كتاب عربي 21

ماذا ينتظر المعارضون العرب من بايدن؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

من تابع بعض ما يصدر عن رموز المعارضة العربية، وكثير منهم صار في المنفى، لأن من في الداخل؛ يتوزّعون بين السجون وبين الصمت خشية دخولها؛ فلا بد أنه عثر على الكثير من الآمال المعلقة على الرئيس الأمريكي الجديد (بايدن)، بخاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في عالمنا العربي.


في هذا السياق، يتشبثون بخبر من هنا، وتعليق من هناك يشير إلى شيء كهذا، بجانب بعض الخطوات العملية، مثل الإفراج عن صحفي أو بعض النشطاء في هذا البلد أو ذاك، مع بعض التصريحات الأمريكية القديمة أو الجديدة التي تعلي من ملف حقوق الإنسان كعامل فاعل في ترسيم العلاقات الدبلوماسية.

 

نفتح قوسا كي نشير إلى أن هذه السطور كُتبت قبل إعلان تقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن جمال خاشقجي، رحمه الله، بل ربما كان انتظار البعض للتقرير، واحدا من أسباب كتابتها، تبعا للآمال المعلقة عليه. وقد جاءت النتيجة كي تؤكد المضمون.


ما يثير الشجون هنا، هو أن كثيرا من الأخطاء التي تتورّط فيها قوى المعارضة العربية، وفي مقدمتها القوى الإسلامية (الأكثر حضورا) في المرحلة الأخيرة، إنما تتمثل في سوء التقديرات السياسية، أو عدم دقتها في أقل تقدير، ومن ثم العجز عن رؤية الأوضاع على حقيقتها؛ بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي يوقعها في أخطاء، بل حتى كوارث في بعض الأحيان.


أتذكر أنني حضرت قبل حوالي 8 سنوات، جلسة مع معارضين سوريين؛ تركز الجدل خلالها حول ما إذا كان عليهم تأييد التدخل الدولي في سوريا أم لا، وكانوا يتحدثون عن ذلك التدخل (على شاكلة ليبيا) كما لو كان حقيقة لا مراء فيها، وكان بعضهم يتحدثون عن إصدار بيان سياسي يؤيد ذلك التدخل.


قلت لهم يومها، إنني ضد التدخل الأجنبي من حيث المبدأ، لكن المشكلة أنكم تحمّلون أنفسكم عبء موقف لا أمل فيه أصلا.

 

ولكن في حال صار التدخل الدولي حقيقة؛ ولن يكون، فأيِّدوه كما يحلو لكم. ولنتذكّر أن الجدل هنا لا يتعلق ببيان، بل بانتظار الوهم، بما يترتب عليه من مواقف وبرامج.


اليوم يأتي بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة بعد مرحلتين فارقتين: الأولى أنه يأتي بعد رئيس أرعن، لم يكن يتردد في القول إنه يعشق الطغاة، ووصف أحدهم بأنه "دكتاتوره المفضل"، وكان يمنحهم غطاءً للقمع دون أي تدخل أو انتقاد، بخاصة إذا ما أشبعوا شهوته الأولى ممثلة في خدمة الكيان الصهيوني، وشهوته الثانية، ممثلة في الخضوع للابتزاز المالي.


أما المرحلة الثانية، فتتمثل في أنه يأتي في ظل حالة قمع غير مسبوقة في المنطقة العربية، إذ تعيش العديد من الدول العربية حالة "عسكرة" للمجتمعات، لم تُعرف منذ عقود طويلة؛ تغيب معها أبسط أبجديات حقوق الإنسان.


في المقابل هناك بُعدان يتجاهلهما المعارضون العرب، أو بعضهم في معرض قراءة موقف بايدن من قضية حقوق الإنسان في المنطقة.

 

الأول يتمثل في السيرة التاريخية لأمريكا حيال هذه القضية، وحيث لم تكن إداراتها المتعاقبة معنية في أي مرحلة بهذه القضية إلا في سياق الابتزاز، كما حدث أيام جورج بوش (الابن)، وبعد هجمات سبتمبر 2001، مع بعض التفاوت بين مرحلة وأخرى.


والخلاصة أن هذا الملف لم يكن يوما هو المحدّد لطبيعة العلاقة بين أمريكا وبين الأنظمة العربية ولا حتى سواها، لا سيما في العقود الأخيرة التي صار فيها الموقف الصهيوني هو الأكثر تأثيرا في تعاملها مع ملفات الشرق الأوسط (تبعا لتصاعد النفوذ الصهيوني داخل أمريكا بالطبع)، ووصل الحال حد توريطها في غزو العراق تبعا لهذا البعد.

