صحافة دولية

MEE: "لعبة الحبار" ظاهرة مثيرة تفضح الرأسمالية

تكثر في المسلسل الإشارات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تشهدها كوريا الجنوبية- جيتي
تكثر في المسلسل الإشارات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تشهدها كوريا الجنوبية- جيتي

نشر موقع ميدل إيست  تقريرا للكاتب أحمد الدردير، أشار فيه إلى أن "لعبة الحبار" الذي أصبح أكثر مشاهدة على "نتفلكس"، أصبحت ظاهرة مثيرة للقلق.

 

وأوضح الموقع البريطاني، في تقرير ترجمته "عربي21"، أن المسلسل الكوري يبين أن الرأسمالية غير المقيدة في أنقى أشكالها تعني حربا شاملة من قبل الكل ضد الكل.

 

وتكثر في المسلسل الإشارات والاستعارات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تشهدها كوريا الجنوبية، حيث يكني الحرمان والركود الاجتماعي الذي يكابده الممثلون عن الصراع الطبقي في البلاد، كما أنه يشير إلى معاناة العمال الأجانب ودور الرأسمالية في تعزيز العنصرية.
 
وتاليا نص التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":

 

غدت لعبة الحبار من إنتاج نيتفليكس ظاهرة مثيرة. ففي سوق تهيمن عليه شركات الإنتاج الأوروبية والأمريكية، بات المسلسل الكوري الجنوبي أكثر عرض مشاهد عالمياً عبر نيتفليكس. ليس هذا فحسب، بل اشتهر عنه أنه الأكثر إثارة للقلق.
 
سارع النقاد للتأكيد على ما لا يحتاج إلى توضيح، وهو أن المسلسل يعتبر كناية مناسبة عن التنافس الجاري واقعاً في ظل الرأسمالية. تجري أحداث المسلسل بين مشاركين يتنافسون بكل ما أوتوا من إمكانيات فيما يشبه ألعاب الأطفال، وتكون نتيجة التنافس إما الموت أو الفوز بجائزة نقدية تتزايد قيمتها كلما ازداد عدد المشاركين الذين يتم تصفيتهم.
 
تكثر في المسلسل الإشارات والاستعارات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تشهدها كوريا الجنوبية الحديثة، حيث يكني الحرمان والركود الاجتماعي الذي يكابده الممثلون عن الصراع الطبقي في البلاد.

 

اقرأ أيضا: "لعبة الحبار" تتصدر رسميا قائمة مسلسلات "نتفليكس"
 
كما يشير المسلسل إلى معاناة العمال الأجانب ودور الرأسمالية في تعزيز العنصرية، ويفعل ذلك من خلال تسليط الضوء على المهاجر ذي البشرة الداكنة من خلال شخصية العامل الباكستاني علي عبد الله، باعتباره الضحية النهائية لهذه المنظومة، إذ يتعرض للغدر من قبل رئيسه في العمل وكذلك من قبل أقرانه الكوريين الذين يتمتعون نسبياً بالتميز.
 
بينما يرد المتنافسون الذين يجازفون بحياتهم من الطبقات المسحوقة، يتم تصوير الاستغلال الرأسمالي العالمي بشكل ساخر من خلال طغمة أفراد أثرياء من كبار الشخصيات (وهم بشكل أساسي وإن لم يكن حصري من منابت أوروبية وأمريكية)، الذين يدفعون المال مقابل مشاهدة الألعاب والمراهنة على اللاعبين.
 
نظرية اللعبة
 
قراءة المسلسل باعتباره كناية عن الرأسمالية تنسجم تماما مع التصريح الذي أدلى به المخرج تعليقاً على عمله. لا يوجد نقص في الأعمال الفنية التي تصور أوضاع الرأسمالية باعتبارها تنافساً حتى الموت، فما الذي يفسر إقبال الجمهور بشكل كثيف على هذا المسلسل الذي تعرضه نيتفليكس وما الذي يجعله بالذات مثيراً للقلق. لعل التفسير يكمن في أن مسلسل "لعبة الحبار" تميز عن غيره بقدرته على ربط أحداثه بالواقع المرير الذي يعيشه الناس.
 
