هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع ميدل إيست آي تقريرا للكاتب الإسرائيلي، ميرون رابوبورت، أشار فيه إلى أن العضو المنشق من حزب الليكود، جدعون ساعر، قد يصبح رئيس الوزراء المقبل، عقب الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في آذار/ مارس 2021.
وأشار التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى الانعدام في الاستقرار السياسي في دولة الاحتلال، والناجمة عن عوامل عدة، منها "العجز الديمقراطي"، وعدم تقبل الأقلية الفلسطينية كجزء شرعي من كيانها السياسي.
ولفت إلى أن السبب المباشر في الذهاب إلى انتخابات مبكرة هو حقيقة أن أجزاء ضخمة من الجمهور الإسرائيلي لم تعد ترى شرعية لزعامة نتنياهو، مضيفا أن السلسلة الطويلة من الاحتجاجات ضد نتنياهو، والتي بدأت قبل ستة أشهر، وما زالت مستمرة، عززت من الإحساس بانعدام شرعيته.
وذكرت أن المستفيد الوحيد من سلسلة الأحداث هو جدعون ساعر، الذي استقال من حزب الليكود قبل أسبوعين، وأعلن عن تشكيل حزب خاص به اسمه "الأمل الجديد".
وسلّط تقرير ميدل إيست آي على شخصية ساعر، الذي على الرغم من أنه لم يكن معروفا نسبيا على الساحة الدولية، إلا أنه كان مألوفا جدا في الساحة الداخلية لدولة الاحتلال.
وتاليا نص التقرير كاملا..
كما كان متوقعا، لم يمدد البرلمان الإسرائيلي المهلة الأخيرة للحكومة حتى تتبنى الميزانية القادمة، مما نجم عنه حل نفسه بشكل تلقائي، وبذلك سيتوجه الإسرائيليون بنهاية آذار/ مارس إلى صناديق الاقتراع تارة أخرى في رابع انتخابات تشهدها البلاد خلال أقل من عامين.
يعزى هذا الانعدام في الاستقرار السياسي إلى عوامل عديدة، يأتي على رأسها "العجز الديمقراطي" الذي تعاني منه إسرائيل – أي حقيقة أن البلد غير قادر على تقبل الأقلية الفلسطينية من مواطنيه كجزء شرعي من كيانها السياسي.
يقوم الكيان السياسي الإسرائيلي على أساس عرقي (يهودي) بدلا من أساس المواطنة (الشعب الذي يكون الدولة).
اقرأ أيضا: كيف تؤثر انشقاقات الليكود على نتنياهو في الانتخابات المقبلة؟
وهذا هو السبب الرئيسي في أنه عندما عجز المعسكر اليميني بقيادة رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو في الحصول على أغلبية في الجولات الانتخابية الثلاث التي جرت بين نيسان/ أبريل 2019 وأذار/ مارس 2020، لم يتمكن المعسكر المقابل من تشكيل حكومة.
وهذا يمكن أن يعادله في المشهد الأمريكي، مثلا، أن يخسر دونالد ترامب ولكن يخفق جو بايدن في أن يُنتخب، وهذا قبل حتى أن نبدأ بالحديث عن الفلسطينيين الذين يعيشون رهن الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن السبب المباشر في الذهاب إلى انتخابات مبكرة هو حقيقة أن أجزاء ضخمة من الجمهور الإسرائيلي لم تعد ترى شرعية لزعامة نتنياهو. فالتهم الموجهة له عامل رئيسي، هذا بالإضافة إلى ما يشنه من هجمات شاملة على المؤسسات الحكومية وإدارته المشوبة بكثير من المشاكل لأزمة كوفيد-19.
ولقد عزز الإحساس بانعدام شرعيته تلك السلسلة الطويلة من الاحتجاجات ضده والتي بدأت قبل ستة شهور وماتزال مستمرة، ولولا تلك الاحتجاجات لربما تمكن حزب أزرق وأبيض بزعامة بيني غانتز، بشكل أو بآخر، من الاستمرار في دعم نتنياهو على الرغم من تعرض الحزب مرارا وتكرارا للامتهان على يد رئيس الوزراء.
