صحافة دولية

مجلة إسبانية: هل تلحق السعودية بركب دول التطبيع؟

ذكرت المجلة أن السعودية باتت ترى إيران خطرا أكبر من الاحتلال الإسرائيلي عليها- واس
ذكرت المجلة أن السعودية باتت ترى إيران خطرا أكبر من الاحتلال الإسرائيلي عليها- واس

نشرت مجلة "أتالايار" الإسبانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على أسرار العلاقة بين المملكة العربية السعودية والاحتلال الإسرائيلي وحيثياتها..

وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"؛ إن السعودية تمثل جزءا أساسيا من لغز التطبيع الذي يشمل عدة دول عربية، وذلك ليس فقط بسبب مكانتها كقوة إقليمية، وإنما أيضا بسبب الثقل الرمزي الذي يتمتع به العاهل السعودي؛ بصفته خادم الحرمين الشريفين ومناصرا كلاسيكيا للقضية الفلسطينية.

لكن التغيّر في الديناميكيات الإقليمية خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت إيران الآن في نظر عائلة آل سعود وحلفائها تشكل تهديدا رئيسيا للكثير من الأطراف، دفع النظام الحاكم في السعودية إلى تقوية شوكته الدفاعية من خلال تقارب ودي مع الدولة العبرية. فهل تحذو السعودية حذو الدول العربية الأخرى، التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل أم ستحافظ على وضعها الحالي؟ 

أشارت المجلة إلى أن دور السعودية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لطالما كان كلاسيكيّا، يقتصر على الوساطة والجهود الدبلوماسية لحل النزاع سلميا، ورغم دعمها للشعب الفلسطيني، لم ترفض السعودية وجود إسرائيل رفضا مطلقا. إن المعاملات بين إسرائيل والسعودية قائمة علاقة دبلوماسية صامتة وواقعية، عملت الدولتان من خلالها على تعزيز المصالح المشتركة بتكتم وتجنب التصريحات والاجتماعات الرسمية. وبالمثل، لم تكن العلاقات بين السعودية وفلسطين دائما جيدة، حيث عانت أيضا من لحظات توتر أدت إلى تدهور الصداقة في مرحلة ما.

تميزت السنوات الأولى من الصراع بالتوترات الشديدة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وإسرائيل. حتى قبل إنشاء دولة إسرائيل في سنة 1948، بدأ أعضاء جامعة الدول العربية، بما في ذلك السعودية، مقاطعة إسرائيل ومنعها من أي تبادل اقتصادي. من جانبها، رفضت السعودية خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في سنة 1947، ومنعت دخول اليهود إلى البلاد منعا باتا.

من المفارقات أن أولى لحظات التعاون بين السعودية والاحتلال حدثت بعد حرب الأيام الستة في سنة 1967، حيث استولى الأخير على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة وهضبة الجولان والقدس والضفة الغربية. أيدت السعودية رسميا قرار الخرطوم، الذي عبر عن الموقف الرسمي لجامعة الدول العربية، الرافض للتوقيع على السلام والاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها. ولكن في العام نفسه، سمحت إسرائيل لخط الأنابيب العربي "تابلاين"، الذي يمتد من السعودية إلى لبنان عبر هضبة الجولان (التي احتلتها إسرائيل مؤخرا)، بالاستمرار في العمل.

ذكرت المجلة أن حرب الأيام الستة شكلت نقطة تحول في العلاقات بين السعودية وفلسطين، حيث أصبحت القضية الفلسطينية من أولويات الدبلوماسية السعودية. نصّبت المملكة نفسها مدافعا عن ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، بينما أطلقت حملة القوة الناعمة والدبلوماسية الاقتصادية بهدف توزيع عائدات النفط بين فلسطين والدول العربية التي شاركت في الحرب.

استمر الخطاب العدائي تجاه الاحتلال خلال حرب أكتوبر 1973، والحصار المفروض على الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من رفعه في نهاية المطاف دون تلبية الشروط التي فرضتها الدول العربية، مثل انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة.

في سنة 1981، تغيّر دور السعودية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تحولت إلى الوساطة وتقديم مقترحات لحل النزاع سلميا، وذلك من خلال مبادرة السلام السعودية 1981 التي اقترحت انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في سنة 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. ورغم رفض الاحتلال لهذه الخطة، إلا أنها تضمنت اعترافا ضمنيا من جانب آل سعود بدولة إسرائيل.

بعد سنوات قليلة، أدت حرب الخليج إلى توتر العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي - بما في السعودية - وفلسطين، وهو تصدع عميق في العلاقات استغرق رأبه  سنوات. في البداية، كان سبب الأزمة الدعم الذي قدمه ياسر عرفات لصدام حسين بعد الغزو العراقي للكويت، الأمر الذي دفع السعودية إلى إلغاء المساعدات الاقتصادية الموجهة لمنظمة التحرير الفلسطينية وطرد الفلسطينيين المقيمين في المملكة. خلال هذه المرحلة، تلاقت مصالح إسرائيل والسعودية بوجود عدو مشترك في العراق.