في مقابلة مع مجلة فراياتي، يقول مخرج المسلسل واسمه هوانغ دونغهيوك: "أردت أن أكتب قصة تكون كناية أو حكاية رمزية معبرة عن واقع المجتمع الرأسمالي المعاصر. شيء يجسد التنافس الشديد، أشبه ما يكون تنافساً شديداً على الحياة. ولكنني أردت له أن يستخدم ذلك النوع من الشخصيات التي ما فتئنا جميعاً نقابلها في حياتنا ... فالألعاب التي تجري أحداثها داخل المسلسل غاية في البساطة ولا يجد أحد صعوبة في فهمها."
 
ما تفعله الألعاب التي يشارك فيها المتنافسون هو أنها تحول التعقيدات الموجودة في واقعنا المختل وظيفياً إلى نماذج ألعاب يمكن أن تتم من خلالها مراقبة سلوكنا كلاعبين. بمعنى آخر، يؤدي الممثلون أدواراً طالما سعت نظرية اللعبة إلى تحقيقها.
 
وأما الجائزة النقدية التي تزيد كلما ازداد عدد اللاعبين الذين تتم تصفيتهم فتحول اللعبة إلى مباراة لا خاسر فيها ولا رابح. على الرغم من أن اللاعبين لا يخبرون أبداً بأنه ينبغي أن يكون هناك فائز واحد، إلا أن الألعاب تشجع كل واحد من اللاعبين على اعتبار تصفية الآخرين مكسباً شخصياً له. ما نشاهده على شاشة التلفزيون من لعبة لا رابح فيها ولا خاسر شيء مدهش ويبعث على القلق في نفس الوقت، ليس فقط بسبب ما تحفز عليه من سلوك بشع لا يعرف الرأفة، ولكن الأهم من ذلك لأنها تستند إلى منطق يبدو معقولاً جداً.
 
لو وضعنا المبالغات السينمائية والإبداعات الفنية جانباً، فإن هذا المنطق الأناني الذي يحسب المكسب بناء على ما يتكبده الآخرون من خسائر إنما هو سوى سمة مألوفة في السياسة الدولية وفي التنافس بين الشركات الكبرى، وفي نظام تقييم الطلاب في المدارس وكذلك في تصميم ألعاب الأطفال.
 
لوياثان
 
عندما ينسحب المتسابقون من التنافس في العالم الرأسمالي الخارجي إلى معركة من شكل مختلف تنتهي إما بالفوز بكل شيء أو بخسارة كل شيء فإنهم يخوضون تجربة هي من جوانب عديدة "حرب كل إنسان ضد كل إنسان"، تماماً كما نظر له الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس في القرن السابع عشر في كتابه لوياثان.
 
إلى حد كبير مثلما هو الحال في نظرية هوبس حول الطبيعة، فإن إزالة القيود عن التنافس في "لعبة الحبار" تجعل من الجميع متساوين: لربما يتمكن القوي من التغلب على الضعيف بدنياً، ولكن الضعيف قد يعوض ما هو مبتلى به من محدودية القدرة البدنية من خلال الدهاء وحسن التخطيط أو من خلال إبرام التحالفات فيتمكن بذلك من إلحاق الهزيمة بالقوي.
 
نشاهد طوال البرنامج التحالفات تبرم وتنقض، حيث تتجلى قدرة شخصيات المسلسل على إبداء الرحمة أو ممارسة الغدر.
 
