كتاب عربي 21

الدروس المستفادة من السفينة الجانحة بقناة السويس

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
أظهر جنوح إحدى سفن الحاويات الضخمة بقناة السويس صباح الثلاثاء، وتسببها بتعطيل الملاحة بالقناة عدة أيام حتى كتابة تلك السطور، مدى أهمية القناة لحركة التجارة العالمية بمختلف السلع، وللعديد من البلدان سواء في أوروبا أو جنوب آسيا أو أمريكا الشمالية أو شرق وشمال أفريقيا والخليج العربي وبلدان البحر الأسود.

حيث تشير بيانات كل من الأونكتاد وهيئة قناة السويس خلال العشرين عاما الممتدة من عام 2000 إلى 2019، إلى استحواذ القناة على نسبة حوالي 10 في المائة من مجمل التجارة البحرية الدولية، لتتراوح النسبة خلال تلك السنوات ما بين 7.5 في المائة عام 2000 وحتى 11 في المائة عام 2008، وخلال السنوات العشر الأخيرة لم تنخفض النسبة عن 9.5 في المائة بأي من تلك السنوات، مما جعل خبر تعطل الملاحة فيها ومحاولات تعويمها على رأس أخبار المواقع الإخبارية الدولية، حيث أن قناة السويس تعد بمثابة ممر ملاحي دولي يقع على أرض مصرية، حيث تحكم الحركة فيه معاهدة جرت في القسطنطينية عام 1888، وما زالت سارية بحيث تتيح لكل البلدان حرية المرور في القناة على قدم المساواة، سواء لسفنها التجارية أو الحربية.

وتمثل القناة رافدا أساسيا من موارد النقد الأجنبي، لمصر من خلال رسوم العبور التي تدفعها السفن العابرة للقناة، وهي العوائد التي تشكل عادة المورد السادس من حيث القيمة، إلى جانب الصادرات السلعية وتحويلات العاملين في الخارج والاستثمار الأجنبي والسياحة والاقتراض.
هذا المورد يتسم بثبات نسبي قد لا يتوفر لباقي الموارد، نتيجة ضمان الدول الكبرى لاستمرار المرور في القناة تحت أية ظروف محلية

لكن هذا المورد يتسم بثبات نسبي قد لا يتوفر لباقي الموارد، نتيجة ضمان الدول الكبرى لاستمرار المرور في القناة تحت أية ظروف محلية. فمع أحداث ثورة الخامس والعشرين من كانون الثان/ يناير 2011، والاضطراب الذي أثر على التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي، حرصت الدول الكبرى على عدم تأثر العبور بالقناة بتلك الأحداث، واستمراره بنفس المعدل قبل الأحداث.

وهو ما تكرر مع الأحداث التي تلت الثالث من تموز/ يوليو 2013، وإعلان حالة الطوارئ وعودة السياح إلى بلادهم، وتأثر التصدير والاستثمار الأجنبي بشقيه المباشر وغير المباشر، لكن العبور في القناة استمر بنفس معدلاته اتساقا مع مطلب الدول الكبرى لذلك.

ثبات نسبي لإيرادات قناة السويس

وها هي تداعيات كورونا التي أثرت على غالبية موارد النقد الأجنبي لمصر، لكن تأثيرها على قناة السويس كان أقل حدة، حيث تشير بيانات المصرف المركزي المصري لموارد النقد الأجنبي لمصر، خلال الربع الثاني والثالث من عام 2020، وهي فترة ذروة تأثير الفيروس بمصر، إلى انخفاض موارد السياحة بنسبة 85 في المائة بالمقارنة بنفس الفترة من عام 2019، وانخفاض موارد صادرات النفط والغاز الطبيعي بنسبة 50 في المائة، وتراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 23 في المائة، بينما كانت نسبة تأثر إيرادات القناة 8 في المائة فقط.

وخلال عام 2020 كانت نسبة تراجع إيرادات قناة السويس بالمقارنة لعام 2019 نسبة ثلاثة في المائة فقط، بينما كانت توقعات الأونكتاد لتراجع التجارة الدولية خلال العام 4.1 في المائة.

ولهذا يجب أن تتعامل السلطات المصرية مع قناة السويس كممر عالمي، بشكل مختلف عن الأسلوب الذي تتعامل به مع القضايا المحلية.
ضرورة الإفصاح الدائم عن كل ما يخص المرور بالقناة من بيانات فنية ومالية، فمن غير المعقول أن يتم أول مؤتمر صحفي لرئيس هيئة القناة في اليوم الخامس لحادث جنوح السفينة الذي عطل الملاحة

وأول تلك الدروس ضرورة الإفصاح الدائم عن كل ما يخص المرور بالقناة من بيانات فنية ومالية، فمن غير المعقول أن يتم أول مؤتمر صحفي لرئيس هيئة القناة في اليوم الخامس لحادث جنوح السفينة الذي عطل الملاحة، ومن غير المعقول أن تكون آخر نشرة شهرية تخص أداء القناة متوقفة عند شهر شباط/ فبراير 2020، أي منذ أكثر من عام، وألا يتم إعلان التقرير السنوي لأداء القناة عن عام 2020 حتى الآن.

