قضايا وآراء

قامات عرفتها.. "جاك شيميناد" سياسي غربي كبير مناصر لفلسطين

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

7 كانون الثاني (يناير) 2003 ألقى جاك شيميناد محاضراته على منبر مركز زايد بمدينة أبوظبي وعلى منبر المركز الدولي للتحليلات الاستراتيجية بدولة قطر، وكنت أنا الذي اقترحت دعوته إلى الخليج وكان له لقاء بقناة "الجزيرة" وآخر مع كوكبة من أساتذة جامعة قطر.. وبالطبع طالت لقاءاتي الشخصية بهذا الصديق وكانت لنا أحاديث منعشة ومفيدة عما ينتظر منطقة الشرق الأوسط من سلام أو من زلازل، حسب ما تفرزه الأيام القلقة من أحداث حبلى بالمفاجآت آنذاك. 

وقد سعدت شخصياً لدعوة هذه المؤسسات الخليجية عام 2003 لرجل مثقف وسياسي مخضرم يتميز بالنزاهة والجرأة في طرحه ويشرفه بخاصة موقفه المساند لقضية فلسطين على مدى أكثر من ربع قرن، والمساند للحق العربي وللدور الحضاري الكبير الذي تؤديه دول الخليج على الساحة الدولية. 

وقد عرفت جاك شيميناد شخصيا منذ أربعين عاماً وكان في مرحلة قطيعة من حياته الفكرية والسياسية، حينما استقال من منصبه كأمين عام للجنة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي.. الذي لم يكن في ذلك العهد إلا سوقاً أوروبية مشتركة، وكذلك من منصبه كمسؤول المبادلات التجارية في سوق "وول ستريت" بمدينة نيويورك، ومن منصبه الرفيع بوزارة المالية والاقتصاد بباريس.. ليدخل معترك السياسة من موقع المعارضة المدنية الفكرية، فأنشأ حزباً سياسياً هو حزب العمل الأوروبي الذي تتجاوز فعالياته واهتماماته فرنسا لتحتضن قضايا القارة الأوروبية والذي سيساهم فيما بعد في بناء الاتحاد الأوروبي. 

وشرع جاك يكتب الكتب وآخرها عن الرئيس الفرنسي ديغول والرئيس الأمريكي أيزنهاور ورجل الاقتصاد الفرنسي جون موني، كما أن له كتاباً عن رسالة فرنسا الحضارية وآخر عن انهيار المؤسسات الاقتصادية الأمريكية، وترشح سنة 1995 للرئاسة الفرنسية أمام جاك شيراك، فكان من بين المرشحين السبعة النهائيين الذين وصلوا إلى "نصف النهائي" قبل التصفيات النهائية وقاد حملة مشرفة في الرئاسيات جلبت له احترام كثير من شرائح الشعب الفرنسي والمنظمات السياسية. 

هذه بعض محطات رحلة حياة جاك شيميناد وهو يواصلها بحرصه على قول كلمة الحق ضد التعصب الصهيوني والإرهاب الإسرائيلي.. وأعتقد أنه اليوم على رأس "لوبي" نافذ في الاتحاد الأوروبي ولديه علاقات وطيدة مع أعداء الحرب في الإدارة الأمريكية وخاصة مرشح الرئاسة الأمريكية السابق ليندن لاروش. 

وقد توطدت علاقتي به على هذا الصعيد.. فأنا أحترم بصدق هذا المعدن من الرجال الأوروبيين والامريكيين الذين يقفون ويصمدون ضد التيار الجارف والمشوه للحقائق والمدلس للتاريخ، فهم أصوات تخرج من بين صلب الحضارة الغربية وترائبها وتخدم قضايانا وتنطق بلساننا، وربما وجهت هذه الأصوات إلينا نقداً نزيهاً حباً فينا وليس تجنياً علينا. 

عرفت الصديق الكبير جاك شيميناد في أيام المنفى الصعبة كذلك فوجدته نعم النصير ونعم السند، وشاركته في إلقاء محاضرات حول العلاقات الدولية والحوار الإسلامي ـ الغربي على منبر المعهد العالمي "شيلر" الذي كان يرأسه في أوروبا.. وذهبنا معا إلى واشنطن وروما وبون ودوسلدورف، وحاضرنا معا في باريس وفي جامعة السوربون بالذات، والتقت أفكار عربي مسلم مع أفكار أوروبي مسيحي. 

وقد تضلع جاك في الثقافة العربية الإسلامية وبخاصة في عهد حضورها بالأندلس، وكتب عن ذلك العهد الذهبي أجمل البحوث مما يخدمنا ويرفع رؤوسنا. هذا هو جاك.. المثقف والسياسي ورجل الاقتصاد النزيه والمنصف والواثق والجريء. 

 

هذه بعض محطات رحلة حياة جاك شيميناد وهو يواصلها بحرصه على قول كلمة الحق ضد التعصب الصهيوني والإرهاب الإسرائيلي.. وأعتقد أنه اليوم على رأس "لوبي" نافذ في الاتحاد الأوروبي ولديه علاقات وطيدة مع أعداء الحرب في الإدارة الأمريكية وخاصة مرشح الرئاسة الأمريكية السابق ليندن لاروش.

 



في هذه الرحلة الخليجية التي أسعدته، أثار جاك قضايا وملفات المستقبل على ضوء الخرائط الشرق أوسطية التي يعاد رسمها بريشة الصقور الأمريكان لخدمة مصالح الشركات الكبرى المهيمنة على الولايات المتحدة وعلى العالم.. وعلى العولمة.. وأثار واجب أوروبا الاخلاقي لتقف مع الصين ومع الأمة الإسلامية، لإحباط مؤامرات المتطرفين الصهاينة الذين ينتظرون سقوط العرب في فخاخ العولمة ليخرجوا من دائرة التاريخ الحديث ويتركوا المجال فسيحاً للمطامع الإسرائيلية الخارجة عن القانون الدولي والشرعية الدولية. 

تكلم جاك عن واجب العرب لإعادة قراءة الواقع الراهن بعيون أخرى وبأدوات أخرى، من أجل التأثير الحقيقي على الأحداث وعدم الاكتفاء بموقف المتفرج على تقرير مصيره ضد إرادته. إنها ملفات حية وساخنة ونحن العرب نحتاج أحيانا إلى إضاءة مخلصة تسلط على واقعنا من خارج حضارتنا، وشيميناد من هذه الإضاءات، بل الاشراقات التي تنير دروب المصير لأنها إضاءات من مسافة أخرى ومن فضاء مختلف، ومن الأعماق شكرا لجاك شيميناد وشكرا لكل من دعاه واستمع له وحاوره. 


التعليقات (0)