هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
التشكيك جزء من تكوين الإنسان، ونظرية المؤامرة قائمة منذ قديم الزمان، فهناك من شكك بالأديان والرسالات السماوية والرسل والأنبياء ولا يزال.. وهناك من يشكك في وجود الله ووحدانيته، وفي زمننا هذا زمن جائحة كورونا، تجد الكثير ممن يشكك في أصل الفيروس، والزعم بأنه من صنع الإنسان.
ويرى أنصار هذه النظرية أن فيروس كورونا يدخل في سياق الصراع بين الدول الكبرى على تطوير سلاح بيولوجي مدمر. ويقولون؛ إن الأمور فلتت بعد تسرب الفيروس إلى خارج المختبرات، إلخ.
الأمريكيون يتهمون الصينيين الذين يردون باتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء هذا الفيروس المميت، وبين هذا وذاك وصلت القناعة أو لنقل العناد لدى البعض إلى حد رفض الاعتراف بالفيروس، وبالنتيجة يرفضون التعاطي مع التطعيم بأي شكل من الأشكال، رغم الإعلان عن وفاة عدد من قادة هذا التوجه، جراء إصابتهم بالوباء. وهذا بحد ذاته قد يبقي على هذا الفيروس بين ظهرانينا.
والحقيقة أن أيا مما تقدم ليس هو موضوع مقالنا لهذا الأسبوع، بل الشكوك التي حاول البعض إثارتها حول العملية البطولية النادرة، التي لم ولن نرى لها مثيلا سوى في الأفلام والمسلسلات الهوليوودية.
ذلك الهروب الكبير الذي نفذه مجموعة من الأسرى الفلسطينيين، ونجحت في الفرار من أعتى سجون الاحتلال، التي تعج بالأسرى الذين يزيد عددهم عن4500 أسير، منهم نحو 450 أسيرا إداريا، وبعضهم قضى جل سنوات عمره في الأسر.
نجح هؤلاء الشباب بالفرار عبر نفق طوله بضع عشرات من الأمتار، عملوا على شقه وحفره بالملاعق فقط وعلى مدى نحو 9 أشهر. والجدير بالذكر أن ملحمة الهروب من سجن جلبوع ليست الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني، ولن تكون الأخيرة، فقد بدأت من أيام الانتداب البريطاني، وسجلت أول عملية هروب من سجن عتليت عام 1938. ومن قبيل الصدف أن محمد جهجاه جد زكريا الزبيدي لأمه، كان أسيرا وفرّ من سجن شطة غير البعيد عن جلبوع، في عملية الهروب الكبير في تموز/يوليو عام 1958.
ولم ولن تتوقف عمليات الهروب، وعندنا مثال حي، هو المناضل حمزة يونس الذي نجح في الهروب من سجون الاحتلال 3 مرات، وهو الآن يعيش في النرويج وعمره يناهز الثمانين عاما، أطال الله عمره. مثل هذه العمليات ليست غريبة ولا جديدة على الشعب الفلسطيني التواق دوما للحرية والاستقلال.
لكن هناك من يشكك في إنجازات الشعب الفلسطيني ونضالاته منذ أكثر من مئة عام.
ويقود قائمة المشككين الروائي و«المؤرخ» المصري يوسف زيدان، المتخصص في مجال التراث، أو هكذا يقول. وهو كما يبدو لا يعرف تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته. وتظهر شطارة صاحب رواية «عزازيل» بالتاريخ، عند الحديث عن اليهود وحقوقهم وإسرائيل دولة الاحتلال التي يصفها بالعدو العاقل، ويتحدث عن حقها في الوجود، وأعرب عن رغبة في زيارتها، ولا أدري إن كانت أمنيته هذه قد تحققت أم لا؟
زيدان لا يدخر فرصة إلا ويحاول من خلالها التقليل من شأن الفلسطينيين وبطولاتهم والتشكيك في مقدساتهم.
وزيدان الذي لا يدخر فرصة إلا ويحاول من خلالها التقليل من شأن الفلسطينيين وبطولاتهم والتشكيك في مقدساتهم، أثار حالة من الجدل عند وضع عملية الهروب في دائرة الشك، عبر منصات التواصل الاجتماعي، ردا على تدوينات كتبها عبر صفحته على فيسبوك، واستهزأ فيها من نجاح الأسرى الستة بالفرار. هذا الكاتب الذي له تاريخ في التشكيك بأي شيء له علاقة بالقضية الفلسطينية، قلل من هذا الإنجاز العظيم للأسرى، ليس هذا فحسب، بل وصفهم بـ«الممثلين»، رغم نفيه لاحقا أن يكون قد استخدم هذا المصطلح، وأن ما قاموا به لا يعدو كونه أكثر من مسرحية.. والمسرحية لا تكون بغير ممثلين يا يوسف.
وقال زيدان: «انشغل الجميع بمسرحية الهروب الوهمي للمعتقلين الفلسطينيين من السجن الإسرائيلي، إنهم لن يعودوا أحياء في حال ظهورهم»، وحاول تمويه هذا السقطة الجديدة من سقطاته العديدة التي تصب جميعها في صالح العدو، بالزعم أن هذه العملية صرفت الأنظار عن القصف الإسرائيلي الليلي العنيف، وكأن هذه هي المرة الأولى التي يقصف فيها الاحتلال غزة. واصفا كل المهتمين بالهروب الكبير من «نفق الحرية» بالمغيبين، قائلا: «الوعي صعب على المغيبين والإدراك السليم أصعب ونحن مغيبون».
