قضايا وآراء

منطقة القرن الأفريقي.. وصراع الإرادات للقوى الدولية والإقليمية

إدريس جميل
1300x600
1300x600
ما هي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، وتأثيرها في سيرورة منطقة القرن الأفريقي؟ وكيف كانت جاذبة لنفوذ القوى الدولية والإقليمية فيها على مر العصور؟

منطقة القرن الأفريقي تشمل جغرافياً الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا، وسياسياً تضم إضافة إلى الدول المذكورة؛ السودان وجنوب السودان وكينيا وأوغندا، للتداخل بينهم في جوانب عديدة. وتعريفها استراتيجياً أوسع من التعريفين السابقين ليشمل دول البحيرات العظمى واليمن والسعودية ومصر وليبيا، تأثراً وتأثيراً بما يجري في منطقة القرن الأفريقي، بحكم التقارب الجغرافي والتداخل الثقافي والعرقي والتواصل السكاني. ويتضح من التعدد والاختلافات في التعريف أن الدلالات السياسية تتعدى الحدود الجغرافية في هذه المنطقة، للأهمية الاستراتيجية التي تتميز بها هذه المنطقة، وبناء عليه نجد أغلب الدول الكبرى تربط منطقة القرن الأفريقي وتلك المناطق باستراتيجية موحدة.

والعوامل التي جعلت منطقة القرن الأفريقي منطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى للقوى الدولية والإقليمية عبر التاريخ يمكن إرجاعها على التالي:
يتضح من التعدد والاختلافات في التعريف أن الدلالات السياسية تتعدى الحدود الجغرافية في هذه المنطقة، للأهمية الاستراتيجية التي تتميز بها هذه المنطقة، وبناء عليه نجد أغلب الدول الكبرى تربط منطقة القرن الأفريقي وتلك المناطق باستراتيجية موحدة

أولا- الموقع الاستراتيجي للقرن الأفريقي يكمن في سيطرته من الشرق على البحر الأحمر، ومن الجنوب الشرقي على المحيط الهندي، ومن الغرب على النيل ومنابعه، والإشراف على خليج عدن وعلى مضيق باب المندب الذي يربط القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا، أوروبا) بأقصر طرق الملاحة، ويعبر بها أكثر من 30 في المئة من التجارة الدولية. وتعد هذه المنطقة أيضا ممراً مائياً مهما للتحركات العسكرية وقطعها البحرية من مراكزها الأصلية ومناطق انتشارها في أجزاء مختلفة من العالم، ولذا تهتم بها القوى الدولية والإقليمية باستمرار دون استثناء.

ثانيا- القرب المكافئ من مناطق إنتاج البترول في الخليج العربي ودول شرقي أفريقيا، وطرق ملاحتها إلى الدول الصناعية، الأمر الذي أكسبها ويكسبها أهمية جيو- اقتصادية بجانب الجيو-سياسية لدى القوى الدولية والإقليمية وفي سياق من يتحكم في هذه المنطقة فإنه ستكون له السيطرة في خنق الملاحة في أحد أهمّ ممر مائي في العالم.

والأهمية الأخرى لهذه المنطقة تكمن في العامل الاقتصادي لوفرة الموارد الطبيعية، من أراض زراعية شاسعة ومخزون مائي كبير. فعلى سبيل المثال، إنّ الهضبة الإثيوبية ترفد النيل بما يعادل 85 في المئة من موارده المائية، ويُعتقد بوجود احتياطات كبيرة من البترول والغاز والبوتاسيوم ومصادر الطاقة الأخرى، ومعادن نفيسة في المنطقة، وما يحويه البحر الأحمر من الثروة المعدنية والسمكية والتي لم تستغل حتى الآن على الوجه الأمثل. كما أنّ المنطقة تعتبر سوقا اقتصاديا واعدا لضخامة عدد سكانها، مع جود موانئ كثيرة في المنطقة يمكن النفاذ عبرها إلى الأسواق الكبيرة، وفي نفس الوقت قد تكون موانئ منافسة أو مساعدة لموانئ كبرى في الإقليم. وهذا إضافة كون هذه المنطقة ملاصقة لمنطقة البحيرات العظمى التي تتمتع بموارد مائية وطبيعية هائلة. كل هذه الأمور وغيرها مجتمعة تعطي المنطقة أهمية جيو- اقتصادية لا تقل أهمية عن الجوانب الجيو- سياسية والأمنية فيها.

ثالثا- إن طبيعة وخصائص المنافذ في البحر الأحمر يسهل التحكم فيها بقوة بحرية محدودة سواءً في الجنوب أو الشمال، وذلك لصغرها وكثرة الجزر غير المأهولة قربها. وعلى الرغم أنّ كل من إريتريا وجيبوتي واليمن تسيطر على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، إلا أن إريتريا وجيبوتي لهما النصيب الأوفر أكثر من اليمن في إمكانية التأثير على هذا المضيق من المدخل الجنوبي، وذلك من خلال الساحل والبر الأفريقي الذي له تحكم جيد وتأثير ضاغط على الممر الرئيسي في باب المندب، بينما الممر المقابل في الاتجاه اليمني ضحل وضيق لوجود جزيرة ميون (بريم) اليمنية فيه.

