كتاب عربي 21

ما وراء أحداث جامعة بوغازيتشي؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
تتناول كثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية الأحداث التي تشهدها جامعة بوغازيتشي في إسطنبول بعبارات مشابهة، مثل "تظاهر طلاب جامعة بوغازيتشي احتجاجا على تعيين رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الأكاديمي المقرب من حزب العدالة والتنمية، رئيسا للجامعة"، و"يطالب طلاب جامعة بوغازيتشي بانتخاب رئيس للجامعة بدلا من التعيين".

السامع لمثل هذه العبارات في تقارير وسائل الإعلام يعتقد أن طلاب الجامعة يرفضون فرض رئيس عليهم، ويطالبون بحقوقهم الديمقراطية في مظاهرات سلمية، ويخيل له أن المشهد في جامعة بوغازيتشي كمشاهد الشعوب التي خرجت ضد الدكتاتوريين للمطالبة بالديمقراطية. ولكن هل هو فعلا كذلك؟ دعونا ننظر عن قرب إلى الأحداث ومدى دقة ما ورد في تلك التقارير من مصطلحات وعبارات.
السامع لمثل هذه العبارات في تقارير وسائل الإعلام يعتقد أن طلاب الجامعة يرفضون فرض رئيس عليهم، ويطالبون بحقوقهم الديمقراطية في مظاهرات سلمية، ويخيل له أن المشهد في جامعة بوغازيتشي كمشاهد الشعوب التي خرجت ضد الدكتاتوريين للمطالبة بالديمقراطية

جامعة بوغازيتشي يدرس فيها آلاف الطلاب في كليات ومراحل مختلفة، ولم يشارك في المظاهرات إلا عشرات منهم، كما أن معظم المتظاهرين من طلاب جامعات أخرى، بل إن بعضهم ليسوا بطلاب. وفي هذه الحالة، هل يصح التعميم ليقال إن "طلاب جامعة بوغازيتشي يحتجون على تعيين رئيس جديد للجامعة"، وكأنهم الأغلبية أو يمثلون جميع الطلاب؟

جامعة بوغازيتشي إحدى الجامعات الحكومية، وتم تعيين رئيس لها وفقا للقوانين بذات الطريقة التي تم بها تعيين رؤساء للجامعات الأخرى. وقد يرى البعض أن انتخاب رئيس للجامعة، كما يطالب به المحتجون، أفضل وأكثر ديمقراطية، ولكن الأمر ليس كذلك بالضبط، وإن لكل طريقة عيوبها.

تركيا سبق أن جربت انتخاب رؤساء الجامعات، ولا يظن القارئ أن الرؤساء كان يتم انتخابهم من قبل الطلاب، بل كان ينتخبهم كبار أعضاء هيئة التدريس، وحتى الصغار من الأكاديميين لم يكن لهم حق التصويت. وهذا ما حوَّل الجامعات إلى "مزارع الرؤساء" أو "مناطق محررة لبعض الأيديولوجيات"، لأن كافة العاملين في الجامعة يوظفهم رئيس الجامعة، ثم هم ينتخبونه. ومن المؤكد أن هذه الطريقة لا تمت للديمقراطية بصلة.

البروفيسور مليح بولو يحمل كافة المؤهلات لتولي رئاسة الجامعة والقيام بمهامه على أكمل وجه. ويقول المعترضون على تعيينه إنه مقرب من حزب العدالة والتنمية، وتقدم في انتخابات 2015 البرلمانية ليكون أحد مرشحيه، إلا أن حزب العدالة والتنمية لم يرشحه في تلك الانتخابات. ويجيب بولو بأنه لم يكن بعيدا عن الساحة السياسية منذ شبابه، ومارس السياسة في البداية في صفوف حزب الشعب الجمهوري، ثم انتقل إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي. وحتى لو كان إسلاميا منذ شبابه ومارس السياسة في أحزاب مثل حزب الرفاه، فلا يمنع ذلك من توليه لرئاسة الجامعة، علما أن كافة رؤساء الجامعات مقربون إما من هذا الحزب أو من ذاك، وأن الجامعات التركية سبق أن تولى الرئاسة فيها أكاديميون من أعضاء حزب الشعب الجمهوري، ولم يسمع آنذاك أي اعتراض من الأطراف التي يعترض اليوم على تعيين بولو. وهل يحل تولي رئاسة الجامعة للمقربين من حزب الشعب الجمهوري ويحرم على المقربين من حزب العدالة والتنمية؟
الاحتجاج على تعيين بولو رئيسا لجامعة بوغازيتشي يبدو مجرد ذريعة لتحقيق أهداف أخرى، كما كان الاحتجاج على قطع عدد من أشجار غزي باركي في صيف 2013 ذريعة لإحداث الفوضى وأعمال الشغب

