هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وافق مجلس النواب المصري، الأحد، على مشروع قانون "الصكوك السيادية"، المقدم من الحكومة؛ وسط مخاوف من أن ترهن سلطات الحكم العسكري في البلاد الأصول المملوكة للدولة، فيما اعتبره برلمانيون وخبراء قانونا لـ"بيع مصر".
والاثنين، أعلن وزير المالية، محمد معيط، استعداد مصر لإصدار أول طرح من الصكوك السيادية على أن تكون مدة الصك 30 عاما قابلة للتجديد، مع إنشاء شركة مملوكة للدولة لإدارة وتنفيذ عملية "تصكيك" الصكوك السيادية الحكومية، مبينا أن الإصدار سيتم طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
ولفت إلى أن مصر بهذا القانون، تدخل سوق التمويل الإسلامي لأول مرة، الذي يصل حجم إصدارات الصكوك به 2.7 تريليون دولار، موضحا أن ذلك يجذب مستثمرين للاستثمار المتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية بالعملتين المحلية والأجنبية.
وأشار معيط، إلى أن إصدار الصكوك يكون على أساس الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، ببيع حق الانتفاع بهذه الأصول دون حق الرقبة، أو عن طريق تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وأوضح أن رئيس مجلس الوزراء سيقوم بتحديد الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة ملكية خاصة التي تصدر على أساسها الصكوك.
وفي الوقت الذي دافع فيه أغلب نواب البرلمان عن القانون، واعتبروا أنه فرصة لتمويل المشروعات في مصر، رفضه آخرون، مؤكدين أن البيئة الاستثمارية قد لا تكون مواتية لهذا النوع من الصكوك.
اقرأ أيضا: قاعدة عسكرية و100 سد.. تحديات إثيوبية جديدة لمصر والسودان
وحذر نواب من المساس بالمشروعات والأصول المصرية الكبرى، وبينهم النائب ضياء داود، الذي قال خلال مناقشة القانون: "ابعدوا عن قناة السويس والسد العالي والمشروعات القومية المهمة"، وفق موقع "مصراوي".
ودأب نظام السيسي على مدار 8 سنوات على فرض قوانين جديدة وتعديل قوانين قائمة وتمريرها عبر مجلس النواب، المختار بعناية من جهات أمنية، حيث لا تلقى تلك القوانين النقاش المطلوب أو الاعتراض عليها إلا من قلة غير مؤثرة، ما يضر بأغلب المصريين.
وكانت آخر تعديلات القوانين المثيرة للجدل، ما تم على قانون الضريبة على القيمة المضافة الذي نشرته الجريدة الرسمية الأحد، حيث أخضع خدمات توصيل المطاعم والمحال التجارية والبضائع والمأكولات والتطبيقات الذكية عبر الإنترنت والشركات المتخصصة بمجال التجارة الإلكترونية، لضريبة القيمة المضافة 14 بالمئة، ما يعني استقطاع تلك الضريبة من المواطنين.
"غموض.. وتساؤلات"
الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى العديد من المخاوف من هذا القانون، وملمحا إلى الكثير من الغموض حوله، قائلا: "للأسف الشديد، رغم خطورة هذا القانون، فإن عدم نشر مواده وبنوده تجعل الحكم عليه صعبا جدا".
وتابع: "حتى الآن لا يوجد تفسير لتسميته الصكوك السيادية، وهل يعني ذلك أنها ستكون صكوكا محمية لا يجوز الرقابة عليها لأنها سيادية؟ أم أنه تم إلصاق كلمة سيادية بها لمجرد تمييزها لا أكثر؟". وتحدث عبد المطلب، كذلك عن وجود "غموض حول المشروعات التي سيتم إصدار الصكوك بضمانها".
ويرى أنه "برغم أن وزير المالية يؤكد أن قانون الصكوك سوف يتم تطبيقه على المشروعات الجديدة فقط، ولن يتم تطبيقه على المشروعات القائمة؛ فإن هذا لا يعني عدم تطبيق الصكوك على قطاعات حيوية مثل قناة السويس مثلا".
وختم حديثه بالقول: "وفي اعتقادي أن هذا القانون لا يختلف عن القانون الذي طرح في عام حكم الإخوان المسلمين؛ خاصة أن أهم أهداف القانون هو العمل على جذب الأموال التي تفضل الاستثمار طبقا للشريعة الإسلامية".
"هذا الخطر الحقيقي"
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبد العزيز، أن "قانون الصكوك المصري هو أداة استدانة جديدة مضمونة بأصول مملوكة للدولة كحق انتفاع من الأصول لمدة محددة قد تصل 30 عاما؛ والهدف الرئيسي هو تمويل عجز الموازنة وتمويل مشروعات النظام قليلة أو معدومة الجدوى".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يعتقد أنه "لا مخاطر حقيقية في الصكوك ذاتها؛ فهي أداة استثمار دولية تستثمر فيها الكثير من الدول بقيمة قد تصل 3 تريليونات دولار، ويتم تداول هذه الصكوك بأسواق المال".
وتابع: "ولكن الخطر الحقيقي هو ارتفاع حجم الاستدانة على الشعب المصري بمبالغ قد تضاعف الدين الخارجي والبالغ 130 مليار دولار"، مبينا أن "الأمر يزداد خطورة في ظل ضبابية مستقبل الاقتصاد العالمي أثناء وبعد كورونا، وتوقعات انخفاض الدخل الدولاري لمصر بنسبة قد تصل 30 بالمئة خلال 2022 و2023".
