حقوق وحريات

هكذا نكّل الاحتلال بالطفل محمد مقبل جنوب الضفة الغربية

تكررت الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال في السنوات الأخيرة بالضفة الغربية المحتلة
تكررت الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال في السنوات الأخيرة بالضفة الغربية المحتلة

كان عائدا من مدرسته كما في كل يوم؛ إلى منزله في مخيم العروب شمال مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، ولكن برنامجه اليومي الاعتيادي تمزق على يد جنود الاحتلال الذين كانوا يخططون لشيء مختلف تماما عن مخططات فتى في السادسة عشرة.


الفتى محمد منير مقبل (١٦ عاما) تفاجأ بعدد كبير من الجنود يلاحقون مجموعة من طلبة مدرسته على الطريق الواصل بين المخيم والمدرسة؛ وفجأة شعر بشيء يرتطم برأسه من الخلف ويسقطه أرضا، وهناك انهال عليه الجنود بالضرب وقاموا باعتقاله.


هذا المشهد هو كل ما تعرفه عائلته حسب ما وصلها من شهود عيان؛ ولكن اتصالا من مستشفى "هداسا" الإسرائيلي جعلها تتأكد أن ما حصل مع محمد كان أكثر بكثير، حيث تعرض لضرب شديد أدى إلى حدوث أربعة كسور في الفك السفلي وجروح ورضوض وكدمات على أجزاء متفرقة من جسده.


ويقول والده لـ "عربي٢١" إن الاتصال الذي تلقاه من المستشفى كان يخبر العائلة أن محمد سيخضع لعملية جراحية في الفك لزرع مادة "البلاتين" بعد تهتك العظام فيه، معربا عن دهشته من حجم القوة التي استخدمت بحق طفل صغير في العمر على يد جنود مدججين بالسلاح ومدربين.


المشكلة الأكبر التي واجهت محمد هي مماطلة الاحتلال في إجراء العملية الجراحية؛ حيث كان لأربعة أيام محتجزا في مراكز التحقيق بفكه المتورم النازف دون تحديد موعد للعملية؛ وذلك بحجة انتظار موعد المحاكمة التي عقدت له.


ويوضح الوالد بأنه تم إبلاغه بموعد تنفيذ العملية ليكون حاضرا كون محمد فتى قاصرا؛ ولكن الاحتلال لم يوافق على منحه تصريحا لدخول المستشفى الموجودة في مدينة القدس المحتلة والتي يمنع على أهالي الضفة الوصول إليها إلا بوجود تصريح أمني.


بطريقة ما تمكن الوالد من الوصول إلى المستشفى؛ وهناك حاول رؤية طفله ولكن حراسة شديدة كانت على مدخل غرفته؛ وبعد محاولات عديدة تمكن من الدخول لدقائق ورؤيته بعد إجراء العملية له.


ويضيف: "هنا كانت المفاجأة لي، لم يكن هذا ابني محمد الذي أعرفه، كان وجهه متورما من شدة الضرب وتغيرت كل ملامحه، كان جسده منهكا وملقى على السرير، والأصعب من كل ذلك أنه كان مقيد اليدين والقدمين، وكأنه سيتمكن من التحرك أصلا، رفعت الغطاء عن جسده فوجدته مليئا بالكدمات والجروح وخاصة على المرفقين والركبتين، وهنا أدركت أن الهدف كان إحداث كسور وعجز دائم عبر تركيز الضرب على المفاصل".

 


كالعادة لم يصدر أي تفسير من طرف الاحتلال حول هذا الاعتداء الجديد، بل على العكس تماما قامت نيابة الاحتلال العسكرية بتقديم استئناف على قرار الإفراج بكفالة الذي أصدرته محكمة "عوفر" الإسرائيلية، وقبلت المحكمة الاستئناف وتم تمديد اعتقال محمد لأيام أخرى رغم وضعه الصحي.


وبعد أيام من اعتقاله تمكن المحامي من زيارة الفتى الأسير مقبل الذي تحدث بصعوبة عما تعرض له؛ حيث أخبره أنه وعند الساعة السابعة صباحا كان متوجها إلى مدرسته وعند وصوله تبين أن الدوام معلق، ليعود إلى البيت وبعدها خرج مرة أخرى لشراء بعض الاحتياجات وخلال تواجده في الشارع قام الجنود بإطلاق غاز مسيل الدموع وقنابل صوت ونتيجة لذلك هرب مع فتية آخرين؛ وبعدها حضرت آلية عسكرية ونزل منها ثلاثة جنود وقاموا باللحاق بهم؛ وحينها دخل الفتى إلى أحد البيوت فاقتحم الجنود المنزل واعتقلوه وقاموا بضربه بكعب البندقية على فكه الأيسر بكل قوتهم.


