الشعب على كل إرادة.

إن ما يحدث في العراق من صراع على نتائج الانتخابات هو أبعد من سجالات الفتح والصدر؛ تتدخل فيه قوى إقليمية ودولية ترسم خطوط نفوذها وتتقاسم خيرات ذلك البلد الطيب، كما تتقاسمه الأحزاب والتيارات والمليشيات الآن في شوارع العراق، على حساب تشرين وشهدائها..

التعليقات (0)