هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار تصاعد التوتر بين دولتي السودان وإثيوبيا منبع ومصب أهم الروافد الدائمة لنهر النيل، المخاوف من تحول الحشود والمناوشات العسكرية على حدود الجارتين الأفريقيتين إلى جانب التصريحات المتبادلة من المسؤولين العسكريين بالبلدين، إلى مواجهات مسلحة أو حرب معلنة.
ورغم صمت الجانب المصري المراقب للموقف، إلا أن السفير الإثيوبي لدى الإمارات سليمون ديدفو، اتهم مصر الجمعة، بالتدخل في الأزمة بين بلاده والسودان، وزعم أن القاهرة تقف مع الخرطوم، وتشن حرب بالوكالة على إثيوبيا.
— Suleiman Dedefo, Amb (@SuleimanDedefo) January 15, 2021
وفي هذه الأثناء وصل وفد سوداني رفيع، الخميس الماضي، إلى القاهرة، لإجراء مباحثات مع رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، ووزير الخارجية سامح شكري، تزامنا مع تصاعد الأزمة بين الخرطوم وأديس أبابا، على خلفية التوترات الحدودية من جهة وفشل مفاوضات سد النهضة من جهة أخرى.
من جانبه، زار رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ولاية القضارف على الحدود الإثيوبية، الخميس الماضي، مؤكدا "قدرة جيش بلاده على حماية الأرض"، ومهددا "مليشيات إثيوبية بالانتقام" بعد مقتل سودانيين.
ملامح التوتر بدأت في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2020؛ ووسط تهديدات وتراشق للتصريحات المتبادلة والمستمرة، أعلن السودان إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة للحدود مع إثيوبيا، لـ"استعادة أراضيه المغتصبة من مليشيات إثيوبية" في "الفشقة"، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا).
اقرأ أيضا: البرهان: لا نريد إشعال الحرب مع إثيوبيا.. نرغب بحفظ حقوقنا
هذا التحرك جاء إثر اندلاع مواجهات مسلحة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وقوات "الجبهة الشعبية لتحرير إقليم تغراي" الحدودي، مع السودان.
ودفعت إثيوبيا بحشود عسكرية كبيرة وتعزيزات على الشريط الحدودي مع السودان، في حين لا تزال قوات الجيش السوداني تحافظ على خريطة انتشارها العسكري داخل أراضيها، مع تواجد كثيف في المناطق التي استعادتها في الفترة الماضية، وفق وكالة الأناضول.
وفي 6 كانون الثاني/ يناير 2021، اتهمت أديس أبابا الخرطوم بـ"انتهاك الاتفاق الموقع بين البلدين عام 1972 بشأن القضايا الحدودية، وذلك بغزو الأراضي الإثيوبية".
وفي خضم هذا التوتر المتصاعد، والمتزامن مع إعلان الخرطوم والقاهرة فشل جولة المفاوضات حول سد النهضة الاثنين الماضي؛ يثار التساؤل حول إمكانية أن تستفيد القاهرة من هذا الصراع وتقوم بدور لحل الأزمة يحرج أديس أبابا التي تتهم مصر بإشعال الأزمة ويدفعها لحلحلة أزمة سد النهضة، ويدفع بالسودان للتقارب مع مصر، ويعيد للقاهرة دورها الإقليمي والأفريقي.
"عزلها التطبيع"
وحول إمكانية استغلال مصر هذا الصراع لصالحها، يقول المؤرخ والأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي: "من المفروض أن يؤدي هذا الصراع إلى اقتراب السودان من مصر للتوحد من أجل التوصل إلى حل لأزمة سد النهضة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يضيف: "لكن قيام السودان بالتطبيع مع إسرائيل يعزلها عن مصر لصالح المشروع الصهيوني-الأمريكي في المنطقة ألا وهو التفكيك".
ويوضح أنه برغم أن هذا الصراع يعد فرصة لمصر لكي تستعيد السودان بالوقوف إلى جوارها ودعمها في الأزمة، وغياب مصر عن الأزمة يعد تقليلا من شأنها ودورها الأفريقي إلا أن "إغراءات الصهيونية وأوراقها يساعد أكثر على إبعاد السودان عن مصر".
وفي رؤيته لأبعاد الأزمة يقول الباحث والمحلل السياسي محمد حامد، إن "العلاقات المصرية الإثيوبية تمر بتوتر كبير منذ فترة، والقاهرة تريد ألا يتم الملء الثاني من قبل أديس أبابا لحوض سد النهضة هي والخرطوم رغما عنهما".
حامد الذي يدير منتدى شرق المتوسط للدراسات، يؤكد في حديثه لـ"عربي21" أن "افتعال الصراع بين إثيوبيا والسودان يوتر الأزمة في الإقليم خاصة؛ وأن القرن الأفريقي غير مستقر".
ويعتقد أن "القاهرة تنأى بنفسها عن تلك الأزمة"، ويشير إلى أن "الخارجية المصرية لم تخرج بأي تصريح في مثل هذا الأمر، وهذا الملف بشكل خاص"، موضحا أنه "برغم أن القاهرة تنأى بنفسها عن الأزمة، فإنها تدعم حق السودان السيادي في السيطرة على كل أراضيه؛ والخريطة الدولية الموجودة للسودان لدى الأمم المتحدة تثبت أن هذه الأراضي ملك للسودان، ومصر مع القانون الدولي الذي يثبت أن هذه الأراضي ملك للسودان".
"دعوات لدور مصري"
مراقبون مصريون يرون أنه يمكن لمصر الاستفادة من الأزمة وأن تحاول تحقيق نقاط في ملف سد النهضة وأيضا استمالة السودان أكثر إلى جانبها، محذرين من أن تقود الاتهامات الإثيوبية لمصر إلى تعقيد الموقف.
وزير الري المصري الأسبق نصر علام، قال عبر فيسبوك: "إثيوبيا مستمرة في محاولاتها للايقاع بين مصر والسودان، ومع تفاقم مشاكلها الحدودية مع السودان، فهي تحاول الإيهام بأن مصر توجه السودان فى هذا النزاع".
السفير معصوم مرزوق، تبنى عبر صفحته بـ"فيسبوك"، دعوة لعمل قنوات دبلوماسية تقودها مصر الآن، لقيادة مساعي حميدة بين السودان وإثيوبيا، وذلك تأكيدا على أهمية دور مصر في تبريد الأزمة، ووضع أسس قانونية وسياسية لتفكيك الأزمة، ودعوة الطرفين إلى مؤتمر في القاهرة، لوقف التصعيد.