المتابع لأحداث جامعة بوغازيتشي عن كثب يرى بكل وضوح أن الموضوع أبعد من الاحتجاج على تعيين رئيس الجامعة والمطالبة باختياره عن طريق الانتخابات على غرار انتخاب الرؤساء السابقين. وأعلن المحتجون أنهم يطالبون باستقالة بولو أو إقالته، كما يطالبون بإغلاق مجلس التعليم العالي الذي يشرف على الجامعات، بالإضافة إلى إطلاق سراح رؤساء البلديات الذين تم اعتقالهم بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني. كما يصفون قوات الأمن التركية بــ"القاتل"، ويطلقون هتافات ترفعها التنظيمات الإرهابية التي تدعو إلى العنف، مثل: "اضرب أنت في الجبال، ولنضرب نحن في المدن"، في إشارة إلى التضامن وتبادل الأدوار مع عناصر التنظيمات الإرهابية التي تقاتل القوات التركية في الجبال والأرياف. بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ليسيئوا إلى الكعبة المشرفة، ويثبتوا أنهم شرذمة تعادي قيم الشعب التركي المسلم وتحاول الاصطياد في الماء العكر.

الاحتجاج على تعيين بولو رئيسا لجامعة بوغازيتشي يبدو مجرد ذريعة لتحقيق أهداف أخرى، كما كان الاحتجاج على قطع عدد من أشجار غزي باركي في صيف 2013 ذريعة لإحداث الفوضى وأعمال الشغب. وإن كانت إسطنبول تشهد هذه الأيام محاولة لعرض سيناريو مشابه يقوم بأدواره طلاب ينتمون إلى تنظيمات إرهابية ويسارية متطرفة، فإن تركيا لن تسمح بتكرار تلك الأحداث ولن تلدغ من ذات الجحر مرتين.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (2)
بيتر
الخميس، 11-02-2021 11:01 ص
التوظيف بصفة عامة في كل الوظائف. يجب أن لا يقتصر على تعيين شخص ما في مكان ما للامضاء أو تسيير أمور الادارة بشكل روتيني. لكن الموظف في وقتنا الحالي يجب أن يكون فاعلا ومبدعا ويتمتع بالصدق والأمانة والاخلاص حتى يمكن أن تسير كل الأمور على أحسن مايرام. فما بالك بتربية نشأ صالح قادر على تحمل المسؤولية في المستقبل...
سليمان كرال اوغلو
الأربعاء، 10-02-2021 05:43 م
ليس من حق طلبة أية جامعة أن يقوموا بإملاء طريقة تعيين رئيس جامعتهم و لا يمكن أن يقبل عقلاء من طلبة يتعلمون أن يقوموا بتعليم كبار السن من ذوي الخبرة كيفية إدارة جامعة . صحيح أن بعض جامعات العالم فيها انتخاب لرئيس الجامعة من العاملين سواء كانوا أكاديميين أو إداريين ، و لكن هذه الطريقة عليها تساؤلات كثيرة مثل : هل يقوم جميع العاملين بالانتخاب أم جزء منهم ؟ و لو فرضنا أن العاملين القدامى هم فقط من ينتخبون فعلى أي أساس يكون تحديد الأقدمين ؟ هل مسموح مثلاً أن يكون لموظفي الخدمات في الجامعة إمكانية الاشتراك بالانتخاب أم لا ؟ هل تقوم السكرتيرات بالانتخاب أم لا ؟ . إذا أجيبت هذه التساؤلات بالعقل و بالمنطق ، فالانتخاب يفتح باب فساد كبير ، حيث سيقوم رئيس الجامعة باستمالة العاملين بالترقيات و المكافآت و الإجازات الغير عادلة ليضمن فرصة نجاح ثانية لنفسه أو لمن يريده أن يكون رئيساً بعده مع إمكانية أن يسيطر على من بعده بما يجعل الجديد رئيس جامعة صورياً و ليس فعلياً . عشت في أوروبا سنوات طويلة ، و رأيت أن رئيس الجامعة يتم اختياره من خارج الجامعة إما من رأس الدولة أو بتنسيق ما بين وزارة التعليم العالي و رأس الدولة أو رئيس الوزراء . الشرطان الأساسيان في تعيين رئيس جامعة هناك أولاً القوة أو الكفاءة لهذا المنصب و ثانياً الأمانة في أداء العمل . أنا أعتقد أن مظاهرات جامعة بوغازيتشي مفتعلة من جهات لا تريد الخير لتركيا و تريد عرقلة صعود تركيا و إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في تركيا . هذه الأهداف الشريرة هي سياسية بحتة ، و على الطلبة أن يدركوا أن هنالك من يستغلهم ضد بلدهم بل و ضد أنفسهم لأن وقتهم الثمين في الدراسة و القراءة سيضيع لخدمة أجندات معادية .