سعيا منه لإضعاف هذا التحالف، أطلق صدام حسين سلسلة من الصواريخ على الاحتلال الإسرائيلي أملا في أن ترد بالدخول في الحرب، الأمر الذي كان سيضع الدول العربية المتحالفة معها في موقف حرج وربما يتسبب في انسحابها منه. ولكن بفضل جهود التعاون الدولي، لم تتدخل إسرائيل في الصراع ووعد التحالف، الذي كانت السعودية جزءا منه، بحماية الدولة العبرية من الهجمات العراقية المحتملة.

 

أكدت المجلة أن أهم مبادرة سعودية حتى الآن هي مبادرة السلام العربية لسنة 2002، التي اقترحها ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز. عرضت الوثيقة التطبيع الكامل للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وحماية جميع دول المنطقة، مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة والاعتراف باستقلال الدولة الفلسطينية والقدس عاصمة لها، مع إيجاد "حل عادل" لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين يرغبون في العودة إلى وطنهم.

كانت هذه اللحظة مهمة للغاية؛ لأن جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية أيدت الاقتراح، ما مهّد الطريق أمام بداية الاعتراف الجماعي بإسرائيل، الذي سيكون إيذانا بانتهاء سنوات الحصار التي مثلتها قمة الخرطوم. على الرغم من رفض إسرائيل لهذه المبادرة، إلا أنها تظل اليوم نقطة البداية للخروج السلمي من الصراع.

في حين كشفت حرب الخليج أن خصوما مثل الاحتلال والسعودية يمكن أن تعمل على الجبهة نفسها بوجود عدو مشترك، فإن حرب الاحتلال وحزب الله لسنة 2006، أرست الأساس لما أصبح فيما بعد تحالفا استراتيجيا بين إسرائيل والسعودية ضد إيران.

 

منذ إنشاء دولة الكيان الصهيوني في سنة 1948، شهدت العلاقات بين الدولة العبرية والسعودية تذبذبا اعتمادا على اللحظة التاريخية. كانت السعودية في مناسبات عديدة تنتقد إسرائيل بشدة، إلا أنها من الناحية العملية لم تفعل شيئا يهدد وجودها، واختارت بدلا من ذلك دبلوماسية الوساطة من أجل تحقيق نهاية سلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويرجع ذلك إلى أهمية التحالف مع الولايات المتحدة، الذي ترغب كل من إسرائيل والسعودية في الحفاظ عليه.

تغيرت في السنوات الأخيرة ديناميكيات المنطقة، ويبدو أن المخاوف الجديدة للسعودية والاحتلال، على غرار تنامي طموح إيران الإقليمي، وعدم الاستقرار الذي تسببت فيه الانتفاضات العربية في العديد من الدول، وتقوية الإسلام السياسي وظهور الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة، قد دفعت الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بعيدا عن أجندة السياسة الإقليمية. يبدو أن الوضع الجديد في المنطقة قد أثر على دول المنطقة، التي تتأثر سياساتها بالمصالح البراغماتية عملا بحكمة "عدو عدوي هو صديقي".

لعل هذا النهج الذي اتبعته في الأشهر الأخيرة الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، التي وقّعت - بوساطة الولايات المتحدة - اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فهل ستسير السعودية على نفس خطاها أم أنها ستحافظ على موقفها الحالي، أي الدفاع عن مبادرة السلام العربية كأداة لتحقيق نهاية سلمية للصراع، مع انسحاب القوات والمستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة منذ 1967 والاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس.

أشارت المجلة إلى أنه في السنوات الأخيرة، خاصة منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد في سنة 2017، حدثت العديد من التغييرات الهيكلية التي تهدف إلى تحديث المجتمع السعودي، على غرار "رؤية 2030" والإصلاحات الاجتماعية، ومؤخرا فتحت السعودية مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية القادمة من تل أبيب.

وفقا للعديد من التقارير والمقالات الصحفية، تعاون الاحتلال والسعودية بتكتم بشأن القضايا والمصالح المشتركة بينهما، وبما أن هذا التعاون المزعوم سريّ، فإنه لا يمكن تأكيده أو إنكاره على وجه اليقين. ولكن ما هو مؤكد هو أن كلا الدولتين، بطريقة أو بأخرى، تعملان على تقارب المواقف، حيث يدلي أعضاء كلتا الحكومتين بتصريحات ناعمة بشكل خاص، على غرار المقابلة التي أجراها ولي العهد نفسه مع مجلة "تايم" في سنة 2018، التي اعترف فيها علانية بإسرائيل ومصالح بلاده المشتركة معها، بينما وصف إيران بأنها "سبب المشاكل في الشرق الأوسط".

