صحافة إسرائيلية

هآرتس: بعد عقد من الربيع العربي.. الثورة مستمرة

الانتقال من حكم ديكتاتوري لآخر ديمقراطي يحتاج لتنظيم واستعداد سياسي يترجم الاحتجاج لإطار سياسي ديمقراطي- الأناضول
الانتقال من حكم ديكتاتوري لآخر ديمقراطي يحتاج لتنظيم واستعداد سياسي يترجم الاحتجاج لإطار سياسي ديمقراطي- الأناضول

استبعدت صحيفة "هآرتس" العبرية، نهاية ثورات الشعوب العربية التي انتفضت قبل عقد من الزمن، حيث اندلع "الربيع العربي" في العديد من الدول العربية وساهم في خلع العديد من قادتها. 

وفي تقرير نشرته للكاتب تسفي برئيل، أشارت الصحيفة إلى تصريح سابق للناشط السوري كنان رحماني عن الربيع العربي، قال فيه: "صحيح أننا لم نحقق حتى الآن الحرية، لكننا على الأقل نستطيع أن نحلم بها". 

وفي سياق حديثها عن الربيع العربي، ذكرت أنه "في عدد من الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، قامت ديكتاتوريات أسوأ من التي تم إسقاطها، واعتبر الزعيم المصري عبد الفتاح السيسي ديكتاتورا أسوأ بكثير من حسني مبارك، كما أن بشار الأسد ما زال يحكم سوريا حتى بعد أن قام بقتل مئات الآلاف من المواطنين". 

وفي مقال بعنوان "الانتفاضات العربية لم تنته بعد"، نشر في العدد الأخير لمجلة "فورين بوليسي"، رأى البروفيسور مارك لينتس، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة، أن "وجود أشخاص طغاة يجلسون على كرسي القيادة، لا يدلل على فشل الثورات"، مؤكدا أن "الثورات العربية لم تنته بعد". 
       
موجات ارتدادية 
 

وأوضحت "هآرتس"، أن "مؤشر النجاح أو الفشل لا يمكن اختباره فقط بحسب معايير محلية أو أن يترسخ في فترة زمنية محددة، فالثورات (العربية) لم تبدأ في كانون الأول/ ديسمبر 2010 عندما أحرق محمد بوعزيزي نفسه، كما أن الاشتعال في مصر بدأ قبل وقت طويل من الاحتفال بـ"يوم الشرطي" في 25 كانون الثاني/ يناير 2011، الذي فيه تم تنظيم المظاهرات الكبيرة التي أدت إلى نهاية مبارك". 

ونبهت إلى أن "تطور الثورات، يبدأ بضائقة شديدة، تعم طبقات كثيرة في الدولة، وليست بالضرورة أن تكون ضائقة اقتصادية؛ فالمس الشديد بحقوق الإنسان، وكبح حرية التعبير، وفقدان الثقة بالنظام السياسي وغياب القدرة الحقيقية على استخلاف نظام الحكم بوسائل ديمقراطية، بوجود جهاز قضاء فاسد وسلطة غير مقيدة للشرطة والمخابرات، إضافة إلى ضائقة اقتصادية وفقر، وفجوة عميقة في الفرص بين الأثرياء والعائلات الفقيرة.. كل هذه جمرات تنتظر تحولها إلى نار كبيرة". 


اقرأ أيضا: ما تبقى من الربيع العربي بعد عشر سنوات


وأضافت: "عندما تتحول الضائقة لقاسم مشترك للطبقات الفقيرة الوسطى، تنشأ مجموعة متأزمة ذات كتلة حاسمة، ومن شأن هذه المجموعة أن تعبر بشكل علني عن ضائقتها؛ عبر إضرابات ومظاهرات محدودة وكتابة مقالات ومنشورات وانتقاد ساخر وشعارات غرافيك حادة، تحدد مساحة الاحتجاج وتبدأ في تحديد طلبات الجمهور". 

ولفت إلى أن "هذه الاحتجاجات كانت في عدد من الدول العربية حتى قبل الربيع العربي، ففي مصر كانت عشرات المظاهرات الاحتجاجية طوال سنوات، وسمح مبارك لعدد منها بأن تجرى وسمح لصحف جديدة بأن تباع، لكنه لم يمنحها الرخص، لقد فهم ضغوط الدول الغربية، أما في تونس، فقد وصلت القبضة الحديدية لزين العابدين بن علي إلى أمعاء الحواسيب في المقاهي، التي استخدمها الشباب في الشبكات الاجتماعية، وتم اعتقالهم وسجنهم". 

