ملفات وتقارير

مدينة عدن.. انقسام حاد وساحة مفتوحة للفوضى

على وقع انهيار الخدمات والتدهور الاقتصادي والمعيشي في عدن تتسع دائرة الغضب والكراهية ضد المجلس الانتقالي- جيتي
على وقع انهيار الخدمات والتدهور الاقتصادي والمعيشي في عدن تتسع دائرة الغضب والكراهية ضد المجلس الانتقالي- جيتي

تعيش العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، انقساما شعبيا حادا، وموجة غضب واسعة، بعد أن تحولت إلى ساحة مفتوحة للفوضى والعبث، تنتشر فيها المليشيات المسلحة ويغيب عنها أي مظهر من مظاهر الدولة.

ويوم الجمعة، خرج العشرات في تظاهرة منددة بتردي الأوضاع الأمنية والخدمية والمعيشية، ورغم أن المجلس الانتقالي دفع بأنصاره إلى ميدان التظاهر، إلا أن ذلك أظهر حالة الانقسام في عدن والرفض للمجلس، من خلال اللافتات التي تم رفعها.

وتداول ناشطون يمنيون صورة لأحد المتظاهرين المناوئين للمجلس الانتقالي يرفع لافتة تقول: "حررنا عدن من الحوثيين، لكن التحالف اختطفها وسلمها للانتقالي".

وعلى وقع انهيار الخدمات والتدهور الاقتصادي والمعيشي في العاصمة اليمنية المؤقتة، والتي يسيطر عليها الانتقالي، تتسع دائرة الغضب والكراهية ضد المجلس الذي يلقي باللائمة على الحكومة التي غادر رئيسها وأعضاؤها المدينة، بعد أيام من اقتحام قصر المعاشيق الرئاسي في حي كريتر، الذي تتخذه مقرا لها.

وتشهد مدينة عدن اختلالات أمنية متعددة، بدءا بالاغتيالات والاختطافات، مرورا بعمليات الاعتداء والنهب لممتلكات خاصة وأخرى عامة، وصولا إلى صدامات مسلحة بين مجموعات مليشياوية تابعة للمجلس الانتقالي، ضمن صراعها على مصادر الإيرادات في المدينة وغيرها من المصالح، وفق مصادر مطلعة تحدثت لـ"عربي21".

ويكاد لا يخلو أسبوع في عدن من خروج المواطنين للاحتجاج، جراء ما آلت إليه الأوضاع التي تدفع بالمدينة نحو الهاوية.

وتقول المصادر: "في الوقت الذي يطالب فيه أبناء عدن بدفع الأجور والمرتبات، جراء سيطرة قيادات ومليشيات الانتقالي التي تخوض صراعا عميقا للسيطرة على الموارد والمؤسسات المالية في عدن، بينها الموانئ".

وتضيف: "تقول قيادات الانتقالي إن المرتبات والأجور من مسؤولية الحكومة رغم استحواذها على الإيرادات والضرائب، وتقوم بتوريدها إلى حسابات البنك الأهلي، وأحيانا تخزن تلك الأموال في مبان سكنية تابعة لها، بينما لا تورد أي ريال إلى خزينة البنك المركزي".

وقد دفع هذا الصراع مأموري بعض المديريات في الأشهر الماضية، إلى تقديم استقالاتهم إلى عمدة العاصمة، أحمد لملس، الذي هو قيادي بالمجلس الانتقالي، بسبب عدم تمكنهم من القيام بمهامهم الرسمية.

وإزاء غرق مدينة عدن في الفوضى والاختلالات الأمنية، ومغادرة رئيس وأعضاء الحكومة، فقد قال وزير الداخلية اليمني اللواء إبراهيم حيدان إن الوضع الأمني في العاصمة المؤقتة مقلق، مرجعا ذلك إلى "تعدد الأجهزة الأمنية فيها".

وأشار حيدان في لقاء أجراه مع قناة محلية، الأسبوع الماضي، إلى "وجود خلايا نائمة تابعة للحوثيين بعدن، تفتعل الفوضى والمشاكل"، وهو يثير أسئلة عدة، حول كيفية وصول تلك الخلايا الحوثية إلى المدينة التي يحكمها المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي منذ آب/ أغسطس 2019، وهل هذا التصريح تبرئة للمجلس الانتقالي عن حالة الفلتان الأمني وظاهرة الاغتيالات والاختطافات التي تحدث بين فينة وأخرى بعدن وما حولها؟

"ارتباط وتنسيق"

وفي هذا السياق، يقول القيادي في المقاومة الشعبية اليمنية، عادل الحسني إن تصريح وزير الداخلية بشأن وجود خلايا حوثية في عدن، ربما المقصود به "خلايا متحوثة".

واستبعد الحسني في تصريح لـ"عربي21" وجود عناصر حوثية في المناطق المحررة.

وأضاف: "هناك عناصر موالية للحوثيين ترتبط بمصالح مشتركة معها، وهي عناصر مندسة توالي الحوثي من أبناء المحافظات الجنوبية ذاتها".

