بطل وقائد المقاومة الشعبية في مدينة
السويس وأحد رموز العمل الخيري.
وكان له دور اجتماعي وسياسي ونضالي مشهود حيث ساهم في دعم المقاومة والمشاركة في العمليات الفدائية والتعبئة العامة للقتال.
شارك في ساحات القتال على امتداد الوطن العربي من
مصر وفلسطين ولبنان إلى ليبيا طيلة 80 عاما من عمره الذي ناهز 95 عاما.
وبقي متمسكا بالطربوش كعنوان للأصالة الإسلامية حتى وفاته ولم يتزوج بعد أن تفرغ بشكل كامل للمقاومة والعمل التطوعي والدعوة.
والشيخ حافظ سلامة، المولود عام 1925 أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، لأب كان يعمل في تجارة الأقمشة، بدأ تعليمه الابتدائي الأزهري وأخذ في تثقيف نفسه بالعلوم الشرعية والثقافة العامة ودرس العديد من العلوم الدينية، ثم عمل في الأزهر واعظًا، إلى أن أصبح مستشارا لشيخ الأزهر حتى إحالته إلى التقاعد عام 1978.
أصبحت منطقة السويس في الحرب العالمية الثانية إحدى مناطق الصراع ما أدى إلى هجرة أهالي السويس ومنهم عائلة
الشيخ حافظ الذي رفض أن يهاجر معهم وفضل البقاء في السويس، وكان عمره آنذاك 19 عاما، وكان يوفر نفقاته من إدارته لمحل الأقمشة الذي يمتلكه والده.
ولعب الشيخ حافظ دورا كبيرا في عمليات الدفاع المدني لمساعدة الجرحى والمصابين.
في عام 1944، التقى أحد الحجاج
الفلسطينيين الذين كانوا يمرون من السويس في طريقهم إلى الحجاز، وطلب من الشيخ حافظ توفير حجارة الولاعات التي تستخدم في صناعة القنابل اليدوية، كما أمده الشيخ أيضا بالسلاح لمساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، حتى قبض عليه وحكم عليه بالسجن 6 أشهر، ولكن أُفرج عنه بعد وساطة من أحد أمراء العائلة المالكة في مصر.
وانضم إلى جماعة "شباب محمد" التي أنشأها مجموعة من الأشخاص المنشقين عن جماعة "الإخوان المسلمين" وحزب "مصر الفتاة" عام 1948، وشارك في النضال ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، وحين أراد الشيخ حافظ التطوع في صفوف الفدائيين والسفر إلى فلسطين لقتال العصابات الصهيونية، طلبت منه قيادة جماعته عدم السفر باعتبار أن العدو الحقيقي (الإنجليز) لا يزال في مصر.
وشكل الشيخ حافظ أول فرقة فدائية في السويس، كانت مهمتها الرئيسة مهاجمة قواعد القوات الإنجليزية على حدود المدينة، والاستيلاء على كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر، كان يتم تسليمها للمركز العام للجمعية في القاهرة، لتقوم هي بعد ذلك بتقديمها دعما للفدائيين في فلسطين، وبعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948 انخرط في العمل الخيري والدعوة من خلال الجمعية.
وألقي القبض عليه عام 1950 إثر مقال كتبه في صحيفة "النذير" انتقد فيه نساء الهلال الأحمر. وفي الستينيات أصدر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قرارا بحل جمعية "شباب محمد" وإغلاق صحفها على خلفية مقالات تهاجم فيها العلاقات السوفيتية المصرية.
واعتقل الشيخ حافظ بعد ذلك في إطار الاعتقالات ضد "الإخوان المسلمين" وبقي في السجن حتى نهاية عام 1967 بعد حدوث النكسة.
وبعد خروجه من السجن اتجه إلى مسجد الشهداء بالسويس، وأنشأ جمعية "الهداية الإسلامية"، وهي الجمعية التي قامت بمهمة تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي في حرب الاستنزاف ما بين عامي 1967 و1973.
ولعب الشيخ حافظ دورا هاما في عملية الشحن المعنوي لرجال القوات المسلحة عبر تنظيم قوافل توعية دينية للضباط والجنود تركز على فضل الجهاد والاستشهاد وأهمية المعركة مع الصهاينة عقب هزيمة 1967 والاستعداد لحرب عام 1973، وكانت هذه القوافل تضم مجموعة من كبار الدعاة وعلماء الأزهر وأساتذة الجامعات في مصر.
وكانت قيادة الشيخ حافظ لعمليات المقاومة الشعبية في مدينة السويس في حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 المحطة الأهم في حياته، فقد وجه الاحتلال الإسرائيلي إنذارا إلى محافظ السويس بالاستسلام أو تدمير المدينة بالطيران، ولكن الشيخ حافظ ومعه عدد من قيادات المقاومة، ومعه جميع أبناء المدينة قرروا رفض تسليم المدينة، واستمرار المقاومة ووقف على منبر مسجد الشهداء ليعلن بدء عمليات المقاومة.
