قضايا وآراء

الفنان ماهر سليم وعدم تكافؤ الفرص

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600

رحل الفنان المصري ماهر سليم الذي كان من دفعتي في المعهد العالي للفنون المسرحية. لعل كثيرا من الناس، إن لم يكن أغلبهم، لم يسمعوا به أو يتعرفوا عليه إلا عند وفاته، رغم موهبة ماهر وخفة دمه وسرعة بديهته في فن الكوميديا؛ حيث كان محل إعجاب الجميع أيام الدراسة. حينها أجمع زملاؤه وأساتذته على موهبته؛ بل زاد عن هذا أنه رجل مسرح، فقد كان موظفاً بمسرح الطليعة تحت إدارة المبدع المخرج سمير العصفور. لا شك أنه نهل الكثير والكثير من ذلك المخرج العظيم، ولا أبالغ في أن شخصية ماهر الفنية تشكلت وتبلورت في فترة إدارة سمير العصفوري.

لقد تنبأنا جميعا بعد التخرج، بأن ماهر سينطلق بسرعة الصاروخ إلى النجومية التي يستحقها وانتظرنا ذلك.

ولكن يبدو أن لواقع الحسابات في الوسط الفني رأي آخر. انتظر ماهر طويلا وزاد انتظاره وهو يرقب أبناء دفعته ينطلقون نحو العمل والنجومية، كان يراقب انطلاقة كل منهم بمنتهى حب الزمالة والصداقة التي فُطرت سريرته عليها.

مع شديد الأسف تأخر القطار كثيراً وانتظر ماهر طويلا؛ لكي تبدأ البشائر مع مخرجنا الكبير يوسف شاهين، الذي آمن بموهبة ماهر وقدمه في أكثر من عمل. انفك النحس عن ماهر جزئياً ليبدأ انتباه الوسط إلى موهبته. صحيح أنه لم يتوفر له ذلك الاهتمام الكافي ولكنه كان اهتماماً على أية حال.

لسوء الحظ جاء المرض اللعين ليأخذ ماهر قبل أن يأخذ مكانته التي كان يستحقها، حيث كان قاب قوسين أو أدنى منها. لقد فقدنا موهبة بديعة تم حرقها بالتجاهل وطول الانتظار؛ شأنه شأن الكثير من الكفاءات التي ترحل عن حياتنا أو تموت وتذبل دون أن يحس بها أحد؛ حيث تفقد مصرنا الحبيبة مواهب كان يُمكن أن تُساهم بشكل أو بآخر في التنوع والتباين؛ الذي يؤدي بالضرورة إلى صيرورة تساهم في إثراء الحياة الفنية في كافة حقول التعبير. هذا بدوره يدعم القوة الناعمة المصرية ويقوي من دورها وتأثيرها المحلي والإقليمي.

بالطبع لم يكن ماهر الأول ولا الأخير ممن حُيدوا لسبب أو لآخر. يحضرني هنا مثال آخر للراحل المبدع فاروق يوسف؛ تلك الموهبة الجبارة التي رحلت عن عالمنا وهي لم تأخذ حقها كما يجب أن يكون، ولم يستفد من ألقها وتوهجها لا القائمون على العملية الفنية ولا الجمهور المتلقي الذي أحب فاروق في فيلم "أبي فوق الشجرة"، ولكن سيكون لهذا الفنان مقالة منفصلة.

أردنا هنا أن نعرض لحضراتكم فن حرق المواهب والكفاءات الممنهج الذي لا يُفقدنا فقط المواهب، بل الأكثر يُفقدنا أيضاً روح التعاون كفنانين وجمهور. نضيع في زحمة الأجواء المشحونة ولا ننتبه انتباهاً جاداً لأولئك الذين يشبهوننا، أو نعجز بمعنى أدق أمام مرارة واقعنا عن أن نمد لهم يد المساعدة؛ أو نرفع عنهم الظلم الذي يطالهم أو يطال غيرهم.

 


التعليقات (0)