 

ولك أن تتذكر كيف رد العرب على هجمة بوش تحت عنوان مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، ببعض التغييرات "الديكورية" في الداخل، ومن خلال طرح "المبادرة العربية" في قمة بيروت 2002، والتي وافق عليها الجميع دون استثناء.


البعد الثاني هو المتعلق بطبيعة المرحلة الجديدة في المشهد الدولي، وحيث يعيش العالم بجانب حالة التعددية القطبية (النسبية)، حالة من صراع القوى بين الولايات المتحدة وبين الصين، بجانب روسيا على تحديد موازين القوى الجديدة في العالم، الأمر الذي سيفرض على كل قوة أن تبادر إلى كسب الحلفاء إلى جانبها، وليس بيعها من أجل حقوق الإنسان، لا سيما أنها تدرك أن تصعيد الضغوط في هذا الاتجاه، سيدفع تلك القوى إلى الذهاب إلى الصين وروسيا؛ مع أن طبيعة القوى الإمبريالية هي رفض الإصلاح السياسي الذي يمنح الشعوب شراكة حقيقية في السلطة والثروة، وبالطبع لأنه يهدد مصالحها، خلافا للأنظمة الدكتاتورية.


هل يعني ذلك أن شيئا لن يتغير، وأن زمن بايدن هو ذاته زمن ترامب؟


الجواب هو لا، فقد تضطر بعض الأنظمة لإجراء تحسينات محدودة في أوضاع حقوق الإنسان في الداخل، مجاملة للموقف الأمريكي الجديد، من جانب، وتجنبا للابتزاز من جانب آخر، لكن بؤس الأوضاع الراهنة، سيجعل أي تحسين قادم؛ مجرد "مكياج" بسيط على وجه بشع.


من هنا، فإن الأفضل هو عدم شراء الوهم، واستمرار التعويل على ضغط الجماهير، ومن ضمنهم المعارضة من الداخل والخارج، من أجل تحسين شروط حقوق الإنسان، أو على أمل جولات جديدة من الربيع العربي، بحسب الظروف المستجدة، بخاصة ما يتعلق ببؤس الأوضاع الاقتصادية كعامل حافز على التحرك، فضلا عن التطورات الإقليمية والدولية التي قد تفرض معطيات جديدة ترشّد سلوك بعض الأنظمة، وتدفعها نحو المصالحة مع الداخل من أجل مواجهة تحديات الخارج، وحيث تسجّل أهمها الكثير من الفشل على صعيدها.


هنا ستكون المعارضة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية جاهزة للتفاهم على الأرجح، لأنها تفضل العضّ على الجراح، على أن يتم ابتزاز أنظمتها لصالح الكيان الصهيوني ومشروعه، فضلا عن تكريس عجزها عن التصدي لعدوان إيران الذي يشعل حريقا مدمّرا للمنطقة، بجانب ابتزازها ماليا واقتصاديا، دون أن يفضي ذلك إلى تغيير جوهري في ملف التعددية وحقوق الإنسان، لا سيما أن عقلاءها يدركون أن أمريكا، وكل القوى الإمبريالية (فضلا عن الكيان الصهيوني) كانت وما زالت تفضل الأنظمة الدكتاتورية على حرية الشعوب وامتلاكها لإرادتها وقرارها.