وأكد القيادي في المقاومة الشعبية جنوب اليمن، أنه تم كشف خلية تعمل لصالح الحوثي في محافظة أبين (شرقي عدن)، تعمل على عدد من الاغتيالات، بتنسيق مع قيادات عسكرية في مليشيات المجلس الانتقالي.

وبحسب الحسني فإن هناك ارتباطات وثيقة بين قيادات أمنية بالمجلس الانتقالي وجماعة الحوثي في محافظتي لحج (شمالي عدن)، ويجري التنسيق بينهما لتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف الموالين للحكومة الشرعية، ونشر الفوضى، وإبقاء الوضع على ما هو عليه، وإعاقة أي ترتيبات من قبل السلطة الشرعية للوضع في المحافظات الجنوبية المحررة.

ويرى القيادي والناشط اليمني أن تصريح وزير الداخلية، قد ينظر إليه على أنه تبرئة لساحة الانتقالي من عمليات الاغتيالات وظاهرة الفوضى في عدن وما حولها، وهو "يندرج ضمن التهدئة التي ترعاها السعودية بين الحكومة والمجلس الانتقالي".

وقال: "وزير الداخلية حمّل جماعة الحوثي المسؤولية عن الفوضى في عدن، وهو يعلم، أن الخلايا الموجودة تعمل على مرأى ومسمع من الانتقالي وبترتيب وتنسيق منه".

وأردف: "حتى وزير الداخلية ذاته تعرض لمحاولة اغتيال، وتمت محاصرة منزله من قبل مليشيات يقودها فضل باعش، وهو مسؤول عسكري أعلن ولاءه للمجلس الانتقالي، قبل أن يقال من قيادة قوات الأمن الخاصة في محافظات عدن ولحج وأبين".

"رغبة من الانتقالي"

من جانبه، يؤكد رئيس "تجمع القوى المدنية" جنوب اليمن، عبدالكريم السعدي أن ما تعيشه مدينة عدن من ظواهر أمنية وصراع مليشياوي، هو نتيجة غياب السلطة الشرعية عن القيام بمسؤوليتها تجاه عاصمتها المؤقتة.

وأبدى عدم استغرابه، من حديث وزير الداخلية عن وجود خلايا حوثية في عدن، مؤكدا أن ذلك يحدث في ظل تخاذل الشرعية وغيابها والغيبوية التي تعيش فيها.

وردا على سؤال عن كيفية وصول الخلايا الحوثية إلى عدن، قال السعدي لـ"عربي21": "إن وصول الخلايا الحوثية إلى عدن قد يكون بناء على رغبة من قبل الانتقالي الذي يعيش حالة ضعف ووهن وصراع داخلي بين قياداته".

وتابع: "ولذلك فليس مستبعدا أن يمد يده للحوثي ليخلق فوضى فقط، وليعقد المشهد أمام الجيش الوطني".

وأضاف السياسي اليمني الجنوبي أنه "من الممكن أن يكون دخول الخلايا الحوثية إلى عدن بفعل المماحاكات بين المليشيات التي تسيطر على جغرافيا المدينة، وهو أمر لا غرابة فيه".

وبحسب السعدي فإن مدينة عدن "تحولت إلى غابة يتم العبث بها، بل أصبحت ساحة لاستخبارات دول أخرى".

وقال إن تحميل وزير الداخلية مسؤولية ما تعيشه عدن إلى خلايا حوثية "غير صحيح"، فالفوضى في عدن قائمة منذ العام 2015، "ولا يجب أن نحمل الحوثي ما لا طاقة له".

ومضى قائلا: "في عدن، لا يمكن تحميل الجماعة الحوثية المسؤولية عن الفوضى، فالانتقالي يتحملها بدرجة أساسية، وكذلك الشرعية العاجزة تتحمل الجزء الأكبر، كونها من منحت الشرعية للانتقالي وأدخلته في اتفاق الرياض وسلمته عدن".

ولفت رئيس تجمع القوى المدنية بجنوب اليمن، إلى أن المشاكل الموجودة في عدن، "لا علاقة للحوثي بها، وإن كانت تسعده وتدعم مشروعه الفوضوي، وتساعده في تنفيذ مخططاته الإيرانية الذي يتحمل عبء تثبيتها في الواقع اليمني".

"رفع الجاهزية القتالية"

والسبت، دعا زعيم الانفصاليين الجنوبيين عيدروس الزبيدي، المدعوم من دولة الإمارات، مليشياته إلى الجهوزية القتالية.

وأكد الزبيدي الذي يرأس المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال اجتماع عقده بقيادات أمنية وعسكرية بعدن، على أخذ الحيطة والحذر ورفع درجة الاستعداد القتالي، تحسبا لأي تحديات قادمة، وفق الموقع الرسمي للمجلس على الإنترنت.

وجدد تأكيده على استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على ترابه الوطني، في إشارة إلى الانفصال عن شمال اليمن، بعد إعادة الوحدة بين الشطرين في عام 1990.

 

اقرأ أيضا: الانتقالي يتمسك بالانفصال عن الشمال وهادي يؤكد وحدة البلاد


التعليقات (0)