قضايا وآراء

حرب الغاز.. والتطبيع غير المباشر

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

يمكن القول، مع بعض التجاوز، إن حرب الغاز بين الأطراف المنتجة له، والمتاجرة به والمروجة له والمحتاجة إليه، تأتي خلفية وسبباً من أسباب الحروب المدمرة التي شهدتها منطقتنا، ودمرت ما دمرته من بلداننا وعلاقاتنا ومصالحنا..

 

فتضارب مصالح بائعي الغاز والنفط، واستراتيجياتهم من يجعلونه سلاحاً اقتصادياً في صراعاتهم، وحاجات المعتمدين عليه والمحتاجين له في نهوضهم وتطورهم وتفوقهم.. كل هذا يجعله مادة قابلة للاشتعال بطبيعته ومشعلة للحروب الباردة والساخنة، ويدخله في استراتيجيات الدول العظمى وتحالفاتها وصراعاتها وحروبها المباشرة وغير المباشرة، بالأصالة والوكالة.. وينعكس مآسي ومعاناة على دول وشعوب.

فالولايات المتحدة الأمريكية التي تستهدف روسيا الاتحادية والصين في هذا المجال، تعارض وصول الغاز الروسي إلى أوروبا وتقف ضد مشروع السيل الشمالي، السيل التركي الذي سيوصل الغاز الروسي المسال إلى السوق الأوروبية عبر بلغاريا. وكان لها دور في الصراع العنيف بين أوكرانيا وروسيا، لأنها أرادت إيقاف مرور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خمسة أنابيب روسية تمر عبر أوكرانيا.. ووضعت بديلاً لتزويد أوروبا بالغاز الروسي يعتمد على غاز ليبيا عبر المتوسط، وعلى مد خط سمي خط "الغاز العربي" يمر عبر الأردن وسوريا وتركيا..

وعلى هذا دخلت أوروبا في شراكة مع منتجي الغاز العربي لإنشاء ذلك الخط الذي وصل إلى حمص وتوقف عام ٢٠١٠. ولا يمكن استبعاد توقفه من أن يكون أحد، وأكرر "أحد"، أسباب الحرب في سوريا، وأحد دواعي تدخل روسيا في تلك الحرب عام ٢٠١٥ لمنع إنجازه بمنع مروره عبر الأراضي السورية.
 
ولم تتوقف الولايات المتحدة عن العمل في هذا المجال خدمة لاستراتيجيتها ولـ "إسرائيل"، فركزت على مشروع غاز شرق المتوسط ومد خط ينقل الغاز الذي تسرقه "إسرائيل" من المياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة في حقلي "تمار وليڤياثان" الواقعين شرق المتوسط قبالة حيفا وإسدود، لإيصال ذلك الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.. 

وفي هذا الإطار جاءت المصالحة التركية ـ الإسرائيلية التي حققتها إدارة أوباما عام ٢٠١٦.. لكنها لم تدم ولم تحقق الهدف المطلوب منها لعوامل أخرى أهمها أن اللاعب الروسي لم يكن غائباً ولا نائماً فعمل في سوريا وعمل مع تركيا.. حيث كان نشطاً على الخط لإنجاز مشروع السيل التركي الذي أوصل الغاز الروسي والأذربيجاني إلى أوروبا عبر بلغاريا.

ومع هذا لم يتوقف الجهد الأمريكي لدعم "إسرائيل" لا في التنقيب عن الغاز والنفط ولا في تسويقهما، فبعد تعثر مشروع خط نقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا، وبدء حقل " ليڤياثان الإسرائيلي" بإنتاج الغاز، أُعلن عن بدائيل كان على رأسها مد خط مباشر عبر البحر الأبيض المتوسط لنقل الغاز "الإسرائيلي" إلى أوروبا، ودخلت الإمارات العربية المتحدة، بدفع أمريكي، على خط تمويل إنجاز ذلك المشروع الذي قدرت تكلفته بسبعة مليارات دولار تقريباً.. 

إلا أن المشروع لاقى معوقات طبيعية ـ عمق بحري يتجاوز القدرة التقنية الحالية على التمديد ـ وتوقف لمدة قد تطول لسنوات.. ولهذا أوجدت الجهات الصهيو ـ أمريكية وشركاتها والمتحالفون معها بديلاً طموحاً لتسويق " الغاز الإسرائيلي؟!".. وهو حل يستثمر في التطبيع المباشر وغير المباشر مع دول عربية.. وقد كان هذا التطلع ومازال من بين أهم تطلعات العدو الصهيوني.. وهو إلى جانب فوائده المالية التي توفر عائدات بمليارات الدولارات.. يشكل مجالا موازياً لمجال القوة العسكرية الصهيونية التي تحتل وتهدد وتهيمن، وهذا المجال يجعل "سلاح الطاقة" ـ الاقتصادي ـ السياسي ـ العسكري سلاحاً استراتيجياً يحكم القبضة على دول الجوار العربي لفلسطين المحتلة أولاً، ومن ثم يساهم في توسيع دائرة التطبيع الصهويني عربياً وإقليمياً، عبر دول عربية معترفة بإسرائيل وأخرى متحالفة معها من فوق الطاولة ومن تحتها، وعبر شركات وشراكات وتحالفات مسمومة تشرف عليها وتتابعها الولايات المتحدة الأميركية ومن بينها ما يسمى اتفاق "إبراهيم".
   