وأضاف الفتى بأنه تم سحبه وقام الجنود بالاعتداء عليه بالضرب وهو ملقى على الأرض بأيديهم وأحذيتهم العسكرية الثقيلة؛ حيث أصيب بعدة رضوض في ظهره وكتفه وجرح نازف في جهة الفك، وبقي ملقى على الأرض لمدة عشر دقائق والدم ينزف من فمه وتحت ذقنه، وبعدها حضرت مركبة عسكرية إسرائيلية وقام الجنود بإلقائه على أرضية المركبة وكان معه ثلاثة فتية معتقلين، وفي داخل الآلية كان الجنود يضعون أرجلهم عليه وقاموا بشتم الفتية.


ويبين بأنه تم نقله إلى بلدة حلحول المجاورة وهناك تم إنزاله من الآلية مع الفتية المعتقلين وإجلاسهم على الأرض بعد تقييد أيديهم بمرابط بلاستيكية؛ وأبقوهم على هذا الحال في الجو البارد لمدة ساعتين؛ وبعدها حضرت آلية أخرى ونقلتهم إلى مركز توقيف "عتصيون".


ويشير إلى أنه تم إدخاله إلى غرفة التحقيق وهو مقيد؛ وكان بها محققون قاموا بشتمه وتلفيق تهمة إلقاء الحجارة على الجنود، وبعد انتهاء التحقيق معه تم إبقاؤه بالخارج لمدة 6 ساعات في البرد القارس والمؤلم؛ وعند الساعة 12 ليلا تم إدخاله إلى السجن؛ إلا أنه وبسبب صراخه من شدة الألم تم نقله صباح اليوم التالي إلى مستشفى هداسا عين كارم وإجراء صورة أشعة لفكه حيث تبين وجود عدة كسور به وفي أسنانه السفلية بسبب الضرب المبرح الذي تعرض له.


استهداف ممنهج


ليس محمد الفتى الوحيد الذي تعرض لاعتداء الاحتلال؛ حيث تكررت مثل هذه الانتهاكات في السجون الإسرائيلية على مدار السنوات، وقبل عدة أيام وثقت مؤسسات تعنى بحقوق الأسرى إصابة الفتى هاني ارميلات (١٧ عاما) من جنين بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح في سجن مجدو بعد أن كان يناشد السجانين نقله للعيادة لشعوره بالمرض.


وتقول الناشطة في مجال الأسرى أمينة الطويل لـ "عربي٢١" إن الاحتلال يستهدف شريحة الأطفال بشكل خاص لأن المجتمع الفلسطيني يمتاز بكون نصفه أعمارهم ما دون ١٨ عاما، حيث يحاول استهداف المجتمع بأكمله من خلال استهداف هذه الشريحة الحساسة جدا.


وترى بأن استهداف الفتية في هذه المرحلة العمرية يأتي ضمن خطة ممنهجة ومدروسة؛ وليست مجرد إجراءات عشوائية يقوم بها الاحتلال، لافتة إلى أن ما يحدث بحقهم خاصة الاعتداءات التي حصلت مؤخرا هدفها صنع شرخ نفسي لدى الفتية كي ينبت الخوف والقلق لديهم مستقبلا، وكي يكونوا غير قادرين على النهوض ويبقوا في دائرة الخوف والرعب ما يؤثر على نفسياتهم.


وتوضح الطويل بأن أكثر فئة عمرية يتم استهدافها من قبل الاحتلال هي من عمر ١٤-١٧ عاما؛ وهي مرحلة حساسة لبناء وصقل شخصية الطفل؛ حيث أن أي سلوكيات يتعرض لها في هذه المرحلة ستبقى معه لفترة شبابه؛ مبينة أنه إذا زُرع الخوف في نفسه في هذه المرحلة فإنه سيبقى شخصا خائفا.