وهذه التقارير الدورية كانت منتظمة الصدور لسنوات عديدة، وتم إيقاف إصدارها بعد تراجع الإيرادات في الشهور التالية لافتتاح آخر تفريعة بالقناة في آب/ أغسطس 2015. وبعد عودة إصدار تلك التقارير عقب تحسن الإيرادات، فقد خلت من البيانات المالية، كما خلا التقرير السنوى لعام 2019 من استعراض نصيب سفن الدول المختلفة من العبور كما كان متاحا من قبل.
هذه التقارير الدورية كانت منتظمة الصدور لسنوات عديدة، وتم إيقاف إصدارها بعد تراجع الإيرادات في الشهور التالية لافتتاح آخر تفريعة بالقناة في آب/ أغسطس 2015. وبعد عودة إصدار تلك التقارير عقب تحسن الإيرادات، فقد خلت من البيانات المالية

مجرى القناة ليس مزدوجا بالكامل

وإذا كان جهاز الإحصاء الحكومى يصدر بيانات شهرية عن إيرادات القناة فهو يصدرها بالجنيه المصري، رغم أن تحصيل الرسوم بالقناة يتم وفق وحدة حقوق السحب الخاصة المكونة من نسبة مختلفة من خمس عُملات رئيسية، وكان الرئيس السابق للهيئة قد لجأ لإعلان الإيرادات بالجنيه المصري الذي جرى تعويمه عام 2016 وفقد حوالي نصف قيمته، للإيحاء بزيادة الإيرادات بعد تفريعة أو توسعة عام 2015 التي تسميها وسائل الإعلام الحكومية قناة السويس الجديدة.

ومن باب الشفافية مطلوب أن يتم تصحيح ما تم إعلانه من قبل من أن قناة السويس الجديدة (التفريعة السابعة للقناة حيث سبقتها ست تفرعات بعهود سابقة) أتاحت المرور بالقناة بالاتجاهين، أي من الجنوب من ميناء السويس إلى ميناء بورسعيد، ومن الشمال من بورسعيد إلى السويس في نفس الوقت على طول مجرى القناة، وهو الأمر الذي كشف حادث جنوح سفينة الحاويات الأخير عدم صحته، حيث ما زالت المسافة من الكيلو 123 ترقيم القناة إلى الكيلو 160 غير مزدوجة، وهي المسافة التي تعطلت بها سفينة الحاويات (الكيلو 151 ترقيم القناة) وتسببت في توقف الملاحة في القناة، حيث لا يسمح عرض مجرى القناة بتلك المسافة من ناحية الجنوب سوى بمرور سفينة واحدة.
مطلوب أن يتم تصحيح ما تم إعلانه من قبل من أن قناة السويس الجديدة (التفريعة السابعة للقناة حيث سبقتها ست تفرعات بعهود سابقة) أتاحت المرور بالقناة بالاتجاهين

ولا شك أن حالة الارتباك التي حدثت مع حادث الجنوح والاضطرار إلى الاستعانة بشركة هولندية ومعاونة أمريكية، وغير ذلك من جهات، كشف عن عدم استعداد إدارة القناة لمواجهة آثار هذا الحادث، رغم وجود مركز للمحاكاة لتدريب المرشدين على التعامل مع كافة ظروف واحتمالات المرور في القناة.

وعندما يذكر رئيس الهيئة أنه يتم اللجوء لخيار تعويم السفينة الجانحة من خلال الشد والدفع بواسطة القاطرات والتكريك، وتأجيل اللجوء لتخفيف حمولة السفينة من الحاويات لعدم وجود مراكب للشحن تصلح لذلك الغرض، فإن هذا لا يتسق مع كون سفن الحاويات قد مثلت 48 في المئة من الإيردات العام الماضي، واتساع القناة لمرور سفن الحاويات بأي حجم أو حمولة.

الحاجة لخبير تسويق لرئاسة القناة
هذا أمر يدفعنا للمطالبة بدراسة العودة إلى تولي إدارة الهيئة من قبل مهندسين، كما حدث منذ تأميم القناة عام 1956، وحتى بداية عام 1996 حين بدأ الرئيس حسني مبارك في الاستعانة بقيادات البحرية لتولي رئاسة هيئة القناة والذي استمر من بعده حتى الآن

وهذا أمر يدفعنا للمطالبة بدراسة العودة إلى تولي إدارة الهيئة من قبل مهندسين، كما حدث منذ تأميم القناة عام 1956، وحتى بداية عام 1996 حين بدأ الرئيس حسني مبارك في الاستعانة بقيادات البحرية لتولي رئاسة هيئة القناة والذي استمر من بعده حتى الآن. فمحمود يونس الذي تولى رئاسة الهيئة عام 1957 كان مهندسا، ومشهور أحمد مشهور الذي تلاه كان خريجا في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول - القاهرة حاليا - ومحمد عزت عادل الذي تلاه كان خريجا في نفس الكلية.

