هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على قصة مسن فلسطيني دمر الاحتلال أحلامه بالاستقرار، بعد أن قصف برج الجلاء في قطاع غزة قبل أيام وأحاله إلى ركام، مشردا بذلك عائلات فلسطينية عدة، ومكاتب صحفية.
وروت ليلى العريان، وهي صحفية فلسطينية أمريكية في مقال نشرته الصحيفة، قصة جدها الذي اشترى من مدخراته بيتا في غزة، أصبح أثرا بعد عين في أعقاب تدمير الاحتلال برج الجلاء المكون من 12 طابقا في غزة، الذي كانت تعمل منه قناة الجزيرة ووكالة أسوسيتدبرس.
وسردت العريان قصة جدها قائلة: "اشترى بمدخراته شقة في البرج وتركها ليرثها أبناؤه من بعد، لكنها أصبحت الآن أنقاضا ورمادا، وهو درس تعلمه الفلسطينيون عبر الأجيال، هو أن البيت شيء عابر ويمكن أن يؤخذ منهم في أية لحظة".
وتابعت: "كان جدي عبد الكريم يعرف هذا جيدا، فقصة حياته يمكن أن تحكى عبر البيوت التي خسرها، فقد ولد في غزة عام 1933 وفقد والديه وهو في سن الخامسة، وعايش جيل النكبة، وهو من الفلسطينيين الذين جربوا الإرهاب والتشرد الذي رافق إنشاء دولة الاحتلال عام 1948. وكان في المدرسة الثانوية، ويمكنه الحديث عن القنابل من الطائرات الإسرائيلية التي ألقيت فوق غزة، التي مزقت الغبار بين قدميه".
وأردفت: "وتم تشريد آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وحدثت مجازر في المدن والقرى في البلاد. وتدفق اللاجئون على القطاع الصغير، وكانت جدتي إنعام، واحدة منهم. وكانت واحدة من بين 50- 70 ألف لاجئ قدموا من اللد والرملة والقرى المحيطة، شرق يافا، فيما عرف بمسيرة الموت في يافا، وعلمت أن والدها ضابط الشرطة في يافا قد أعدم ودفن في مقبرة جماعية".
واستطردت العريان قائلة: "أمسكت جدة جدتي بالأطفال وأخذت تسير وتسير حتى سقطت أظافر قدميها، كما أخبرتنا، في ما سيطر المستوطنون اليهود الذين جاؤوا من أوروبا على بيوتهم. وعندما وصلت جدتي وعائلتها إلى غزة، كانت قد ازدحمت باللاجئين من كل أنحاء فلسطين، ونام الآلاف منهم في خيام قدمتها لهم الأمم المتحدة. وفي الوقت الذي التقى فيه جدّانا عام 1956 كانت جدتي تعمل خياطة لكي تعيل عائلتها".
اقرأ أيضا: استهداف مكثف للمنازل بغزة.. والمقاومة ترد بقوة (شاهد)
وتابعت سرد قصة أجدادها قائلة: "عندما تزوج جدي وجدتي لم يستطيعا العثور على عمل، وأصبحا جزءا من الشتات الفلسطيني، حيث انتقلا إلى الدول العربية التي كانت بحاجة للعمالة والتعليم، ولكنها عاملتهم كغرباء تجاوزوا مدة ضيافتهم".
وحول رحلة التشرد التي عاشها جدا العريان قالت: "في عام 1958 انتقل جداي إلى السعودية مع ابنهما البالغ من العمر عاما واحدا للعمل كمدرس لغة عربية. وكان يدخر ما يمكنه من راتبه القليل ليأخذ أبناءه كل في العطل الصيفية كل عام إلى غزة".
وبعد سنوات من الحياة المتواضعة قالت الصحفية الفلسطينية؛ إن جدها اشترى قطعة أرض كان يخطط لبناء بيت عليها في غزة. ثم حدثت حرب عام 1967 عندما كان يجلس في مقهى مع أصدقائه في مدينة جدة السعودية، وسمع جدي أخبار احتلال إسرائيل قطاع غزة. وكان وجهه شاحبا وأغمي عليه من الصدمة. وأصدرت إسرائيل قرارا اعتبر أي شخص لم يكن في القطاع قبل الحرب، بأنه لا يعد مقيما فيه".
انتقل الجد وعائلته إلى القاهرة، واشترى جدي شقة من عائلة مصرية، ولكن لم يسمح له بتسجيلها باسمه لأنه فلسطيني، بحسب العريان التي أضافت قائلة: "وعندما قامت والدتي التي استقرت في الولايات المتحدة وهي في سن الـ18 بجلبه إلى أمريكا، استقر في فلوريدا وبقي فيها طوال التسعينيات، وقدم طلبا للجنسية".
وعندما حصل جد العريان على الجنسية الأمريكية، صمم على العودة إلى غزة، لكن جدتها رفضت العودة طالما بقيت الأرض محتلة، في ما هو رفض العيش في المنفى، وفي 2004 انتقل إلى غزة.
وشددت بالقول: "في عام 2007 فرضت إسرائيل حصارا قاسيا على غزة، في محاولة لزعزعة حكومة حماس، المستمر حتى اليوم. وأصبح الحصول على دواء لمرض السكري الذي كان يعاني منه جدي من شبه المستحيلات، واضطر لاستخدام موقد الكاز للطهي نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المستمر".
وبعد ستة أعوام وفي أثناء الحرب المدمرة عام 2014، قصف بيت جد العريان على الشاطئ. ولم يكن بإمكان أي من أولاده السبعة زيارته. وعاش كل منهم معظم حياته في بلد مختلف، بشكل يعكس الحياة العصية للفلسطينيين المشردين.
وعن شراء الجد شقته الأخيرة، قالت العريان: "وضع جدي كل مدخراته لشراء شقة سكنية في برج الجلاء الذي يعدّ من أطول أبراج غزة، وعاش على الإيجار من شقته. وعلى خلاف برج الجلاء الذي أخلي من سكانه قبل قصفه، فهناك بيوت دمرها القصف الإسرائيلي على ساكنيها".
وختمت بالقول: "كانت الشقة التي بناها جدي بعد حياة في المنفى، هي كل شيء عمل من أجله حتى نهاية حياته. فشعور الحنين الذي دفعه للعودة إلى غزة وكل لحظة سعادة وألم وفقد في حياته مغروسة في تلك الشقة، وكانت المكان الذي أمل بزيارة أحفاده له. ولكنني أعتقد أنها لم تكن بهذه البساطة. وعندما أفكر في كل البيوت التي خسرها، فإنني أعرف أن جدي لم يكن يتوقع أن يكون هناك مبنى مادي ليكون ميراثه الدائم. وترك بدلا من ذلك معنا شيئا لا يمكن لأحد أخذه منا؛ فقد كان كفاحه للعودة للوطن تجسيدا للأمل، التصميم، الجرأة التي يورثها كل المشردين الفلسطينيين من جيل إلى الجيل القادم. نحن نبني وهم يدمرون، ثم نبني من جديد".