أوردت المجلة أن العديد من المحللين يتفقون على الأهمية التي يمكن أن يتمتع بها محمد بن سلمان في توقيع اتفاق محتمل لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. على عكس والده، لم يعش ولي العهد عن كثب الصراع العربي الإسرائيلي، الذي أثر على نظرته حول العلاقات السعودية الإسرائيلية. ومن جانبه، يواصل الملك سلمان الدفاع عن مبادرة السلام العربية، حيث عبر عن ذلك في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر من هذا العام.


لطالما كانت السعودية حذرة بشأن تبني تغييرات سياسية رئيسية، قد تفسر جزئيا لماذا لم تكن الدولة الخليجية الأولى التي تطبع العلاقات مع إسرائيل. بينما دعمت اتفاقيات إبراهيم ضمنيا، مثل الإذن بفتح المجال الجوي لإسرائيل، فضّل آل سعود ألا يكونوا أول من يتخذ قرارات حساسة تتعدى عواقبها الحدود الوطنية. لذلك، من بين الأمور التي ستظل مجهولة هو ما إذا كان ممكنا حدوث تطبيع افتراضي للعلاقات مع إسرائيل في أثناء حياة الملك الحالي، أم أنه سيتعين علينا انتظار تولي ابنه مقاليد السلطة.

أشارت المجلة إلى بعض الأحداث التي تنذر بإمكانية حدوث ذلك، أولها سفر جاريد كوشنير - مستشار الرئيس ترامب - في أيلول/ سبتمبر إلى السعودية للقاء ولي العهد، من أجل مناقشة عملية سلام مع قطر واستئناف الحوار بين إسرائيل وفلسطين.

ثانيا، في تشرين الأول/ أكتوبر، أجرى الأمير بندر بن سلطان آل سعود، الرئيس السابق للمخابرات السعودية وسفير المملكة السابق في واشنطن العاصمة، مقابلة تلفزيونية انتقد فيها بشدة ردود الفعل السلبية للقادة الفلسطينيين على اتفاقات التطبيع الموقعة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل. وحسب عدد من المصادر الصحفية، لم يكن الدبلوماسي المخضرم ليصدر مثل هذه التصريحات دون إذن مسبق من الملك أو ولي العهد، مما يشير إلى أنه يمكن أن تكون استراتيجية رسمية "لإعداد الشعب السعودي لاتفاق محتمل مع إسرائيل".

ربما أكثر اللحظات إرباكا على الصعيد الدولي كانت الشهر الماضي، عندما ذكرت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس الوزراء نتنياهو التقى سرّا محمد بن سلمان في السعودية. ومن جهتها، نفت الحكومة السعودية ذلك، وقالت إنه لم يكن هناك سوى اجتماع مع ممثلي الولايات المتحدة.

لن يؤدي التطبيع الافتراضي للعلاقات مع إسرائيل إلى إثارة الجدل في العالم العربي فحسب، بل في العائلة المالكة السعودية أيضا. في الشهر نفسه، شارك الأمير تركي بن فيصل، السفير السابق في واشنطن العاصمة، في منتدى المنامة الأمني، حيث وصف اتفاقيات إبراهيم بجرح مفتوح يتم علاجه بالمسكنات، متهما إسرائيل بأنها "آخر قوة استعمارية للغرب في الشرق الأوسط". وتدل هذه التصريحات على أن الاتفاق افتراضيا مع إسرائيل لن يلقى استحسان الجميع في القيادة السعودية، على الرغم من تأكيدات وزير الخارجية فيصل بن فرحان أن موقف المملكة من الشعب الفلسطيني لم يتغير.

على الصعيد الإقليمي، لم تفوت تركيا وإيران فرصة انتقاد الإمارات والبحرين لـ "خيانتهما" للشعب الفلسطيني، وستواجه السعودية المصير نفسه إذا طبعت العلاقات مع إسرائيل. كما أنه لا يمكن لأحد رد فعل الشعب السعودي. في المقابل، من المهم التركيز على مكانة السعودية في نظر الفلسطينيين. ومن المرجح أن تتكرر التجمعات والاحتجاجات في غزة والضفة الغربية، مثل تلك التي حدثت فور توقيع اتفاقيات إبراهيم.

وأفادت المجلة بأنه من غير المعروف ما إذا كانت السعودية ستطبع العلاقات مع إسرائيل، ومتى ستعلن ذلك، نظرا لأن العلاقة بين الدولتين معقدة وتشوبها العداوة وعدم الثقة. وعلى الرغم من أن الخطاب السعودي كان تقليديا داعما للقضية الفلسطينية، فقد أثير العديد من التساؤلات في السنوات الأخيرة، عما إذا كان التغيير في السيناريو الجيوسياسي للمنطقة سيؤدي إلى تغير أولويات أهم القوى، مثل السعودية أو إسرائيل أو إيران. في حالة حدوث هذا التطبيع، يجب مراقبة التداعيات الداخلية والخارجية على الخليج عن كثب، على عكس إسرائيل التي لديها الوقت، ويبدو أنها ستنتصر في هذه اللعبة.

 

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)

التعليقات (0)