انقضت أحداث الأيام الأخيرة التي شهدها
محيط ميناء بلحاف، إلى حالة من الجمود المرحلي تقريباً، وسط تضارب الأنباء بشأن انسحاب عسكري للإمارات من أكبر منشأة لتسييل الغاز في
اليمن، ومعها المئات من مرتزقة ينتمون لتشكيلات عسكرية مختلفة أنشأتها وتمولها
الإمارات، إذ بدا واضحاً أن الانسحاب لا يزال مرهوناً بوفاء السعودية نفسها بتعهدات قطعتها لمحافظ شبوة بإنجاز هذا الانسحاب خلال ثلاثة أشهر.
لكن أكثر ما لفت انتباهي هو عنوان لتقرير نشرته جريدة "الأخبار" اللبنانية التي تدور حول مشروع حزب الله في لبنان، ووصفت فيه ما جرى ويجري في هذه المنطقة الحيوية بأنه "صراعٌ على عائدات ميناء بلحاف"، وأن "الإصلاح يستفزّ الإمارات". ومما جاء في التقرير أن صراعاً وشيكاً أبطلته السعودية بين
حزب الإصلاح والإمارات "على المكاسب التي تدرّها صناعة الخام اليمني".
يذكرنا هذا الطرح بالخطابين السياسي والإعلامي اللذين ترافقا مع أحداث السنوات السبع الماضية، منذ أن تكفل الحوثيون وحليفهم صالح بثورة مضادة للربيع اليمني، حيث حضر الإصلاح ورجاله بقوة في المشهد باعتبارهم "مسلحين إخوانيين" يخوضون مواجهات مفتوحة مع مسلحين مدعومين من إيران، أي مسلحي "أنصار الله"، وهو توصيف لاذ به خونة الدولة، لدفع الناس للقبول بفكرة الحرب التي تستنزف "الأشرار" وتبقي مجالاً لـ"الأخيار" ليقرروا مصير الدولة والبلاد.
يذكرنا هذا الطرح بالخطابين السياسي والإعلامي اللذين ترافقا مع أحداث السنوات السبع الماضية، منذ أن تكفل الحوثيون وحليفهم صالح بثورة مضادة للربيع اليمني، حيث حضر الإصلاح ورجاله بقوة في المشهد باعتبارهم "مسلحين إخوانيين" يخوضون مواجهات مفتوحة مع مسلحين مدعومين من إيران
لكن النتيجة مضت بعكس ما تطلع إليه معظم الحاقدين على ثورة فبرار 2011 وحواملها السياسية، إذ انتهت غزوات
الحوثيين المسكوت عنها من جانب جيش الدولة ورئاستها والنصف الموتور في حكومة الوفاق الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه)، بإفساح المجال لسيطرة عنيفة وذات بعد طائفي صارخ من قبل "الجماعة الفتية" على مقدرات الدولة اليمنية.
هناك من النخب والقوى السياسية اليمنية من لا يزال لديه الاستعداد أو القابلية للنظر إلى ما جرى ويجري في بلحاف على أنه مواجهة منفصلة بين طرف يمني، هو التجمع اليمني للإصلاح، وبين طرف إقليمي منخرط في حرب لم نعد نعرف أهدافها ولا طبيعة النهاية المفترضة لها، على نحو يجرد المواجهة الحتمية من بعدها الدّولَتي والوطني.
فمحافظ شبوة يمثل الدولة اليمنية التي تريد أن تستعيد منشأة حيوية لتصدير الغاز، وتريد أن تستأنف تصدير الغاز الطبيعي المسال للحصول على موارد، تمكنها من الإنفاق على شعبها المنهك والذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية، فيما تواصل الإمارات التي توقفت عن دفع مساهماتها إلى المنظمات الدولية ضمن خطط الاستجابة الأممية؛ حرمان الدولة من أهم مواردها.
تتوسل الإمارات في هذا الخصوص قواتها التي لا تزال مرابطة في اليمن، رغم ادعاءات أبو ظبي بالانسحاب، كما تتوسل المجلس الانتقالي، وهو كيان طارئ مدعوم من الإمارات، ويتبنى المشروع الانفصالي كخيار لا رجعة عنه. لذا لا غرابة أن يستمر الانتقالي في التعامل مع محافظة شبوة، باعتبارها محافظة "محتلة" من "مسلحي جماعة الإخوان الإرهابية"، كما تزعم هذه العصابة المسلحة الانفصالية.