وتعرضت المدينة لحصار القوات الإسرائيلية وقصف مستمر من الطائرات وتقدمت إلى المدينة 200 دبابة وكتيبة من جنود المظلات وكتيبتان من جنود المشاة بعربات مدرعة، إلا أن رجال المقاومة تصدوا لها مع رجال القوات المسلحة في معركة دامية دمرت فيها جميع دبابات العدو التي اقتحمت المدينة واندحرت القوات الغازية عقب هزيمة كبرى لسلاح الدبابات.
ويصف رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك سعد الدين الشاذلي هذا الدور بقوله: "إن الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، إمام وخطيب مسجد الشهداء، اختارته الأقدار ليؤدي دورا رئيسا خلال الفترة من 23 إلى 28 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة".
وظل الشيخ حافظ يلعب دورا إيجابيا في مجتمعه من الناحية الدعوية والاجتماعية وأيضا السياسية فقد رفض زيارة السادات للقدس عام 1977 ومعاهدة "كامب ديفيد" عام 1979، ما وضعه على رأس قائمة اعتقالات عام 1981.
وانضم إلى المعتصمين المطالبين بتنحي حسني مبارك عن الحكم في ميدان التحرير في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير عام 2011. كما شارك بقيادة وتنظيم مجموعات الدفاع الشعبي عن الأحياء السكنية في مدينة السويس ضد عمليات السلب والنهب التي انتشرت بسبب الفراغ الأمني أثناء الاحتجاجات.
وشارك عام 2012، في جمعة الزحف بالعباسية متضامنا مع مطالب القصاص لشهداء العباسية الذين قتلوا على أيدي بلطجية ووقوف الشرطة العسكرية والجيش دون تحريك ساكن، وكان الشيخ متواجدا داخل مسجد النور عندما قام الجيش بفض الاعتصام.
وفي عام 2011 قام الشيخ حافظ بدعم الثوار في ليبيا.
وفي العام ذاته، أكد عزمه المشاركة في فعاليات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وجاء ذلك بعد أن تجمع عدد كبير من الشباب بالسويس يطالبون الشيخ حافظ بأن يقود قافلة الحرية المصرية، والتي تتوافق مع انطلاق قوافل أخرى من كافة الدول العربية وجميع المحافظات المصرية للأراضي الفلسطينية.
كما قام عام 2012 بالسفر لسوريا عبر الحدود التركية للمشاركة في ثورة سوريا، والشد على أيدي الثوار رغم كبر سنه.
وتوفي الشيخ حافظ، باعث الروح المعنوية، وأحد رموز مصر على مر العصور، عقب وعكة صحية تعرض لها في أول أيام شهر رمضان أُدخل على إثرها مستشفى الدمرداش في القاهرة، وكان الشيخ يعاني من عدم انتظام في ضربات القلب وانخفاض نسبة الأكسجين في الدم، رغم أن تقارير نسبت ذلك إلى إصابته بفيروس كورونا، وهو ما نفي لاحقا.
وبالرغم من تلاقيه الفكري المحافظ مع "الإخوان"، فإنه لم يكن مؤيدا خلال عامهم في الحكم، ومع ذلك فقد رفض الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو عام 2013، مؤكدا أن الطريق "الأسلم" لمصلحة البلاد، كان طرح مسألة شرعية الرئيس محمد مرسي على استفتاء شعبي عام، مؤكدا أحقية معارضي الانقلاب العسكري في الاعتصامات السلمية.
وبسبب نزعته الإسلامية، وعدم وضوحهِ في تأييد الانقلاب العسكري، وتاريخه ضد الاحتلال الإسرائيلي، تعرض الشيخ لحملة ضده في آخر أيامه، حيث شككت قيادات عسكرية في دوره خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973.
وتجاهلت السلطات الرسمية إصدار نعي له، أو إقامة جنازة عسكرية، بالرغم من حمله نجمة سيناء، أرفع الأوسمة العسكرية المصرية على الإطلاق. ومع ذلك فقد حظي بجنازة شعبية مهيبة.
وكان الشيخ حافظ ذاكرة خاصة لمدينة السويس التي عاشت لسنوات طويلة على حكايته وقصصه في الجهاد ومقاومة الاحتلال، وسيبقى في ذاكرتها وفي ذاكرة العرب، كرجل زاهد ومتواضع لم يكن يكترث كثيرا برفاهيته بقدر ما كان مشغولا بالهم المصري والعربي والإسلامي.