هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جمود حزبي وغياب شبه تام ما بعد الخامس
والعشرين من تموز/ يوليو بتونس، باستثناء قلة قليلة، بالرغم مما يسودها من ارتباك.
ولم تظهر مواقف الأحزاب التونسية بالقوة
والصلابة الكافية للدفاع عن المؤسسات الديمقراطية في البلاد، ولم تقف صدا منيعا
أمام قرارات الرئيس سعيد التي وصفت بـ"الانقلاب على الديمقراطية"، ولا
اعتصامات أو احتجاجات تخرج للدفاع عن الديمقراطية الناشئة، إلا من بعض البيانات لحفظ
ماء الوجه.
نواب البرلمان "المجمد" هم
أيضا التحقوا بركب الأحزاب، فلم يعثر لهم على أثر في الدفاع عن مؤسستهم البرلمانية، باستثناء إطلالة الساعات الأولى لإعلان قرارات الخامس والعشرين من تموز/ يوليو من
أمام البرلمان.
وبرر متابعون غياب النواب والأحزاب
بحالة التخبط والهشاشة التي انتابتهم بعد قرارات الرئيس.
أين النواب؟
يقول النائب بالبرلمان يسري الدالي في
تصريح خاص لـ"عربي21": "في اللحظات الأولى لإعلان القرارات، خرج عدد
من النواب من بينهم الرئيس ونائبه الأول، وشخصيا كنت منهم وقمنا باعتصام هناك، ولكن
بعد ساعات جاء قرار يطلب منا الانسحاب وفك الاعتصام؛ تجنبا لحدوث ما وقع بمصر، وكنت
أتوقع ذلك وحدوث صدامات في ظل وجود أنصار من هنا وهناك".
وأكد النائب الدالي أن "حضور ائتلاف
الكرامة وحركة النهضة، كان الأبرز في رفض الانقلاب وإعلان ذلك صراحة وخاصة في
الأيام الأولى، ولكن فعلا حصل بعض التراخي فيما بعد، خاصة من النهضة. لم نتوقف عن
تأكيد أن ما حصل هو انقلاب وخطير، وفي لحظة ما أحسسنا أننا وحدنا في الساحة؛ فأغلبنا ملاحق قضائيا، وأنا تحت الإقامة الجبرية".
وأقر محدثنا الدالي بحصول فراغ وتراخٍ في التصدي للانقلاب، ولكن استدرك قائلا: "الكثير من النواب عادوا للتحرك من
جديد. والأكيد، أن التحرك لا يمكن أن يأتي من "حركة الشعب "، أو
"التيار الديمقراطي"، أو "تحيا تونس؛ "لأنهم هم من افتعلوا
الأزمة وينتظرونها، بظن أنهم سيقطفون ثمارها، والحال أن الرئيس أجابهم بكل وضوح: لا
تنتظروا شيئا".
ونفى النائب الدالي فكرة الإقرار بفشل
النواب في الدفاع عن مجلسهم قائلا؛ إن "الكثير من النواب ملاحق والبعض الآخر
تحت الإقامة الجبرية، وهذا لأنهم قالوا لا للرئيس ودافعوا عن الشرعية. وجدنا أنفسنا
ضحية لأجل الدفاع عن الشعب".
في مقابل ذلك، يعتبر النائب المستقل
حاتم المليكي في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن ما يمكن أن يبرر غياب النواب، هو "قرار التجميد بشهر في البداية كان محل تباين بين البرلمانيين، فهناك من
يراه انقلابا وبين من يراه خطوة تصحيحية مفروضة بحكم الفوضى الحاصلة بالمجلس، ولكن
اليوم بعد أن أصبح البرلمان مجمدا حتى إشعار آخر، اختلفت النظرة".
ويتابع مفسرا: "من كان يعتبر
الإجراءات الاستثنائية لازمة وموضعية حتى تستقر الأوضاع بالبلاد، غير اليوم موقفه
وبدأ يتساءل إلى متى هذا الوضع؟ ولا يمكن القبول بذلك ولا بد من خارطة طريق".
وعن غياب موقف موحد للنواب وما يبرر ذلك، يرد المليكي: "نحن في فترة عطلة، وغالبا ما تكون هناك حالة تعطل في الحياة
السياسية، ولكن الأكيد أنه مع العودة سيكون هناك نقاش أقوى وأوضح، وبالأمس نشر عدد
من النواب على صفحاتهم الرسمية موقفا مما يحصل".