وربما تسفر الدراسة عن حاجة هيئة القناة إلى نائب للرئيس ذي صلاحيات واسعة يتولى الجوانب الفنية لتحركات السفن في القناة، على أن يكون رئيس الهيئة متخصصا بالتسويق البحري الدولي، في ضوء المنافسة الضارة التي تتعدد أطرافها للقناة، سواء من قبل طريق رأس الرجاء الصالح أو قناة بنما أو طريق المحيط المتجمد الشمالي، أو ممر إيران البحري البري أو طريق الحرير البري، أو مشروع إيلات عسقلان الإسرائيلي.

ولعل ما حدث من اتخاذ سفن تجارية طرقا أخرى بعد تعطل المرور في القناة أحد الشواهد، رغم الميزة النسبية لقناة السويس من حيث تخفيض وقت الرحلة والوقود اللازم للرحلة، مما يتطلب قيادة تسويقية تذهب إلى شركات الخطوط الملاحية وتتحدث بنفس لغتها التجارية، لزيادة كم العبور، حيث أنها تستوعب حتى 79 سفينة يوميا، بينما المتوسط الحالي للمرور حوالي 52 سفينة، في وقت تتراجع فيه إيرادات غالبية الموارد الدولارية لمصر بسبب تداعيات كورونا.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (2)
عبدالله المصري
الإثنين، 29-03-2021 09:33 ص
اثبتت الحوادث المتعاقبة فشل فشل مافيا السيسي التي كل همها نهب مصر حتى لو في ذلك خطورة على مصر و لكن هذه المرة كانت مافيا السيسي خطيرة على العالم ايضا الذي ساهم في تمكينها من مصر و هدم تجربة مصر الديمقراطية نكاية في الاسلام و المسلمين
الكاتب المقدام
الأحد، 28-03-2021 11:34 م
*** كعادته في كل مقالة يفاجئنا الكاتب المدقق، بمعلومة كنا نجهلها أو لم نتوقف عندها لإدراك أهميتها ومغزاها، فهو هنا يخبرنا بأن هيئة قناة السويس، وهي أهم مرفق اقتصادي مصري على المستوى الدولي، لم تصدر أي تقارير جديدة عن أدائها منذ أكثر من عام!! " فآخر نشرة شهرية تخص أداء القناة وايراداتها متوقفة عند شهر فبراير 2020، كما لم يتم إعلان التقرير السنوي لأداء القناة عن عام 2020 حتى الآن."، فإن كان هذا هو حال هذا المرفق المصري الدولي الهام، فما هو حال أجهزة الدولة ومؤسساتها الأخرى التي تحولت إلى شبه دكاكين خاصة لا يعلم عنها شيئاُ أحد؟ كما أن ايرادات الدولة وقروضها التي غرقت البلاد فيها، تتسرب غالبيتها إلى مسارب وصناديق خاصة، يغترف منها الجنرال الانقلابي كما يشاء، ويوجهها ويغدق بها على من أراد، ويمول منها تنفيذ مشروعاته الفاشلة التي يسندها بالأمر المباشر وبالسعر الذي يرتأيه، حسب العمولات التي يحصلها من ورائها، بعيداُ عن أي رقابة تنفيذية أو رقابية أو تشريعية، كما أن تكلفة مشروع التطوير الأخير للقناة الذي تكلف ما جاوز مئة وستين ملياراُ، واطلق عليه كذباُ القناة الجديدة، قد ثبت بعد جنوح السفينة الأخير وشحطها في قاع القناة، أنه لم ينفق على تطهير وتطوير المجرى الملاحي لها، وهي عملية الصيانة المستمرة المطلوبة من أجل الاحتفاظ بمنسوب الغاطس، كما أن مئات الجنرالات من ذوي الحظوة الذين يتم تعيينهم في هيئة القناة، يفتقرون إلى الخبرة المناسبة لإدارتها، كما ينقصهم التدريب اللازم لحسن أداء أعمالهم، وهم من الكهول الذين شاخوا وتوقفت عقولهم عن تعلم الجديد، ويكتفون بالاغتراف من مواردها بعد تركهم للخدمة العسكرية، كما هو حالهم في مختلف مرافق الدولة الأخرى، الذين يفرضون عليها، فيعرقلون العمل بها، ويفسدون ولا يصلحون، وأي مصري عاقل يعلم بأن الأمور لن تنصلح إلا بشلح أولئك الجهلة الفسدة من مناصبهم، ومحاسبتهم على ما اقترفت ايديهم، وعلى ما نهبوه من أموال الشعب المغيب، فالثورة ضرورة وليست ترفاُ مهماُ كانت تكلفتها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الدولة المصرية.