صحافة دولية

FP: مودي لم يدفع أي ثمن لفرض السيطرة الهندية على كشمير

فورين بوليسي:  الدبلوماسييو الهنود سحقوا آمال باكستان في إجراء استفتاء تقوده الأمم المتحدة لتسوية النزاع في كشمير- الأناضول
فورين بوليسي: الدبلوماسييو الهنود سحقوا آمال باكستان في إجراء استفتاء تقوده الأمم المتحدة لتسوية النزاع في كشمير- الأناضول

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحفية أنشال فوهرا، قالت فيه إنه بعد عامين من إلغاء البرلمان الهندي الوضع الخاص لشطر كشمير الخاضع للإدارة الهندية كمنطقة حكم ذاتي محدود، يبدو أن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي نجحت في إخضاع المنطقة لسلطتها المباشرة.

وقالت فوهرا إنه عندما اتخذت الهند خطوتها لأول مرة، فاجأت العالم، وأدت إلى مخاوف من تصاعد العنف في الوادي، ونشوب صراع مفتوح محتمل مع باكستان، الدولة المسلحة نوويا التي تدعي السيادة على كشمير بأكملها. كانت نيودلهي قلقة أيضا من التداعيات الدبلوماسية مع الغرب، حيث انضمت باكستان إلى الصين في الضغط على الهند من خلال مجلس الأمن.

ولكن لم تكن هناك حرب مع باكستان، ولا اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في الوادي. وحتى الإدانة من المجتمع الدولي صيغت بحذر وكانت محدودة. وعندما زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الهند الأسبوع الماضي، لم تكن كشمير قضية رئيسية، حتى لو تم الحديث عنها خلف الأبواب المغلقة. ولأول مرة منذ فترة طويلة يسود سلام على حدود الأمر الواقع بين الهند وباكستان، توقف التسلل عبر الحدود، وانخفض التشدد. وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن الحكومة الهندية، انخفض عدد الحوادث الإرهابية في جامو وكشمير بنسبة 59% العام الماضي، مقارنة بالعام السابق، وبنسبة 32% حتى حزيران/ يونيو من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

في نفس الوقت، توافد السياح الهنود على البحيرات والجبال ذات النسيم العليل، حيث كانت البلاد تكافح مع واحدة من أسوأ حالات تفشي فيروس كورونا، وتم منعهم من السفر إلى الخارج. بينما شهدت السياحة ارتفاعات متقطعة حتى قبل إلغاء الوضع الخاص لكشمير، أظهرت الحشود هذا العام العودة إلى شيء من الحالة الطبيعية في مجال الأعمال التجارية، وإن لم يكن في مجال السياسية.

لم تشكل النجاحات المذكورة أخبارا جيدة للكشميريين العاديين، الذين يشعرون بأنهم محرومون سياسيا، ويتم إسكاتهم كي يذعنوا. ويرحب معظم الكشميريين بفوائد السلام، لكنهم غير راضين أن يجبروا على الاستسلام لرغبات نيودلهي.

في 5 آب/ أغسطس 2019، ألغى حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بزعامة مودي المادة 370، والتي بموجبها يمكن للهيئة التشريعية المحلية أن تضع قوانينها الخاصة باستثناء المالية والدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، بل ألغى أيضا المادة 35أ، والتي مكنت المجلس التشريعي من تحديد المقيمين الدائمين، ومنحهم امتيازات خاصة مثل حقوق الأرض الحصرية. وقام مودي أيضا بتقسيم الأقسام الثلاثة المختلفة للدولة السابقة -جامو وكشمير ولداخ- إلى منطقتين اتحاديتين. في حين أن الدولة لديها حكومتها الخاصة وسلطاتها لتمرير القوانين، فإن الأراضي الاتحادية هي وحدات إدارية أصغر بكثير يحكمها شخص معين من الحكومة المركزية.


رحب الهنود الذين يرون كشمير جزءا لا يتجزأ من الهند بالتحرك، وشعروا أنه يجب أن تحظى بمعاملة متساوية وليست خاصة. ومع ذلك، رأى الكشميريون أن تغيير التركيبة السكانية للوادي من الأغلبية المسلمة إلى غير الكشميريين وغير المسلمين يمثل تهديدا. لقد رأوا أنه انتهاك لحقوقهم، وإلغاء لوضع منحهم درجة من الاستقلال السياسي في انتظار حل نهائي للنزاع حول ما إذا كانوا سيبقون مع الهند، أو ينضمون إلى باكستان، أو يبقون مستقلين عن كليهما.