وأكثر ما يتضح ذلك من خلال الحلقة التي حملت عنوان "عالم نزيه"، حيث تخوض شخصيات المسلسل حرباً مفتوحة لا هوادة فيها من قبل الكل ضد الكل. بما يعني أن العالم النزيه الوحيد الذي يمكن أن يوجد في ظل الرأسمالية هو العالم الذي يملك فيه البشر نفس الفرص لإيذاء بعضهم البعض أثناء التنافس فيما بينهم.
 
ولكن هذه المساواة المتقلقلة – والتي يصر المشاركون في اللعبة على بقائها طوال الوقت – لدرجة أنهم ينصبون المشانق للحراس واللاعبين الذين تسول لهم أنفسهم التلاعب بقواعد التنافس – لا تفضي إلى مجتمع أكثر نزاهة، وإنما إلى استمرار حالة الحرب حتى لا يبقى واقفاً على قدميه سوى رجل واحد.

 

اقرأ أيضا: لعبة الحبار "Squid Game".. تأمل لمعنى الحضارة والإنسان!
 
ومن هذا الجانب تبدو "لعبة الحبار" أكثر إثارة للقلق، حيث أن شخصيات المسلسل عندما تنسحب طواعية من التنافس الرأسمالي إلى شكل من التنافس أكثر تحرراً في ميدان من الفرص المتكافئة فإنهم يطلقون العنان لأشكال من العنف والغدر والتوحش لا تعرف الحدود.
 
ألعاب الأطفال
 
لعل أكثر ما هو مقلق في "لعبة الحبار" أنها تكشف لنا عن شيء نعرفه عن أنفسنا ولكننا نبذل جهداً كبيراً في محاولة لنفيه، ألا وهو أننا في ظروف المنافسة الحرة لدينا القدرة على الإتيان بأسوأ الأفعال، حتى لو كان ذلك على حساب أناس قد نكون في ظروف أخرى مشفقين عليهم أو محبين لهم.
 
يذكر هذا بذلك الشيء الذي تحدث عنه سيغموند فرويد في مقال نشره في عام 1919 تحت اسم "غير المألوف"، وهو الشيء الذي يكون مألوفاً ثم يعود إلينا وقد فقد كل ما هو مألوف بشأنه، فيمثل بالنسبة لنا شيئاً طالما عرفناه ولكننا نحاول باستمرار كتمه.
 
ثمة ما هو غير مألوف أيضاً في استخدام البرنامج عبارة "ألعاب الأطفال"، وهي عبارة تثير في الأحوال الطبيعية شعوراً بالارتياح والحنين إلى الماضي، إلا أنها تعود إلينا على شكل استعارات مهلكة لنظام عالمي لا يعرف الرحمة. وقد تمثل ذلك في لعبة تظهر فيها دمية عملاقة تشدو بألحان بريئة، ولكنها تصفي الخاسرين.
 
يبين ذلك كيف أن التنافسية مقابل التعاونية، أي فكرة أنه ينبغي على المرء أن يتقدم على حساب الآخرين، بما في ذلك أحبته وذووه، تم تحويلها إلى طقوس من خلال ألعاب الأطفال، وتم بذلك حفرها في أذهاننا جميعاً منذ نعومة أظفارنا. فحتى ألعاب المجموعات تتخذ أشكالاً تنافسية ضد الفرق الأخرى، وكم هي نادرة ألعاب الأطفال التي تعتمد على مكافأة التعاون لذاته وليس لكونه ببساطة "ميزة تنافسية".
 
يثبت لنا مسلسل "ألعاب الحبار" أن إطلاق العنان لرأسمالية هوبس غير المقيدة في أنقى أشكالها لديها القدرة المرعبة على أن توقظ داخل كل واحد منها ما فتئت الرأسمالية من خلال عقيدتها وطقوسها وتنافسيتها توطننا عليه، ألا وهو أن الحياة عبارة عن حرب مفتوحة وشاملة من قبل الكل ضد الكل – صراع حتى الموت، من قبل كل فرد وضد كل فرد.

التعليقات (0)