واضطر زيدان الذي كرس نفسه في الآونة الأخيرة للتشكيك بالقضية الفلسطينية، وكل مقدساتها لصالح العدو، وإثبات حقه فيها، للاعتذار عن سقوطه الأخير. فكتب يقول على «فيسبوك»: «اعتذارٌ واجب: انزعج بعضُ متابعي صفحتي هذه، خصوصا الفلسطينيين منهم.. لأنني تشكَّكت في قصة فرار المعتقلين الستة من سجن جلبوع بملعقة».
وتابع في اعتذاره «إذ رأيتُ أن ذلك لا يتفق مع المنطق، لاسيما أنني علمتُ بالأمر بعد حدوثه بساعات قليلة، وقتما كان الطيران الإسرائيلي يشنُّ غاراته الغشوم على غزَّة، بينما بعضُ الفلسطينيين يزغردون ويوزّعون كعك العيد ابتهاجا بفرار المعتقلين.. وفي إطار حالة اللامعقول هذه، ورغبة في تنبيه العقول إلى عبثية المشهد، وسوء ظنّ مني، كتبتُ هنا ما مفاده أنها مسرحية».
وأكمل: «وقد تسافلت بعض المنافذ الإعلامية، وادّعت بالكذب أنني وصفت الفارين بالممثلين، فغضب كثيرٌ من المنزعجين.. كما قلتُ في سياق ما كتبته إنني «أظن» أن الفارين لن يظهروا مجددا أحياء. (لكنهم ظهروا يا زيدان) أربعة منهم قُبض عليهم تباعا بعد أيام استنشقوا فيها هواء فلسطين النقي، وتذوقوا خيراته التي لم يتذوقوها منذ سنوات طويلة، من التين والصبر والرمان.. واثنان من الأسرى لا يزالان يتذوقان طعم الحرية وطعم فواكه فلسطين».
وأضاف: «فكنتُ في ظني هذا مُخطئا، وهذا يستوجب اعتذاري الواضح والصريح لكل من انزعج بسببي أو غضب مني، مع محبتي الحقيقية الصادقة، (وليست التجارية أو الدعائية) لأهلنا في فلسطين».
اعتذارك يا يوسف زيدان مرفوض لأنه ليس نابعا من نية صافية، ولا وطنية تفتقر لها، ولا خوفا على مصلحة الشعب الفلسطيني؛ فشكوكك متكررة، ولم تتوقف، واستنتاجاتك مرفوضة ومردودة عليك فهذا الموقف اللاوطني ليس غريبا على يوسف زيدان، فتاريخه حافل بالمواقف اللاوطنية التي يصل بعضها حد العداء والاعتداء على الشعب الفلسطيني والمقدسات الفلسطينية والخطوط الحمر الفلسطينية.
ونذكّر على سبيل المثال لا الحصر ببعض المواقف والاستنتاجات اللاوطنية لزيدان، التي إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن صاحبها دوما يلهث وراء الشهرة على حساب المواقف الوطنية، فزيدان بعد زوبعة «عزازيل» بدأت الأنوار تخفت من حوله، وكان لا بد من أن يخرج عن المألوف بتصريحات فاقعة يعود فيها إلى الأضواء. ولم يجد أفضل من تشكيكه بالأقصى وبقناعات المسلمين التي تمتد لأكثر من ألف وأربعمئة سنة.
ـ حسب زيدان، فإن كل ما يقال عن القدس ليس إلا خرافة.. وما فيش حاجة كدا». فلا بيت مقدس ولا قدس شريف ولا إسراء ولا معراج من القدس. وبما أنني لست مؤرخا ولا عالم دين، فإنني أترك الرد عليه للمفكر والكاتب الإسلامي المصري محمد عمارة الذي قال؛ «إن ما جاء به زيدان مصدره «وثيقة» كتبها مؤسس ما تسمى رابطة الدفاع اليهودية دانييال بايبس، ونشرتها مجلة «الأهرام» في إبريل (نيسان) 1999».
ويضيف عمارة أن هذا الكلام ردده في تموز/يوليو 2009، مردخاي كيدار أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة بار إيلان، في محاضرة في الكنيست قال فيها؛ «إن القدس يهودية وعلى المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة ليبنوها بمكة، فالمسجد الأقصى مكانه «الجعرانة» بين مكة والطائف».
ـ زيدان يصف من يرفض دعواته للتطبيع مع دولة الاحتلال بالجهلة وغير الوطنيين. وكأن التطبيع مع دولة احتلال هو العلم والنور والثقافة والحضارة وقمة الوطنية.
ـ زيدان يبرئ إسرائيل من دماء ضحايا صبرا وشاتيلا.
ما تقدم ليس إلا غيض من فيض، ويمكن العودة إلى مقالين سابقين حول مواقف زيدان اللاوطنية تحت عنوان «يوسف زيدان.. من الأقصى لصبرا وشاتيلا.. تشكيك وتحريف» و«يوسف زيدان ووطنيته الزائفة وعقلانية إسرائيل».