طبقت الحكومة الهندية عددا كبيرا من الإجراءات القمعية لردع الكشميريين عن التعبير عن رأيهم علنا. لقد نشرت حشودا من القوات، وأرعبت عشرات الصحفيين، ونفذت اعتقالات واسعة النطاق للسياسيين الكشميريين، والانفصاليين، وأي شخص لديه ما يكفي من النفوذ لتعبئة السخط الشعبي وتحويله إلى إثارة مستمرة. بينما تم إطلاق سراح السياسيين الرئيسيين في وقت لاحق، لا يزال يُعتقد أن الآلاف من الكشميريين يقبعون في السجون داخل كشمير وفي جميع أنحاء البلاد.

وبحسب التقارير رفضت الهند حتى تسليم جثث القتلى من المسلحين، بحجة تجنب انتشار فيروس كورونا. لكن مثل هذه الجنازات في الماضي تحولت إلى مواكب كبيرة جمعت الدعم للتشدد وعززت المشاعر المعادية للهند. كان الحفاظ على الهدوء في كشمير من أولويات الحكومة الهندية.
قال دبلوماسي هندي سابق عمل مع أمريكا بشكل مباشر لتأمين الدعم لموقف الهند: "كان التحدي الأكبر الذي واجهناه هو التأكد من عدم اندلاع العنف في الوادي. فلو كان هناك ضحايا لكنا فقدنا الدعم الدولي.. لكن لحسن الحظ، كانت جهود الاحتواء التي بذلناها ناجحة". هدأت الهند المجتمع الدولي برفضها السماح للاحتجاجات التي كان من الممكن أن تتحول إلى أعمال عنف وتجعل من الصعب على الهند الاحتفاظ بالدعم الغربي.

 

كما ألقت الهند بثقلها الاقتصادي كقوة موازنة للصين، وفتحت باب الاستثمار أمام بعض الدول، وهددت بسحب عقود الأعمال المربحة من آخر دولتين محتجتين، تركيا وماليزيا، اللتين انتقدتا الهند علنا بشأن كشمير. وأضاف الدبلوماسي الهندي السابق: "في النهاية، كان دعم أمريكا ضروريا للغاية، وقد دعموا الهند بسبب مخاوف جيوسياسية أكبر تتعلق بالصين".

نجحت الهند في ثني الكشميريين الساخطين والخائفين والذين يفتقرون إلى الزعامة عن تنظيم احتجاجات جماهيرية، والتقى السياسيون المؤيدون للهند في كشمير منذ ذلك الحين مع مودي. لكنهم أصيبوا بالإحباط لدرجة أنهم لم يعودوا يتوقعون عودة الوضع الخاص للمنطقة. لقد طعنوا في دستورية إلغاء المادتين 370 و 35أ في أعلى محكمة في الهند، ومع ذلك يعتقد القليلون أن الحكم سيكون في صالحهم. هذه الأحزاب السياسية يائسة للغاية لدرجة أنها تكافح من أجل إقامة حكم في جامو وكشمير، بنفس سلطات الحكومات المحلية في الولايات الهندية الأخرى  وليس أكثر.

قال أحد السياسيين البارزين الذين احتجزوا لمدة سبعة أشهر في فندق سينتورفي سرينغار - وهو عقار فاخر تحول إلى سجن مؤقت للنخبة السياسية في كشمير. لم يرغب في الكشف عن اسمه خوفا من احتمال سجنه مرة أخرى: "هاجمتنا الحكومة بشدة لدرجة أننا الآن ندعو إلى حكم محلي، لا وضع خاص ولا حل سياسي ولا استفتاء".

في ظل الحكومات الهندية السابقة، كان حتى الانفصاليون يتمتعون بحرية نسبية، لكن حزب بهاراتيا جاناتا أنهى دورهم. سيد علي شاه جيلاني وياسين مالك وميروايز عمر فاروق - الترويكا الذين أداروا الأجزاء المضطربة من الوادي حيث كان حتى السياسيون الكشميريون يخشون الدخول – لم يعد لهم دور عمليا، فبينما يبلغ جيلاني 91 عاما ويقال إنه مصاب بالخرف، يقبع مالك خلف القضبان. وفاروق موجود هناك في سرينغار، لكن يُنظر إليه على أنه سياسي من الوزن الخفيف ويخضع للمراقبة المستمرة من قوات الأمن الهندية.

