لا زلت أضحك سخرية؛ كلما استمعت إلى خطاب يُلقيه أو تصريح يصدره "
محمود عباس"، رئيس سلطة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وأستشيط غضباً وأزداد حزناً وألماً أن يكون هذا الرجل الطاعن في السن، الذي تعدى الستة والثمانين عاما، هو مَن يتولى أمر الشعب
الفلسطيني العظيم الذي ناضل وكافح العدو الصهيوني وقدم من التضحيات ما لم يقدمه شعب آخر في العالم، فكيف لهذا الخانع أن يتكلم باسم شعب حر أبي لا يقبل الدنية في دينه ووطنه؟!
منذ مؤامرته على الراحل "ياسر عرفات" بعد انتفاضة الأقصي عام 2000، وفرضه على الفلسطينيين رئيساً للوزراء من قِبل الصهاينة عام 2003، لعزل وحصار ياسر عرفات ثم فيما بعد مقتله ووراثته لجميع مناصبه، من رئاسة الدولة الوهمية ورئاسة حركة فتح وما تلاها من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، إلى آخر ذلك من مناصب لا تغني ولا تشبع من جوع إلا لأصحابها؛ فلم تعد على الشعب الفلسطيني بأية منفعة أو خير.. أعود فأقول إن هذا الرجل منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا يسير عكس اتجاه الشعب الفلسطيني، فهو لا يؤمن بالمقاومة سبيلاً لتحرير فلسطين، بل يسفّه من شأنها ويعتبرها إرهاباً ناطقاً بلسان صهيوني مُغازلاً به أمريكا لينال الرضا، فيطارد المقاومين الشرفاء أينما كانوا، ويفرط في حقوق الشعب الفلسطيني وفي أرضه ويتلاقى مع الصهاينة في إسقاط حق العودة.
وهو منذ اليوم الأول في ما تسمى "مفاوضات السلام" بينه وبين الصهاينة وموضوع القدس خارج التفاوض، وهذه سابقة لم يسبقه بها أحد. فعرفات في اجتماعه الأخير مع بيل كلينتون في منتجع كامب ديفيد عام 2000، وضع موضوع القدس على طاولة المفاوضات، وحينما أحس بأن طريق المفاوضات مسدود ولا أمل في المضي فيه، عاد إلى رام الله وأشعل انتفاضة الأقصى. ولكن هذا الرجل ظل يفاوض من أجل التفاوض ويرجو ألا تنتهي لعبة التفاوض كي يظل محتفظاً بكرسيه الملوث بدماء المقاومين الفلسطينيين، الذين بلّغ عنهم سلطات أمن الاحتلال ضمن تعاونه "المقدس"، حسب تعبيره بنفسه. فالرجل دائما ما يفضح نفسه جهراً، وكأنه يريد أن يتخذه الناس مثالاً للخيانة والعمالة ويسجله التاريخ على هذا النحو المخزي!!
وهذا لا يمنع أنه أحيانا ما يتقمص دور البطل "شجيع السيما"، ويطلع الشجرة بتعبير "بنيامين نتنياهو"، ويطلق تصريحات عنترية من قبيل تهديده بإلغاء التنسيق الأمني والعودة إلى المقاومة.. الخ، ثم يضطر إلى النزول من فوق الشجرة مكسور الرقبة مذلول النفس!
وفي خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقمص تلك الشخصية وهدد الكيان الصهيوني؛ بأن أمامه عام واحد لينسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وإذا لم يحدث ذلك، فلماذا يبقي الاعتراف بإسرائيل قائما على أساس حدود العام 1967؟
(لاحظ أنه لم يقل صراحة أنه سيسحب اعترافه بإسرائيل، بل طرحها في تساؤل كنوع من الموارية وهرب من الإجابة على السؤال، فهو أجبن من النطق بها حتى لو تقمص شخصية البطل)..
ورأى أن الخلاص أو الحل في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، متناسياً عن عمد أن تلك المحكمة قد أصدرت حكماً تاريخياً غير مسبوق عام 2004؛ في قضية الجدار الفاصل العنصري الذي شيّده الاحتلال، وأفتت بعدم شرعية الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وألزمت فيه
إسرائيل بالتوقف مباشرة عن بناء الجدار وأن تلغي أو تبطل كل التدابير المتخذة، والتي تحد أو تعرقل بشكل غير قانوني ممارسة سكان الضفة الغربية لحقوقهم، كما ألزمت إسرائيل بإصلاح كل الأضرار التي تسببتها، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ هل أذعنت سلطات الاحتلال لهذا الحكم ونفذته وتوقفت عن البناء؟ بالطبع لا، بل تحدت قرار المحكمة الدولية وأكملت البناء، وذهبت أوراق الحكم أدراج الرياح!!