المؤسف أن أحزاباً سياسية لا تزال تنظر بعين الرضا للمشاريع السياسية والعسكرية التي تفكك عرى الوطن عروة عروة، باعتبار أنها جزء من مواجهة شاملة مع الإصلاح ومسلحيه وجماعته الإخوانية، ولا ضير أن تسكت وتتغاضى عن مخطط تفكيك الدولة والتغول الكبير للجماعات المسلحة الطائفية والانفصالية
والمؤسف أن أحزاباً سياسية لا تزال تنظر بعين الرضا للمشاريع السياسية والعسكرية التي تفكك عرى الوطن عروة عروة، باعتبار أنها جزء من مواجهة شاملة مع الإصلاح ومسلحيه وجماعته الإخوانية، ولا ضير أن تسكت وتتغاضى عن مخطط تفكيك الدولة والتغول الكبير للجماعات المسلحة الطائفية والانفصالية، وتواصل الحديث في الآن ذاته عن السيطرة المزعومة من جانب الإصلاح على "مفاصل الدولة".
التحالف بنى خطابه السياسي والإعلامي على كذبة المواجهة الحاسمة مع "الأخونج" باعتبارهم الطرف المتهم بإطالة أمد الحرب والتخاذل في الجبهات والعبث بالمستحقات والإمدادات، والسيطرة على مفاصل الشرعية، على نحو ما يصرح به معلقون محسوبون على التحالف والجماعات الانفصالية والأحزاب الموتورة، ويكشفون من خلاله زيف الموقف الأخلاقي للتحالف ومن يدور في فلكه من القوى المحلية، التي لا تزال تقتات على خلافات أيديولوجية تجاوزها الزمن، بعد أن انقرضت معظم الديناصورات الأيديولوجية العابرة للحدود في العالم؛ مخلّفة كائنات قُطْرية ضئيلة لكنها لا تزال موتورة.
كل ذلك يحدث فيما يواصل الحوثيون توجيه الضربات الصاروخية وإرسال الطيران المفخخ إلى عمق الدولة التي تقود "تحالف دعم الشرعية" المزعوم، والاصطفاف العلني ضمن مشروع إيران التوسعي. والأخطر من ذلك أن الحوثيين باتوا الواجهة التي تتبنى أكثر الهجمات الإيرانية فتكاً على المنشآت والمرافق الحيوية السعودية، كالهجمات التي نُفذت على
منشآت أرامكو في بقيق وخريص شرق المملكة.
كل ذلك يحدث فيما يواصل الحوثيون توجيه الضربات الصاروخية وإرسال الطيران المفخخ إلى عمق الدولة التي تقود "تحالف دعم الشرعية" المزعوم، والاصطفاف العلني ضمن مشروع إيران التوسعي. والأخطر من ذلك أن الحوثيين باتوا الواجهة التي تتبنى أكثر الهجمات الإيرانية فتكاً على المنشآت والمرافق الحيوية السعودية
واللافت أنه فيما يواصل هذا الشتات المخيب للآمال من القوى المحلية المنضوية تحت مظلة التحالف، وهذا هو التوصيف الأفضل، لأن هذا الشتات لا يجتمع بأي حال من الأحوال تحت مظلة الشرعية نتيجة لتضارب الأهداف والمشاريع، ولأن الانضواء تحت مظلة الشرعية بات خياراً مكلفاً. ويكفي أن نعرف أن كل من بقي مؤمناً حتى الآن بالدولة اليمنية وبضرورة المضي قدماً في استعادتها تحت مظلة السلطة الحالية؛ هو أكثر من يواجه هذا العبء وينوء بثقله إلى حد لم يعد بالإمكان احتماله.. وفيما تضيق مساحة التحرك أمام القيادات السياسية والناشطين الذين يواصلون العمل تحت مظلة الشرعية وتلاحقهم الاتهامات والتهديدات، يتوزع قياديو الأحزاب الأخرى بين ولاءات وعواصم ومشاريع سياسية، ويعقدون الآمال على تحول في الموقف الإقليمي يسمح لهم بإعادة التموضع في مفاصل سلطة جديدة.. قدموا كل التنازلات لكي تأتي بالكيفية التي يريدها التحالف، مع استعداد للتعاطي مع تبعات التغول المليشياوي للحوثيين في الجزء الذي يضم الكتلة السكانية الأكبر في البلاد..
لا أحد لديه الاستعداد على ما يبدو لاستيعاب درس السنوات الماضية، الذي جعل الجميع يرون طريق النيل من ثورة فبراير 2011 سهلا، والتضحية برجالها مهمة أسهل من أن يواجهوا المشاريع التخريبية الخارجية والداخلية بروح المسؤولية الوطنية، ويحافظوا على وحدة الموقف السياسي لليمنيين، ويتخلوا عن الاصطفافات الأيديولوجية، التي دفعت بهم خارج فضاء التأثير والدولة والجغرافيا وقد ترمي بهم في مزبلة التاريخ.
twitter.com/yaseentamimi68