وتابعت: "الاحتجاجات يمكن في هذه المرحلة أن تنتهي وأن يتم قمعها وتتوقف، ولكن في هذه الدول التي اندلعت فيها الثورات، تحول الاحتجاج إلى تمرد حقيقي، لم تتمكن قوات الأمن وأحيانا لم ترغب في التصادم معه، ولكن عندما يندلع التمرد فهو لا يضمن حدوث ثورة حقيقية - حتى لو تمت الإطاحة بالحاكم - التي ستجسد وتحقق كل طلبات المتظاهرين". 

ورأت الصحيفة، أن "الانتقال من حكم ديكتاتوري لآخر ديمقراطي، يحتاج لتنظيم واستعداد سياسي يترجم الاحتجاج لإطار سياسي ديمقراطي، يحشو الميادين داخل مبنى البرلمان، ويحول الشعارات والمنشورات لبرنامج انتخابي"، منوهة إلى أن الثورات لا تندلع في اليوم الذي تحدده وسائل الإعلام، أو عندما تقع أحداث دراماتيكية، نهايتها تكون عملية طويلة يمكن أن تستمر لسنوات". 

ضريبة كلامية 

 
وذكرت، أن "السؤال الذي يجب فحصه عند حدوث تغييرات سياسية نتيجة لثورة شعبية: هل هذه الثورات خلقت موجات ارتدادية طويلة المدى في الدول التي حدثت فيها؟ وهل يوجد لها أي تأثير يتجاوز الحدود الجغرافية؟"، مضيفة: "في هذا يكمن لب نجاح الثورات وحركات الاحتجاج". 

وأكدت "هآرتس"، أن "الثورات أثبتت أن الجمهور الغاضب يمكنه أن يقلب الأمور رأسا على عقب"، مشيرة إلى أنه في دول الربيع العربي "سارعت الأنظمة الجديدة إلى صياغة مواثيق ودساتير جديدة، على الأقل على الورق، أعطت مكانة لحقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها، وهي الأمور التي حظيت بصفة "مبادئ الثورة" أو "روح الثورة".  

ونبهت إلى أنه "في معظم الحالات، يدور الحديث عن ضريبة كلامية تم سحقها من خلال حملات قمع وحشية للأنظمة"، مؤكدة أن "الموجات الارتدادية للثورات تواصل الضرب". 

وأشارت إلى أن "المظاهرات في الشوارع، التي سحقت في السابق بسرعة من قبل قوات الأمن، أسقطت حكومات في العراق ولبنان والجزائر والسودان والأردن، بعد مرور سنوات على ثورات الربيع العربي". 

وأفادت بأن "ثورات الربيع العربي حطمت رؤية الغرب التقليدية؛ التي بحسبها أنظمة ديكتاتورية قوية هي رهينة للهدوء والاستقرار، وبالأساس لدعم غير محدود للولايات المتحدة وسياستها"، مبينة أن "السلوك الفاسد وسحق حقوق الإنسان والقيود التي تم وضعها على حرية التعبير والإخفاقات الاقتصادية العميقة لها، هي التي أحدثت الثورات". 

ورغم أن "الثورات لم تحقق أهدافها، فيمكن القول، إن الأنظمة الجديدة أو تلك التي اجتازت الثورات لم تنجح في إثبات أن النهج القديم أفضل"، بحسب الصحيفة التي ذكرت أن "الأسد، الناجي الأخير، بعد القتل الجماعي الذي ارتكبه، حبس بلاده في حرب دولية، والسعودية التي اشترت الهدوء الداخلي بمدفوعات ضخمة رفعت للحكم محمد بن سلمان الذي بأفعاله وسياساته قطع العلاقة التاريخية بين المملكة وبين الشعب الأمريكي والكونغرس". 

وأوضحت أن "مشاهد القتل والفوضى في عدد من الدول العربية التي تطورات بعد الثورات، تغرينا بالمقارنة بين الفترة التي كانت قبلها وبين الواقع الحالي، ولكن هذه المقارنة تطمس الحقيقة الأساسية، أن واقع الماضي هو الذي ولد الثورات". 

التعليقات (0)