قلصت هذه السلسلة من الاحتجاجات حيز المناورة المتاح أمام وزير الدفاع وأدت أخيرا إلى سقوط الحكومة.
ومع ذلك، إذا كنا لنصدق نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، فسوف لن يكسب يسار الوسط شيئا من فشل نتنياهو في الحفاظ على تماسك الحكومة، وبدلا من ذلك يتوقع أن تحصل الأحزاب اليمينية أو المنتسبة إلى اليمين على ما يتراوح بين خمسة وسبعين وثمانين مقعدا من أصل 120 مقعدا داخل البرلمان الإسرائيلي، وسيكون ذلك إنجازا غير مسبوق.
وسيكون المستفيد الوحيد من سلسلة الأحداث هذه هو جدعون ساعر، عضو البرلمان عن حزب الليكود الذي استقال من الحزب قبل أسبوعين وأعلن عن تشكيل حزب خاص به اسمه "الأمل الجديد".
على الرغم مما كان معروفا لدى الجميع من وجود حقد وضغينة بين ساعر ونتنياهو، إلا أن خروجه من الليكود وتعهده على الملأ بأنه لن يشارك في حكومة يترأسها نتنياهو لم يكن أمرا متوقعا. تمنح استطلاعات الرأي الأخيرة حزبه 19 مقعدا محتملا، وهذا يعني أنه فيما لو التزم سعار بما تعهد به من عدم الانضمام إلى حكومة يترأسها نتنياهو، فسوف تصبح فرص الأخير في تشكيل حكومة جديدة ضئيلة جدا.
سياسة متشددة
بالرغم من أنه شخصية غير معروفة نسبيا على الساحة الدولية إلا أن ساعر شخصية مألوفة جدا داخل الساحة السياسية المحلية في إسرائيل، مع أنه لم يتجاوز الرابعة والخمسين من عمره.
بلغ ساعر سن الرشد في "تحيا" (الإحياء)، وهو حزب يميني متطرف خرج من رحم معارضة انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء بموجب اتفاق السلام الذي وقعته حكومة مناحيم بيغن مع الرئيس المصري أنور السادات في عام 1979.
اقرأ أيضا: انشقاق جديد في "الليكود".. وبينيت يتطلع لرئاسة الحكومة
فيما بعد أصبح ساعر مراسلا سياسيا، وكان تقريبا الصحفي اليميني الوحيد الذي يعمل في صحيفة ذات ميول يسارية، ثم انضم إلى دائرة المدعي العام كمتدرب قبل أن يدخل الحلبة السياسية بشكل مباشر. عينه نتنياهو أثناء فترته الأولى كرئيس للوزراء في عام 1999 في منصب سكرتير الحكومة، وهو منصب يتمتع صاحبه بصلاحيات كبيرة في إدارة شؤون الحكومة اليومية.
ثم عينه شارون في نفس المنصب عندما عاد حزب الليكود إلى الحكم في عام 2001. انتخب ساعر للمرة الأولى عضوا في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، في عام 2003، وبعد أن عاد نتنياهو إلى السلطة في عام 2009 عين سعار في منصبين مهمين في الحكومة التي شكلها من بعد – وزير التعليم ووزير الداخلية.
عرف عن ساعر طوال عمله السياسي انتماؤه إلى تيار اليمين ضمن حزب الليكود.
وعندما أعلن شارون خطة الانسحاب التي قصد منها إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة في عام 2005، كان ساعر يقود المعارضين للخطة وصوت ضدها في الكنيست.
وبعد أن أقر نتنياهو للمرة الأولى باحتمال قيام دولة فلسطينية، وذلك في خطابه الذي ألقاه في بار إيلان في عام 2009، انتقده ساعر مباشرة. واستمراراً في نفس النهج، عارض ساعر خطة ترامب المعروفة باسم صفقة القرن لأنها تحدثت عن إقامة دولة فلسطينية، وإن كان ذلك من المفترض أن يتم في ظروف مقيدة جدا ومن دون تواصل بين أطرافها أو تمتع بالسيطرة على حدودها الخارجية.
وعندما كان وزيرا للتربية، أطلق ساعر مبادرة لإرسال طلبة الثانوية في المدارس الحكومية العلمانية في جولات إلى مدينة الخليل في الضفة الغربية، حيث أقام الإسرائيليون بؤرا استيطانية غير قانونية تحت حماية مشددة من الجيش الإسرائيلي.