رابعا- إنّ هذه المنطقة أيضا لها أهمية حضارية لتلاقي الحضارتين المسيحية والإسلامية فيها، مع تقارب أوزان القوة بينهما. وإن دخول المسيحية والإسلام إلى منطقة الحبشة كان عبر الإقناع والاقتناع لا عبر الغزوات والفتوحات، وهذه الحالة تركت منطقة القرن الأفريقي عبر التاريخ في تدافع مستمر بين الحضارتين دون أن تكون السيطرة لإحداهما على الأخرى.

بعبارة أخرى، وقعت هذه المنطقة في المنطقة الفاصلة بين الحزام المسيحي والإسلامي الذي يمتد من شرق أفريقيا مرورا بمنطقة القرن الأفريقي وانتهاء بأواسط السودان وتشاد، الأمر الذي جعل هذه المنطقة تحت مراقبة مستمرة من القوى الدولية والإقليمية، وذلك إذا ما قوي هذا الحزام سيقود إلى انتشار الإسلام في معاقل المسيحية على النحو الذي حدث للممالك المسيحية في السودان في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين.
أي قوة تسعى في تغيير تلك المعادلة سوف لن تكون مرحبا بها من قبل القوى الدولية المهيمنة اليوم في العالم، حتى لا تعرقل استراتيجيتها المرسومة لهذه المنطقة

بلا شك ووفق هذا المنظور، فإنّ أي قوة تسعى في تغيير تلك المعادلة سوف لن تكون مرحبا بها من قبل القوى الدولية المهيمنة اليوم في العالم، حتى لا تعرقل استراتيجيتها المرسومة لهذه المنطقة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنّ القرب الشديد لهذه المنطقة من قلب العالم الإسلامي ومقدساته مثل الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، واعتبار هذه المنطقة الحظيرة الخلفية لتلك المقدسات، أصبحت هذه المنطقة تؤثّر وتتأثر عبر التاريخ بالتطوّرات الجارية في قلب العالم الإسلامي، على السبيل المثال لا الحصر الحروب الصليبية في مختلف مراحلها، والصراع العربي- الإسرائيلي، وغيرهما أمثلة كثيرة. كل هذه التعقيدات والتشابكات الدولية والإقليمية تعكس الأهمية الحضارية التي تلعبها هذه المنطقة.

وللاعتبارات السابقة، الاستراتيجية والسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والحضارية، وقعت منطقة القرن الأفريقي من قديم الزمان، ضمن استراتيجيات وتجاذبات القوى الدولية والإقليمية، بدءا من الفرس والروم، ثم البرتغاليين والعثمانيين، وصراع الاستعمار الأوروبي (الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين)، وكقوى إقليمية صراع الدولة الحبشية والمصرية.

كما كانت هذه المنطقة جزءا من تجاذبات المعسكرين الشرقي والغربي أثناء الحرب الباردة، وتخضع في الوقت الحالي لنفوذ القوى الدولية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والصين، وتنافس لإرادات القوى الإقليمية. وهذا يتضح من اكتظاظ هذه المنطقة بقطاعات عسكرية من شتى بقاع العالم، من أمريكا، والصين، واليابان، والألمان، والفرنسيين، والهنود، والإيرانيين، والأتراك، وبعض العرب، والإسرائيليين، وغيرهم، بحجة تأمين سفنهم العابرة في هذه المنطقة من القراصنة، وأقام البعض منهم قواعد عسكرية في المنطقة، مثل الصين واليابان وأمريكا وتركيا والإمارات، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية الفرنسية القديمة.. إلخ، إلى جانب رغبة البعض في إقامة قواعد عسكرية فيها. كل هذه الأمور تعكس الأهمية الاستراتيجية التي تشكلها هذه المنطقة عبر الأزمان للقوى الدولية والإقليمية على السواء.

والعناصر المذكورة أعلاه في غالبها عناصر ثابتة، لكن محددات التعامل معها قد تتغيّر حسب تطوّرات الواقع، وتوجهات العلاقات الدولية وصراع الأقطاب فيها، وتموضع تحالفات القوى الإقليمية والمحلية مع القوى الدولية، وما يحدث في هذه التحالفات من تبدلات من طرف إلى آخر.

[email protected]
التعليقات (3)
ابو صالح
الإثنين، 04-01-2021 06:11 ص
تعليق رسمي متوازن مبني على خلفية سياسية معرفية.وينم على بعد النظر العرفي الذي يتمتع به محببه. فالشركة والتقدير للعربية والمحلل الذي وضع النقاط في فوق الحروف..
باشري
الأحد، 03-01-2021 08:32 م
متابع 00ونرغب في المزيد من الإبداع في التأصيل و التحليل وأتمنى لكم التوفيق والسداد 0
Ahmed
الأحد، 03-01-2021 06:43 م
مقال رائع، لكن الغريب أن البلدان العربية المجازر. زاهدة فمنا يتصارع عليه غيرهم ، هل هذا لصراعهم الداخلي مع شعوبهم ام لغنى بلدانهم. حتى انهم ليس لديهم سفنهم الحربية او قواعد تحمي تجارتهم.