هشاشة الأحزاب
وعن غياب الأحزاب، يرى الوزير السابق
والقيادي بحزب "آفاق تونس"فوزي عبد الرحمان في تصريح خاص لـ"عربي21
"أنه "أولا اعتبار الأحزاب سبب البلاء في تونس، محل نقاش. وشخصيا، أوافق
الرئيس في ذلك، ولكن أرفض القول بنهاية الأحزاب؛ لأنه لا ديمقراطية دونها ولا
استقرار، أما فيما يتعلق بعدم بروز الأحزاب في الدفاع عن الشرعية، فذلك يعود لسببين
اثنين".
وعن السبب الأول يوضح عبد الرحمان: "هناك أحزاب عديدة تعتبر طرفا في الفساد ولا يمكنها الحديث؛ لأنها محل تتبع". أما السبب الآخر لغياب الأحزاب فهو "هشاشتها من حيث الأفكار؛ فهي في حالة
تذبذب؛ "قلب تونس" لا مكان له فرئيسه في حالة فرار، "ائتلاف الكرامة" يمثل العنف ونوابه محل تتبع، "حركة النهضة" تدافع عن مصالحها. إذن هم أحزاب لا
يمكنهم الحديث وليس لهم الحق في الوجود أصلا، وليس لهم مرجعية فكرية أو ديمقراطية".
وعن الأحزاب المساندة للرئيس، يقول عبد
الرحمان: "حركة الشعب والتيار الديمقراطي لديهم خلل في الفكر السياسي الخاص
بهم".
مسألة وقت
من جهته أرجع الوزير السابق والقيادي
بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عبد الوهاب معطر في تصريح خاص لـ"عربي21"، تقلصَ دور الأحزاب وعدم الظهور بقوة ما بعد الخامس والعشرين من تموز/يوليو، إلى "الترذيل الذي تعرضت له، ولكن أبدا لن تنتهي. المجتمع التونسي في
حالة انقسام شديد اليوم فشعبوية الرئيس قيس سعيد وركوبه على الشعارات التي يطمح
لها الشباب والتي لن يحققها، جعلت الجميع في حالة تردد للوقوف ضد الرئيس".
واستدرك عبد الوهاب معطر: "الوضع
يتغير وهناك خط تنازلي، الأحزاب جميعها ستدافع عن الشرعية لأنها بدأت تفهم أن
الانقلاب يدمر البلاد والتجربة الديمقراطية، بالرغم من أن الاستفاقة ستكون متأخرة".
ولفت محدثنا إلى أن "الرئيس
استطاع كسب الشرعية في الوقت الراهن وهي شعبية، مما جعله يسخر من الجميع ويضع نفسه
إلها، ولكن ذلك وقتي ومؤقت، فالأحزاب فهمت أنه لا يمكنها الحديث الآن تجنبا للمواجهة
مع الشعب، ولكن بمرور الأيام ستفهم الجماهير وستتفطن يوما بعد يوم إلى أكذوبة قيس سعيد وأوهامه".
وبين موقف نائب وسياسي، يتحدث الصحفي
زياد الهاني في تصريح خاص لـ"عربي 21" قائلا: "وجب الإقرار بداية
أن قرارات سعيّد صدمت الجميع وأدخلتهم في حالة من الذهول، حيث رغم مطالبة أكثر من
طرف له بتفعيل الفصل 80 من الدستور، لكن لم يتوقع منه أحد الذهاب إلى حد عزل
الحكومة وإلغاء البرلمان بدعوى تجميده، وهو ما يشكل خرقا للفصل 80 نصّا وروحا".
وأشار الصحفي الهاني إلى أن "الغضبة الشعبية، كانت كفيلة بردع كل من تسول له نفسه محاولة الاحتجاج للمطالبة
بعودة البرلمان الساقط سياسيا وأخلاقيا".
ويعتبر محدثنا الهاني أن "الجميع
اليوم في حالة ترقب قلق، في انتظار ما سيتخذه قيس سعيّد من قرارات ستكون حاسمة في
تحديد مآل الأزمة الحالية، بما في ذلك الأحزاب التي تنتظر توضّح الصورة لتحديد
مواقفها، والإشكالية تتمثل في أن الأحزاب التي تعارض قيس سعيّد ليس لديها بدائل
جاهزة، وهو ما انعكس على الوضع السائد ".
وخلص زياد الهاني إلى أنه "ستظل
الأحزاب محركا لكل نظام ديمقراطي، وتقصيرها لا يبرر الحديث عن إلغائها، ومن خلال
مثل هذه الأزمات، تقع الغربلة والتمايز بين الأحزاب التي مآلها الاندثار، وتلك
التي تملك قاعدة اجتماعية تضمن ديمومتها".