في حين أن السياسيين في كشمير يتجنبون مواجهة مباشرة مع الحكومة المركزية، إلا أنهم تحدوا بشدة سردية الحكومة حول التنمية. كان تنفير صادق، عضو حزب المؤتمر الوطني السياسي الذي دعم مؤسسه فكرة الهند العلمانية بدلا من الانضمام إلى باكستان الدينية، من بين الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن الهندية في عام 2019. وقال إن حكومة مودي لا يمكنها التباهي بأرقام السياحة كدليل على نجاح سياستها. قال صادق: "كان لدينا سياح في عام 2015 أيضا. قالت الحكومة الهندية للكشميريين إنه بعد إلغاء الوضع الخاص سيكون لديهم تنمية وتمويل ووظائف وكل شيء. بعد عامين، هل تحسنت حياة المواطن الكشميري العادي؟ لا أعتقد ذلك".

جنيد ماتو، عمدة سرينغار -عاصمة كشمير الخاضعة للإدارة الهندية- ينحدر من حزب سياسي كشميري يُنظر إليه على أنه مقرب من حزب بهاراتيا جاناتا، قال إن عصر العنف قد انتهى. وقال ماتو: "لقد انتهى عصر إعادة رسم الحدود منذ فترة أيضا.. الكشميري لا يستيقظ في الصباح ويفكر في التطلعات السياسية وحدها، ولكن كيف يضع الخبز على المائدة. أعتقد أنه لا يزال يتعين الوفاء بوعد التنمية، ولكن من السابق لأوانه الحكم على ذلك. يجب أن نمنحه مزيدا من الوقت".

لم تصل مشاريع التنمية الكبيرة بعد لإحداث فرق تجاري ضخم نسبيا في الرفاهية الاقتصادية للكشميريين، وقد تحطمت تطلعاتهم السياسية حيث تتعثر نيودلهي حتى على استعادة كشمير صفتها كولاية هندية. قال وزراء هنود إن الحكومة تنتظر عودة الأمور إلى طبيعتها،  وحتى يحين "الوقت المناسب".

لكن الخبراء في الشأن الكشميري يقولون إن التأخير متعمد، لضمان أنه قبل الانتخابات القادمة، تم تقسيم المجلس التشريعي بالتساوي بين الممثلين عن كشمير التي يهيمن عليها المسلمون وجامو التي يهيمن عليها الهندوس من خلال ترسيم حدود الدوائر الانتخابية، على الرغم من أن غير المسلمين هم أقلية.

لقد هزمت الهند بلا شك باكستان في هذه الجولة من نزاعها الطويل والمستعصي. تخبطت إسلام أباد بينما حشدت نيودلهي الدعم الهادئ من العالم الغربي، بل إنها جلبت الإمارات والسعودية للتخفيف من توقعات باكستان. واعترفت الإمارات بأنها لعبت دورا في إقناع الخصمين بالموافقة على وقف إطلاق النار. على مدى العامين الماضيين، أصبح من الواضح أيضا أن الدبلوماسيين الهنود قد سحقوا آمال باكستان في إجراء استفتاء تقوده الأمم المتحدة لتسوية النزاع في كشمير. لكن هذا لا يعني أن الهند تخلصت من جميع التحديات.

كان سيد أكبر الدين، الذي يشغل حاليا منصب عميد كلية كوتيليا للسياسة العامة، سفيرا للهند في الأمم المتحدة في عام 2019، ويذكر كيف دعمت معظم العواصم الغربية الهند عندما دعت الصين إلى مناقشة إلغاء الهند للمادة 370 في مجلس الأمن. قال معظمهم أنه ليس المكان لمناقشة هذا الأمر. وقال أكبر الدين: "لفترة طويلة، لم تكن أي من القوى العالمية حريصة على التدخل في كشمير، ولا أحد يدعم دعوات باكستان لحل النزاع من قبل الأمم المتحدة. لكن ما لم يعرفوه هو أن الصين لم تكن طرفا محايدا. كانت في الواقع تقود الإجراءات في (المجلس) لأنها رفعت دعاوى بشأن لداخ ". خسرت الصين دبلوماسيا في مجلس الأمن لكنها تصرفت عسكريا بعد عام بقتل أكثر من 12 جنديا هنديا في لاداخ. لم ينبع التهديد الرئيسي للهند من باكستان ولا من المسلحين، بل من الصين. لا تزال جلوان في لداخ نقطة اشتعال نشطة.
وفي الوقت نفسه، تقوم الهند ببناء أكبر سكة حديدية في العالم لربط كشمير من جبال الهيمالايا إلى كانياكوماري في أقصى جنوبها. لكن لا يزال أمام مودي وحكومته طريق طويل لتقليص المسافة بين نيودلهي والكشميريين. إن وعد الهند بالتنمية الاقتصادية غير كافٍ لكسبهم ما لم يكن مصحوبا بالحريات التي يوفرها النظام الديمقراطي.

التعليقات (0)