كما قاد الحملة المطالبة بالاعتراف بكلية آرييل كجامعة رغم وجودها داخل مستوطنة في القلب من الضفة الغربية، ولم يرعو حتى عندما عارض مجلس التعليم الأعلى في إسرائيل تلك الخطوة خشية من التداعيات السياسية التي قد تنجم عن إضفاء شرعية رسمية على جامعة توجد داخل المناطق المحتلة، وخاصة أن مؤهلاتها الأكاديمية كانت دون المستوى.
وضمن عمله في وزارة الداخلية انتهج ساعر سياسة متشددة في التعامل مع طالبي اللجوء السياسي من أفريقيا، وكان من نتائج ذلك احتجاز الآلاف من المهاجرين في معسكر اعتقال معزول أقيم خصيصا لهذا الغرب في جنوب البلاد.
وبعد أن حكمت المحكمة العليا مرتين بإبطال القانون الذي يسمح باحتجاز طالبي اللجوء بدون محاكمة، باعتبار ذلك انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية، دفع ساعر باتجاه استصدار تشريع جديد يسمح للبرلمان بالتغاضي عن قرارات المحكمة العليا.
يميني نمطي
من المبادئ الأساسية للحزب الجديد الذي أسسه ساعر إصلاح القضاء، وهي عبارة يقصد منها تقليص صلاحيات القضاة وتعزيز سلطة السياسيين، كما أن من مبادئه التي يعمل على تحقيقها "تكريس الحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب اليهودي في إسرائيل" وتشجيع الاستيطان في الضفة الغربية.
بمعنى آخر، بينما غير نتنياهو مواقفه المرة تلو الأخرى، ظل ساعر يمينيا نمطيا لم يغير ولم يبدل.
ورغم ما يعرف عنه من تشدد، إلا أن ساعر يحظى بدعم الناخبين من المركز وحتى من اليسار اليهودي حيث غدا نتنياهو منبوذاً.
تكشف استطلاعات الرأي عن أن نصف ناخبيه على الأقل دعموا من قبل حزب أزرق وأبيض أو أحزاب يسار الوسط. أضف إلى ذلك أنه يعيش في تل أبيب التي طالما كانت معقل يسار الوسط، بينما يعيش نتنياهو في القدس الأقرب إلى تيار اليمين، كما يتمتع ساعر بعلاقات ممتازة مع الطبقة العليا من الصحفيين، بينما تشوب علاقات نتنياهو بوسائل الإعلام الكثير من المشاكل.
ولكن ليست هذه كل الحكاية. فبينما كان نتنياهو في السنوات الأخيرة يشن هجوما لاذعا على "الدولة العميقة" في نمط يحاكي من خلاله سلوك ترامب، حرص ساعر باستمرار على المحافظة على كرامة مؤسسات الحكومة بل وانتقد هجمات نتنياهو على القضاء. فهو يقدم نفسه على أنه ديمقراطي محافظ، على نهج الحزب الجمهوري الأمريكي ما قبل مجيء ترامب وليس على النمط الهائج الذي عرف به الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته.
وحتى عندما يهاجم اليسار، يحافظ ساعر على لغة أكثر اعتدالا بكثير من لغة التحريض التي تصدر عن نتنياهو. لن تسمع ساعر يصم المحتجين في القدس بأنهم "ناشرو الوباء" أو يحذر من "قطعان" المواطنين الفلسطينيين الذين "يغرقون قاعات الاقتراع التي يفدون إليها بحافلات مكتظة". بعد جنون نتنياهو، يمثل ساعر نوعاً من العودة إلى ما هو اعتيادي وطبيعي.
إلا أن ثمة تحذيرات من كثيرين في اليسار الراديكالي بخصوص صورة ساعر المعتدلة، فهم يدعون أنها صورة مخادعة، وأنه بمجرد أن يصل إلى السلطة فسوف يكون أسوأ من نتنياهو، ليس فقط بشأن مسائل تتعلق بالاحتلال والضم، ولكن أيضاً بخصوص مسألة سيادة القانون.
