مقالات مختارة

ملاحظات على جلسة السد!

خالد سيد أحمد
1300x600
1300x600

أيا كان الموقف الذي سيتخذه مجلس الأمن الدولي، عند التصويت على مشروع القرار التونسي الخاص بسد النهضة الإثيوبي، إلا أن الجلسة التي عقدها المجلس مساء الخميس كانت مهمة جدا في توضيح الحقائق وتعريف العالم بالمخاطر الحقيقية التي يمثلها السد على شعبي مصر والسودان.


هناك ملاحظات أولية على جلسة مجلس الأمن، التي أظهرت مواقف دولية مختلفة ومتباينة، ربما مثل بعضها مفاجأة «غير سارة» للقاهرة، ويتطلب منها العمل في الفترة المقبلة على معالجة القصور في العلاقات مع تلك الدول التي لم تتفاعل جيدا مع قضيتها، فيما مثلت غالبية المواقف الأخرى نوعا من الدعم أو على الأقل التفهم للشواغل المصرية السودانية من السد الإثيوبي.


الملاحظة الأولى: كلمة سامح شكري وزير الخارجية، جاءت حادة وقوية ومرتبة بدرجة كبيرة، وعرضت بوضوح الموقف المصري بشكل لا لبس فيه، وكشفت عن حجم المراوغات الإثيوبية في التفاوض منذ عشر سنوات، ووضعت أمام مجلس الأمن «خطوط مصر الحمراء» على نحو جاد وبلغة حاسمة وحازمة؛ حيث قال: «إثيوبيا تتوهم إمكانية هيمنتها على نهر النيل، ومصر تحذر من مغبة السعى لفرض السيطرة والاستحواذ على مياه النهر.. وفي حال أصرت أديس أبابا على موقفها لن يكون أمام مصر بديل سوى أن تصون حقها في البقاء».
الملاحظة الثانية: كلمة مريم المهدي، وزيرة الخارجية السودانية، تعد تطورا لافتا في الموقف الذي تتبناه الخرطوم خلال الفترة الأخيرة إزاء المخاطر الحقيقية التي يمثلها سد النهضة، وأكثر اقترابا من الموقف المصري، وهو ما يجعله أكثر قوة في مواجهة أديس أبابا التي تحاول دائما استمالة السودان وإبعاده عن مصر لكي تفقد الأخيرة التعاطف الدولي مع قضيتها.


الملاحظة الثالثة: كلمة وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي، امتلأت كما كان متوقعا، بالكثير من المغالطات التي لم تجد آذانا صاغية أو تفهما كبيرا عند غالبية أعضاء مجلس الأمن، وحاولت بشكل أساسي إبعاد المجلس عن نظر القضية، بزعم أن مناقشته لها تمثل «إهدارا للوقت»، وأن المكان المناسب لمعالجتها هو الاتحاد الأفريقي، وأن «مصر والسودان لديهما العديد من السدود دون مراعاة حقوق الأطراف الأخرى!!».


الملاحظة الرابعة: كلمة ليندا جرينفيلد، المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن، اتسمت بنوع من التفهم للمطالب المصرية؛ حيث دعت إلى «الامتناع عن القيام بأي إجراءات تعقد مفاوضات سد النهضة»، وشددت على «ضرورة استئناف مفاوضات حقيقية تحت قيادة الاتحاد الأفريقي على أن تبدأ على نحو عاجل». هذا الموقف يعكس إلى حد بعيد تطور العلاقات بين القاهرة وواشنطن بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، خصوصا بعد الدور الذى لعبته مصر في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتمكنها من تحقيق الهدنة بين الطرفين، رغم الجفاء الذي كان ظاهرا للبعض منذ تولى جو بايدن مهام منصه كرئيس للولايات المتحدة.


الملاحظة الخامسة: المواقف التي عبرت عنها الدول الأوروبية خلال الجلسة، مثل فرنسا وبريطانيا والنرويج، كانت متوازنة إلى حد كبير؛ حيث طالبت بوقف الإجراءات الأحادية والعودة إلى مفاوضات جادة لحل هذه الأزمة، وأن هناك حاجة ملحة لخارطة طريق واضحة ومتفق عليها تحدد أهداف مفاوضات سد النهضة وإطارها الزمني، وهو ما يعكس إلى حد كبير تفهما أوروبيا لرؤية القاهرة، وخشية من أن تتخطى مخاطر هذا السد حدود مصر، بما يشجع مرة أخرى مسألة الهجرة غير الشرعية التي تمكنت مصر من وقفها بشكل تام خلال الفترة الأخيرة.


الملاحظة السادسة: الموقف الذي عبرت عنه روسيا خلال مجلس الأمن، كان غريبا إلى حد كبير، حيث حاولت توجيه رسالة واضحة لمصر بعدم التلويح باستخدام القوة في منع التهديد الذي تمثله أديس أبابا على وجودها، وهو أمر كان مفاجأة للبعض، لاسيما وأن العلاقات بين البلدين تتمتع بنوع من الدفء والتفاهم في الكثير من الملفات، كما أن روسيا تعد من أكثر الدول التى استفادت من مصر اقتصاديا، سواء فى صفقات الأسلحة الكثيرة التي تم عقدها خلال الفترة الماضية، أو في مشروع الضبعة النووية الذي تبلغ قيمته عشرات المليارات من الدولارات!!


هذه ملاحظات أولية على جلسة مجلس الأمن الدولي، والتي يجب على القاهرة دراسة نتائجها وتقييمها بدقة، حتى تحدد خطواتها المستقبلية وعلاقاتها مع مختلف دول العالم، خصوصا من يدعمها في قضاياها المصيرية، أو على الأقل من يتفهم مشاغلها ويقدرها ولا يقف حجرة عثرة أمام حقوقها التاريخية.

 

(عن صحيفة الشروق المصرية)

التعليقات (0)