بل من دواعي السخرية، أن سلطة عباس العميلة ساهمت أيضا في عدم تنفيذ الحكم، وأطفأت جذوة هذه الفتوى وجعلتها رماداً بعدما أفرغتها من مضمونها، حينما وافقت على فكرة تبادل الأراضي الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، وبالتالي قبلت بضم مساحات واسعة من الأراضي المحتلة عام 1976، وهي بالمناسبة من أجود وأخصب الأراضي، استغلها الصهاينة في إقامة المئات من المغتصبات (المستوطنات)، وساعد ذلك على تهويد المدن الفلسطينية ومحو الأسماء العربية للمدن والأحياء والشوارع واستبدالها بأسماء يهودية..
لقد قال عباس لوفد من نشطاء محافظتي الخليل وبيت لحم في الضفة الغربية، وهو جالس متربع فوق الشجرة، إن "رفض إسرائيل لحل الدولتين يفرض علينا الذهاب إلى خيارات أخرى"، وأضاف أن تلك الخيارات تشمل العودة للمطالبة بقرار التقسيم للعام 1947، أو الذهاب إلى الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية التي تتحقق فيها الحقوق السياسية والمدنية الكاملة للفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية، وليس الدولة الواحدة التي تقوم على تأييد الاحتلال وفرض نظام الأبارتايد والفصل العنصري"..
في حقيقة الأمر، نحن لا نريده أن ينزل من فوق الشجرة، بل نرجوه أن يظل فوقها ويتمسك بتهديداته. فمعنى العودة إلى قرار التقسيم الصادر من مجلس الأمن، وهو القرار رقم 181 الذي يعطي الفلسطينيين 44 في المائة من مساحة أراضي فلسطين التاريخية، أي ضعفي المساحة التي قبلت بها السلطة بعد اتفاقية "أوسلو" الملعونة، والبالغة 22 في المائة، وتضم الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب حزيران/ يونيو 1967.
ومن المفارقات العجيبة، أن إعلان الدولة الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1988 في الجزائر، استند أساساً إلى قرار التقسيم رقم 181، ولكن وفق حدود حزيران/ يونيو 1967، على الرغم من أن المجتمع الدولي في تلك الفترة كان أكثر ميلاً أو انسجاماً مع فكرة حل الدولة الديمقراطية الواحدة على كل الأراضي الفلسطينية من النهر إلى البحر، والتي تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ انطلاقها فى ستينيات القرن المنصرم، ولكنها تخلت عنها مع إعلان الدولة الفلسطينية ضمن حدود حزيران/ يونيو، أي أنها اكتفت بـ22 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية. فحتى هذا التنازل المشين، أو لنقل التفريط في الحق الفلسطيني لم تحصل السلطة عليه، بل لا زالت تتفاوض من أجله!!
ويبقى السؤال: هل سيبقى محمود عباس فوق الشجرة طوال العام، وهي المهلة التي أعطاها للكيان الصهيوني قبل تنفيذ تهديده، أم أنه سيضطر للنزول ذليلاً محسوراً ككل مرة يتمخض فيه الجبل فيلد فأراً؟!
لم يمر الشعب الفلسطيني، منذ نكبة 1948، بحالة تخبط وضياع وانهيار على جميع المستويات كما يحدث الآن، ولن يوقف هذا الانهيار ويمنعه من السقوط إلا قيادات وطنية شابة، لم تلوثها السياسة ولا المال بعد، لذلك أصبح لزاماً على جميع فصائل المقاومة والشرفاء من حركة فتح، تشكيل كيان فلسطيني جديد، بروح وطنية شابة، بعدما انحرفت منظمة التحرير عن مسارها. لقد انتهى دورها تماما وطويت صفحاتها في سجل التاريخ، بحسناتها وسيئاتها، بنضالها وكفاحها، وبانكسارها واستسلامها وسقوطها..
إن مسؤولية تشكيل هذا الكيان الوطني الجديد، تقع على عاتق جميع فصائل المقاومة، بعدما قال الشعب كلمته بعد انتفاضة الأقصى ومعركة سيف القدس في رمضان الماضي. فلقد اختار الفلسطينيون جميعا في الداخل والخارج طريق المقاومة، ورفضوا المسار الذي سارت فيه منظمة التحرير، لذا أصبح حتميا انتخاب قيادة فلسطينية جديدة تعبر عن نبض هذا الشعب العظيم وتعكس روحه المقاومة، وترد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية "تحرر وطني"، ولا بد أن يُعطى هذا الكيان الجديد الشرعية الكاملة باتخاذ القرار الجريء بشأن اتفاقية "أوسلو" وإفرازاتها، ويدير المشروع الوطني الفلسطيني بكل تجلياته..
هذا ما يحتاجه الشعب الفلسطيني الآن وليس مسرحيات عباس الكوميديا..
twitter.com/amiraaboelfetou