ويقولون بينما كان نتنياهو يتردد في شن مواجهات عسكرية كبيرة فإن سياسات ساعر ستكون أكثر عنفاً. ويحذر منتسبو اليسار بأننا حينها قد نشعر بالحنين إلى أيام نتنياهو.
ولكننا لن نعرف مدى صدقية هذه التحذيرات إلا إذا تمكن ساعر من تشكيل حكومة، ولكن حتى حينذاك قد تفضي الأمور إلى غير ما يحذرون منه.
إذا ما حافظ على وعده بعدم الانضمام إلى حكومة يرأسها نتنياهو (ولقد أثبت حتى هذه اللحظة أنه نسبيا موضع ثقة بالنسبة لكونه سياسيا)، فسيكون الخيار الوحيد أمامه لتشكيل إدارة هو الدخول في ائتلاف مع أحزاب يسار الوسط، والتي قد يكون من بينها حتى حزب ميريتز الممثل لليسار اليهودي الراديكالي.
وحينها ستكون حريته في العمل محدودة على النقيض مما كانت عليه حال حكومة نتنياهو قبل انتخابات عام 2019، والتي ضمت فقط أحزاباً يمينية وتبنت قانون الدولة القومية وغير ذلك من التشريعات التي ميزت بوضوح ضد الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل أو داخل الأراضي المحتلة.
تغير إيجابي؟
ولكن حتى لو تمسك ساعر بصرامة بمواقفه اليمينية، لربما نشهد تغيرا إيجابيا واحدا، مقارنة بما كان عليه الحال مع نتنياهو.
نتنياهو شخص مراوغ أيديولوجيا – فاليوم تراه يروج للضم، وغدا سوف تجده يقبل على السلام مع الشرق الأوسط بأسره، واليوم تسمع له خطابا يلقيه في بار إيلان، وغدا ستسمعه يتعهد بأنه طالما ظل في الحكم فلن تقوم قائمة للدولة الفلسطينية، واليوم تراه يحرض على القطاع الحكومي "الشره" وغداً سوف ينبري لتوزيع هبات من أموال الحكومة كهدايا في زمن الكورونا.
وهذا كله يجعل من العسير الدخول في نقاش أيديولوجي مع نتنياهو، فهو يحول كل جدل معه إلى قضية شخصية، فإذا ما اختلفت معه فأنت عدو وإذا ما أيدته فأنت قديس.
سيكون النقاش مع ساعر أسهل بكثير وخاصة حول مستقبل علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين. ولما كانت معارضته للدولة الفلسطينية واضحة تماماً فينبغي أن يكون ممكنا العودة إلى النقاش حول المسائل "الكبرى" المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي المسائل التي ظلت طي الكتمان في زمن نتنياهو وذلك بالضبط لأنه كان يحول كل المسائل إلى أمور شخصية.
اقرأ أيضا: خلافات الاحتلال الداخلية تشتعل.. والليكود يهاجم ساعر المنشق
قد يصبح هذا التغيير مهما لأنه بدخول بايدن إلى البيت الأبيض ثمة إمكانية للعودة إلى مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين.
وهناك أشياء أخرى لا ترتبط بشكل مباشر بنتائج الانتخابات.
جذبت الاحتجاجات التي نظمت ضد نتنياهو عشرات الآلاف من الناس وأخرجتهم إلى الشوارع مرارا وتكرارا على مدى شهور. وهذا خلق وعيا سياسيا بين كتل كبيرة من يسار الوسط اليهودي، وأوجد لديها الاستعداد لتحدي النظام الإسرائيلي من الداخل، وربما بمستوى غير مسبوق.
وحتى لو فاز اليمين في انتخابات آذار/ مارس، وهو ما يبدو الأكثر احتمالا حتى هذه اللحظة، فلن يبقى الشارع الإسرائيلي غير مبال كما كان أثناء فترة حكم نتنياهو الطويلة.
بعد 12 عاما متواصلة من نتنياهو، سوف تكون إسرائيل من دونه مختلفة عن إسرائيل التي كانت بوجوده. كانت الأمور سيئة مع نتنياهو. من المؤكد أن ثمة فرصة لأن تكون الأمور أفضل من دونه.