وتحقق ذلك الحل الطموح في الاتفاق الذي وقعه باسم مصر الوزير طارق الملا وباسم كيان الإرهاب العنصري "إسرائيل" يوفال شتاينتس عام ٢٠١٨.. وهو اتفاق مدته عشر سنوات بقيمة ١٥ مليار دولار وقابل للتجديد والتطوير، بموجبه تم ربط خط غاز حقلي "تمار وليڤياثان"بوحدات إسالة الغاز الطبيعي في مصر "إدكو، ودمياط".. ويمتد الخط البحري حتى العريش، مروراً بعسقلان، ويلتقي بخط الأنابيب المصري العابر لسيناء.

وقد كان هذا الهدف "الإسرائيلي" القديم الجديد المتجدد المعلن والمصرح به، تطلعاً للعدو الصهيوني ومصلحة له أولاً وأخيراً.. ولهذا كان فرح نتنياهو في حينه لا يُحد، فقد قال: "هذا هو يوم مهم يمثل التعاون المتواصل بيننا في مجال الطاقة وفي مجالات كثيرة أخرى.. نعتقد أن هذه فرصة هائلة لتحقيق تعاون إقليمي بين مصر وإسرائيل والدول الأخرى، نحن نشكل مركزاً إقليمياً للطاقة معاً، سنستطيع توفير ليس احتياجاتنا فحسب وإنما احتياجات دول كثيرة أخرى أيضاً"..

 

كان الشعب العربي في الأردن محقاً حين سمى هذا الاتفاق "احتلال الغاز والكهرباء"، وذلك لتحكم العدو الصهوني بالأردن من خلال التحكم بالطاقة "الغاز والكهرباء".. وكل من الاتفاقين مع مصر والأردن يصب في مصلحة "إسرائيل اقتصادياً، ويضع أعناق دول عربية يتم تصدير الغاز والكهرباء إليها عملياً من "إسرائيل" عبر واجهة / وسيط عربي في قبضة العدو الصهيوني من خلال التحكم بالطاقة..

 



وقد بدأ ضخ الغاز إلى مصر عبر هذا الخط في ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠ ليتم تسييل الغاز "الإسرائيلي؟!" المسروق من من الفلسطينيين" في المعملين ومن ثم تسويقه وتصديره باسم "غاز مصري؟!.. وتلا هذا الاتفاق اتفاق آخر بين الأردن و"إسرائيل".. وقَّعته شركة الكهرباء الوطنية الأردنية باسم المملكة مع شركة نوبل إنيرجي، وبموجب هذا الاتفاق تحول الأردن هو الآخر لمصدر للكهرباء المنتجة بطاقة إسرائيلية. والأردن تحكمه معاهدة مع "إسرائيل"، ينص البند السابع منها على أن "تلتزم الدولتان بتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، والعمل على إنهاء المقاطعة الاقتصادية وصولا إلى علاقات اقتصادية طبيعية على كافة المستويات".. 

وكان الشعب العربي في الأردن محقاً حين سمى هذا الاتفاق "احتلال الغاز والكهرباء"، وذلك لتحكم العدو الصهوني بالأردن من خلال التحكم بالطاقة "الغاز والكهرباء".. وكل من الاتفاقين مع مصر والأردن يصب في مصلحة "إسرائيل اقتصادياً، ويضع أعناق دول عربية يتم تصدير الغاز والكهرباء إليها عملياً من "إسرائيل" عبر واجهة / وسيط عربي في قبضة العدو الصهيوني من خلال التحكم بالطاقة.. 

ولا يشمل ذلك مصر لأنها بامتلاكها للغاز من حقل "ظهر" إضافة إلى ما تنتجه من حقول أخرى يجعلها لا تحتاج للغاز من إسرائيل، وإنما هي مستثمر في الإسالة ومروج ومصدِّر.. وفي حال الخلافات مع "إسرائيل" تتأثر مصالحها وعائداتها المالية من المشروع والإسالة والوساطة لكنها لا تُحكم استراتيجياً. وبهذا لم تتحول مصر/ الحكومة لا الشعب/ إلى التطبيع التام مع " إسرائيل" بل أصبحت مسوِّق - مستثمر في مجاله، ومفتاح لسيطرة "إسرائيل" على دول عربية من خلال التحكم بالطاقة " الغاز والكهرباء".
 
وهذا يضع دولاً عربيا تأخذ الغاز والكهرباء من مصر والأردن، لضرورات وأزمات خانقة، يصبح في مجرى التحكم السياسي ـ الاقتصادي الإسرائيلي.. فثلاث دول عربية على الأقل هي "الأردن ولبنان وسوريا".. حسب المشروع الأخير لمساعدة لبنان وانتشاله من أزمة الغاز والكهرباء الذي روجت له وسهلته وفرضته الولايات المتحدة الأمريكية، وعملت له بحماسة شديدة سفيرتها "دوروثي براندين. ك. شيَّا"، ذات الأصول اللبنانية الدُّرزية".

ولأول مرة منذ تطبيق قانون قيصر على سوريا يتم تجاوزه في ما يتعلق بهذا الخط، وهو الأمر الذي لم يسبق أن حصل رغم جائحة كورونا وضروراتها الإنسانية. ولم يكن ذلك المشروع ولا التجاوز الأمريكي ليحصل لولا مصلحة "إسرائيل"، واستراتيجية إحكام المخطط والقبضة "الصهيو ـ أمريكية" على دول عربية وهو إحكام قبضة وتحكم لا يتوقف عند حدود الطاقة بل يشمل المستقبل أيضاً لأن النهوض والتطور والتحرر و.. .. والمستقبل، مرتبط بالطاقة على نحو وثيق.

فهل إلى وعي بالمخاطر من سبيل، في ظل الحروب والأزمات والضائقات والمعاناة؟! 
نسأل الله ذلك فمنه الهدى وعليه الاتكال. 


التعليقات (0)