وأكد عبد العزيز، أن "الخطورة تزداد في ظل طرح هذه الأداة من نظام غير شرعي يحكم الشعب بالدبابة، ولا توجد جهة أو مؤسسة تمثل الشعب يمكنها الاعتراض أو تقويم مسارات النظام على المستوى الاقتصادي والسياسي".
ويعتقد أن "هذه الصكوك لا تختلف عن الصكوك التي كان ينوي طرحها الدكتور مرسي؛ إلا في أن من كان سيطرحها نظام شرعي"، مؤكدا أن "أي قوانين يصدرها هذا النظام لا أثق فيها لأنه غير شرعي ولأنه نظام مجرم فاسد يحارب الشعب ويسرقه ويسجن من يكشف فساده كالمستشار هشام جنينة، وغيره".
وختم حديثه بالقول: "لو كان هذا النظام يحمل حسا وطنيا حقيقيا لكان وضع حلا عسكريا منذ سنوات لسد النهضة؛ ولكن لأنه نظام خائن فهو دائما يبحث عن الحلول التي توفر له الأمن والحفاظ على سبوبته الاقتصادية".
"المشكلة في التطبيق"
وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله، بحديثه لـ"عربي21"، إن "الصكوك السيادية بصفة عامة هي أدوات متساوية القيمة لتمويل مشروعات الموازنة العامة أو العجز والديون المختلفة".
وأكد أن "ما يثير الاهتمام في قانون الصكوك السيادية المصرية أنه تم تأجيله منذ 2013، قرابة 8 سنوات وأثير حوله الكثير من اللغط والشبهات في الإعلام المصري خلال عهد مرسي وبالتالي جُمد القانون، والآن يعاد إحياؤه مرة أخرى فهناك نقاط يجب الوقوف عندها".
اقرأ أيضا: حكومة السيسي تتراجع عن 11 مشروع قانون تضمنت رسوما.. لماذا؟
ولفت أولا إلى أنه "نفس القانون الذي كانوا يصمونه بالشبهات أثناء طرحه في عهد مرسي، وثانيا أن المشكلة ليست في القانون ولكن في استخدامه، وكلنا يعرف كيف تقفز السلطة على القوانين وتستخدمها وتلوي عنقها بطريقتها الخاصة".
ودعا ذكر الله، لضرورة "التأكيد على ألا يدخل هذا القانون في إطار تمويل عجز الموازنة العامة والعجز المالي أو العجز الجاري وتمويل الأجور والرواتب؛ بينما يجب توجيهه للاستثمار، وتكون الصكوك لزيادة الاستثمار والإنتاج والمشروعات التي تعجز الموازنة عن تقديمها".
وطالب كذلك بـ"الابتعاد عن مشروعات الطرق والكباري، لأننا سئمنا منها، ويجب التوجه لمشروعات أخرى ولا سيما الخدمية كالتعليم والصحة حيث يجب أن يكون لهما نصيب الأسد من تمويل الصكوك".
وشدد الخبير الاقتصادي أيضا "على ضرورة ألا تكون هذه الصكوك مرهونة، وهو ما أثار مخاوف تحت قبة البرلمان"، لافتا إلى أن "الحكومة الآن مدينة وديونها تتزايد وتقوم بتدوير الديون وتسعى للحصول على قروض جديدة لتسديد فوائد القروض القديمة".
وتابع: "وأمام الحكومة لكي تطرح هذه السندات أولا أن تزيد الفائدة وهو ما تفعله بالفعل في أدوات الدين المحلية العادية التي تلجأ إليها لسداد عجز الموازنة وسداد أقساط القروض الداخلية والخارجية".
ويعتقد ذكر الله، أن "الحل الثاني لكي تكون الصكوك أكثر جاذبية أن ترهن بعضها عن طريق تقديم أصول سيادية مصرية يملكها الشعب المصري كرهونات لهذه الأصول؛ ولذلك كان هناك تخوف لبعض أعضاء البرلمان على قلتهم في أنه يجب الابتعاد عن قناة السويس والسد العالي ومثل هذه الأصول المتعلقة بالأمن القومي المصري".
ولفت إلى أن "المخاوف من القانون تأتي في ظل أن الحكومة ليس لديها مانع لكي تمرر الأزمة والأزمات المتتالية أن تتنازل كما عودتنا سابقا عن أمور وأصول تتعلق بالأمن القومي".
وأكد أن "خلاصة الأمر فالصكوك مهمة ويمكن الاتكاء عليها للخروج وإقامة المشروعات بضابطين الأول هو الضابط الإنتاجي لهذه المشروعات، والثاني عدم وجود رهونات للأصول المصرية".
"خطط شيطانية"
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، تحدث الخبير الاقتصادي محمود وهبه، عما أسماه "خططا شيطانية للاقتراض"، مشيرا لقانون الصكوك السيادية، ومن قبله الصندوق السيادي، ومقاصة الديون الداخلية في لوكسمبورج، وتوريق المرافق العامة.
وحذر من أنها "كلها ترهن أصول الدولة وتعرضها لتملك المقرض إن لم يتم السداد"، ومعتقدا أن "هذه الرهون ستنتهي بتسليمها غالبا للأجانب".