هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد مرور يومين فقط على مسرحية المحاولة الانقلابية التي فبركها عسكرُ السودان لتشديد قبضتهم على الحكم، كشف مسؤولون في “لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989” لوكالة رويترز أنّ النظام السوداني صادر أصولا لحماس تضمّ أراضي زراعية شاسعة مساحتها مليون فدّان، ومكاتب صِرافة، و12 شركة متعددة الأغراض، وفندقا، ومحطة تلفزيونية؟!
لا نعلم ما مدى دقّة هذه الأرقام، ولكن لنفترض جدلا بأنّ ما كشف عنه النظام السوداني صحيح، فكيف يسمح لنفسه بمصادرتها والحالُ أنها استثماراتٌ حلال وفّرت للسودان فائضَ قيمة ومناصبَ شغل لأبنائه، ولا يتعلق الأمر بتهريب مخدرات وملاهي وحانات وبيوت دعارة لإفساد أخلاق السودانيين؟ أليس هذا سطوا وسرقة لأملاك حركة مقاومةٍ شريفة تقارع الاحتلال لتحرير فلسطين ومقدّسات المسلمين فيها نيابة عنهم جميعا؟
في العقود السابقة كان العربُ لا يتردّدون في إرسال جيوشهم للمشاركة في الحروب العربية- الصهيونية ويفتخرون بشهدائهم الذين ارتقوا دفاعا عن فلسطين، أما اليوم فقد أضحوا يتنافسون على محاربة المقاومة بشتى الطرق وحفظ أرواح المحتلين العنصريين مغتصبيْ الأراضي والمقدّسات!
حتى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، تفاخر قبل أيام بانضمام أربع دول عربية إلى قائمة الخيانة السنة الماضية، وقال إن توقيعها “اتفاقات إبراهام” هو “حدثٌ تاريخي” و”مناسبة تستحق الاحتفال بها”!.. هكذا والله.. العمالة للاحتلال وبيع فلسطين والأقصى أضحت “حدثا تاريخيا” يفتخر به عربُ آخر الزمان من دون أيّ خجلٍ أو حياء!
من ذا الذي كان يعتقد أنّ السودان الشامخ الداعم للقضية الفلسطينية بلا حدود، وصاحب قمّة “اللاءات الثلاثة” الشهيرة عقب “نكسة” 1967: “لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض”، والذي طالما احتضن المقاومة الفلسطينية وساهم في تهريب الأسلحة الإيرانية إليها سنوات عديدة، ينقلب اليوم على عقبيه بـ180 درجة ويبيع القضيّة مقابل رفع اسمه من القائمة الأمريكية للإرهاب، ويتخندق في صفّ العدو الصهيوني، ويعادي المقاومة ويساهم في محاربتها عبر مصادرة أملاكها على أراضيه؟!
اليوم اتّضح أنّ قوى الثورة العربية المعادية للسودان قد استغلت ثورة أبنائه قبل نحو عامين للإطاحة بالبشير والمجيء بـمجلس “سيادة” عسكري على مقاسها لتنفيذ التطبيع والانبطاح والانتقال إلى الصفّ الآخر المعادي للقضية الفلسطينية والمقاومة. وهي خسارة كبيرة للشعب السوداني الذي ثار من أجل الديمقراطية والتغيير، فمُنح له الاستبدادُ المغلَّف بواجهةٍ مدنية، والخيانةُ والتطبيع مقابل وعودٍ أمريكية وصهيونية جوفاء بالانتعاش الاقتصادي والرخاء، وكأنّ تجربة الأردن ومصر اللتين طبّعتا منذ عقود وازدادتا فقرا وتخلّفا، لم تكونا واعظا كافيا للسودان.
ومهما يكن من أمر، فالسودان هو الذي خسر إباءه وقيمه ورصيده النضالي لدى الشعوب من خلال الهرولة والاستسلام للعدوّ وصولا إلى بيع حماس لنيل رضاه، فهنيئا له أن يكون “كنزا استراتيجيا” جديدا للاحتلال بعد مبارك والسلطة الفلسطينية والإمارات والمغرب وباقي دول الهرولة، أما حماس فلن يضرّها من خالفها وشيْطَنها وحاصرها بشتى الطرق، وستبقى شوكة في حلق الاحتلال، تحاربه بشموخ كلّما اقتضت الضرورة ذلك وتُمطره بآلاف الصواريخ وترسل الملايين من مستوطنيه إلى الملاجئ.. يكفيها أنّ إيران لا تزال تقف إلى جانبها وتزوِّدها بالمال والصواريخ والتقنيات المتقدِّمة بلا شروط.. في كلّ يوم نتأكّد أنّ الحركة قد أحسنت صنعا بهذا التحالف الاستراتيجي مع إيران، أما عرب الردّة والخنوع والتآمر الذين اختاروا العدوَّ حليفا لهم، وصديقا يلقون إليه بالمودّة، فليس لهم إلا الهوان والخزي والندامة ولعنات 1.7 مليار مسلم إلى يوم الدين.
(الشروق الجزائرية)