التعليقات (3)
محلل سياسي متواضع
الأحد، 28-02-2021 11:49 ص
الأصل في من يتصدى للعمل السياسي ، تحت ثوب المعارضة ، أن يكون على قدر كبير من الفهم لكيفية إدارة سياسات الدولة النافذة في العالم و من يسير في فلكها و من يعمل كوكيل لها و من هو مجرد تابع مأمور لها . إذا لم يتوفر هذا الفهم ، فإن جهود هذه المعارضة سوف تسير في طرائق عبثية و لن تكون لها ثمرات تغيير تحو الأفضل في واقع بلداننا المتدهور بل و ستزيد الطين بلَه و تجعل الجمهور يفقد الأمل نحو مستقبل مشرق و يستسلم لصغار المستبدين و كأنهم قدر لا مفر منه . منصب الرئاسة في أمريكا لا يمنح صاحبه قدرات خارقة أو عصا سحرية بل و أحياناً يكون لزاماً عليه أن يكذب أو أن يخلف الوعود أو يتظاهر بأمور و يبطن خلافها أو لا يكشف الحقائق و غير ذلك ، و السبب أن السياسة عندهم عديمة الأخلاق . الرئيس عليه أن ينخرط في تنفيذ قرارات تتخذها الدولة العميقة المسماة ( system) في بعض البلدان أو(establishment) في بلدان أخرى و هنالك زعم أن هذه القرارات كانت نتاج دراسات و أبحاث مستفيضة من هيئات و دوائر... الخ و ليست ناجمة عن أمزجة شخصية أو تطلعات فردية أو عقائد مكنونة لدى أثرياء مستترين . الرئيس الذكي المبدع ليس مرغوباً فيه عند الدولة العميقة لأن عليه أن يخضع لقراراتها من دون أي اعتراض قد يمليه ذكاؤه و إبداعه . الرئيس المتصادم مرفوض و الرئيس المطواع مرغوب فيه . لا يجوز للرئيس أن يكون واسع الثقافة ، بل كلما ازداد جهله ازدادت الرغبة في منحه المنصب . من يعقد الآمال ،على تغيير رئاسي في أمريكا ليحدث الفرق لدينا ،هو واهم و لديه تفكير أمنيات و تطلع نحو السراب الخادع لأن كافة الخطوط العريضة موضوعة منذ سنين و لا يجوز للرئيس أن يشذ عنها ، و أقصى ما يمكن أن يفعله هو تغيير الأسلوب من خشن إلى ناعم أو بالعكس و من صريح إلى بائع للكلام المعسول الذي لا يقدم و لا يؤخر في تحقيق الأهداف الثابتة . من ينتظر شخصاً ، بالمواصفات المذكرة ، سينتظر طويلاً من دون جدوى و لن يظفر بنائل . لقد مضت سنوات طويلة على إقرار سياسة "الفوضى الخلاقة أو الهلاكة" لمنطقتنا و ما رأينا أي رئيس يوقفها لأن المطلوب أن تعيش شعوبنا في حظائر الاستبداد مفعول بها و ليست فاعلة ، مستوردة و ليست منتجة، متخلفة و ليست متقدمة ، و فاقدة للإرادة مثل العبيد .
الكاتب المقدام
الأحد، 28-02-2021 02:30 ص
*** المعارضة السياسية هي جزء من النظام القائم ومعترفة بشرعيته، وجل ما تأمل فيه وتسعى إليه هو إحداث تغييرات محدودة غير جوهرية من الداخل، بتفاهمات مع القوى الحاكمة تمليها توازنات القوى والأوضاع المحلية والخارجية، والمعارضة بذلك تشارك في تجميل وجه النظام المستبد، وإطالة أمد بقاءه واستمراره، بإضفاء طابع ديمقراطي خادع عليه، وفي غالبية الدول العربية ذات الحكومات المستبدة الفاسدة، فهي معارضة مصطنعة وزائقة ومشاركة في تغييب وعي الجماهير لإبقائها صامتة في انتظار تحسن الأوضاع المعيشية التي لا تأتي أبداُ، في حين أن المقاومة الحقيقية تعمل على تغيير النظام المستبد برمته لكونه غير قابل للإصلاح، والقوى الشعبية التي أشعلت ثورات الربيع العربي منذ عقد من الزمان، والمستمرة إلى اليوم، هي قوى مقاومة للحكومات المستبدة، وتعمل على إزاحتها، وليس التصالح معها أو إصلاحها، وقوة تلك المقاومة مستمدة من فساد وفشل الحكومات المستبدة العربية في تحقيق أي تحسن ولو محدود في معيشة الجماهير، كما فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الأمن القومي والاستقلال لشعوبها، انظر حالة السلطة الفلسطينية كمثال، كما أن الصراعات الداخلية بين القوى الطامعة الحاكمة وداعميها ومؤيديها على المال والنفوذ مستمرة، ومثال على ذلك كيف دمر بن سلمان قوة وترابط العائلة الحاكمة، باعتقاله للعشرات من أمراء الأسرة، طمعاُ في الاستيلاء على أموالهم، وانفراداُ بالنفوذ من دونهم، كما أن الكاتب أغفل تقدير عمق نتائج سقوط ترامب، الذي كان كفيل عصابة الثلاثة، بن زايد وبن سلمان والسيسي، وحليفهم الأكبر، ولا يظن أحد بأن بايدن قد جاء للدفاع عن حقوق الشعوب العربية المنهوبة، وليعيد حقوق الإنسان فيها، ولكن سقوط ترامب يفتح الطريق أمام تكشف وانهيار شبكة تهريب الأموال الدولية التي تقاد من الإمارات، التي لجأ إليها ملك اسبانيا السابق لإخفاء ما نهبه من شعبه، وعموماُ فثورات الشعوب العربية مستمرة، لكونها الطريق الوحيد أمام شعوبها، والله أعلم.
اعقلها وتوكل على الله
السبت، 27-02-2021 07:09 م
في ملف خاشقجي طلبنا العدل وتفعيل المحاكم الجنائية الدولية فالارهاب لم يعد أفرادا وعصابات غاضبة بل حكومات ومخابرات كذلك نطالب بالحياد حيال أي تحرك شعبي للتحرر من الداخل والخارج... هؤلاء الحكام مجاراتهم لن تفيد بأي شيء ولو بعد قرنين من الزمن