وتشير إلى أن الاحتلال يتبع كذلك من خلال هذه الاعتداءات سياسة الردع والرعب؛ والتي يعمل عليها منذ فترة طويلة جدا؛ وذلك لأنه يعرف أن هذا الفتى من الممكن أن يكون قائدا أو مسؤولا أو له دور في صنع تأثيرات في القضية الفلسطينية.


وحول استهدافهم داخل الأسر تعتبر الطويل بأن الاحتلال يحاول استغلال الظروف النفسية للأطفال واحتياجاتهم للنيل من عزائمهم؛ وذلك لأن الضغط يهدف لتسهيل إسقاط بعض الأطفال الأمر الذي حدث مع عدد كبير منهم لتخويفهم نفسيا وجسديا من خلال الضرب والاعتداء ومحاولة تهديدهم بهدم منازلهم واعتقال أفراد من عائلاتهم كي يسهل إسقاطهم.


أما في الجانب القانوني فتؤكد الناشطة بأنه لا توجد متابعة حثيثة حقيقية في هذه الملفات تنهي معاناة الأطفال والفتية، وأن المتابعة تقتصر على مؤسسات قليلة وبطريقة شكلية وخجولة أو متابعة لقضية طفل ما بشكل ضعيف.


وتضيف: "نحتاج لمتابعة الأمر من جذوره ورفع قضايا في المحاكم الدولية وليس في المحاكم العسكرية الإسرائيلية لأننا لا نريد أن نشكو الاحتلال للاحتلال، بل نحن بحاجة للشكوى لجهة دولية؛ وليس من باب الشكوى فقط وإنما للضغط على الاحتلال للتراجع عن ممارسة جرائم مماثلة؛ لأنه طالما هناك وجود للاحتلال فسيبقى الاستهداف لشريحة الأطفال قائما".


وتؤكد الطويل بأن هناك احتياجات ضرورية للأطفال الذين يتعرضون للاعتداءات؛ حيث من جهة يحتاجون إلى بيئة فيها أمان واستقرار تحتضنهم وتؤهلهم وتعيد قدراتهم للانخراط بالمجتمع، بينما يحتاج الأسرى منهم لجهة مستقلة تقوم بحمايتهم.


وتتابع: "لا نستغرب سماع استهداف مباشر للأطفال خاصة أنه في الفترة الأخيرة حدثت حالات كثيرة من الانتهاك لحقوق الفتية مثل الأحكام العالية والغرامات الباهظة والإبعاد عن المنازل والحرمان من التعليم والضرب والتعذيب وعزلهم عن باقي الحركة الأسيرة؛ كما قام الاحتلال بسحب ممثل الأطفال الأسرى فأصبحوا وحيدين في مواجهة إدارة السجن؛ وفئة الأطفال غير قادرة على اتخاذ قرارات ومواجهة سياسات الاحتلال بشكل قوي وهي بحاجة لرعاية أكثر وخبرات في التعامل مع خبث الاحتلال وجرائمه".


وختمت الطويل حديثها بالقول إن الاحتلال يستهدف الفتية الفلسطينيين معنويا وجسديا لخلق مجتمع غير قادر على النهوض بنفسه من خلال استهداف هذه الشريحة الهامة.

 

 

 

التعليقات (1)
محمد يعقوب
السبت، 12-12-2020 12:00 م
ماذا يعنى تعرض هذا الفتى الفلسطيني لكل هذا لأعتداء من قبل جنود ألإحتلال؟ إنه يعنى الكثير الكثير من ألإستهتار بحياة أي فلسطيني. وأن جنود ألإحتلال لديهم ألحق في قتل أي إنسان فلسطينى، أو تكسير عظامه. لولا أن هذه ألجرائم مسموح بها من قبل قيادة الجنود، لما إستهتروا بالقيام بها. طفل عائد من مدرسته لبيته، ماذا يحمل من أسلحة الدمار الشامل، حتى يواجهه جنود ألإحتلال بهكذا إعتداء؟! أين سلطة التعريص العباسية من كل ما يجرى ضد الفلسطينيين سواء كانوا أطفالا أو رجالا أو نساء؟ لماذا لا تقوم السلطة بالإستقاله فورا، إذا كانت لا تستطيع حماية شعبها؟! لماذا على ألأقل لا تقوم سلطة التعريص الفلسطينية بوقف العمل بالتنسيق ألأمنى الذى يقدسه عباس وعصابته؟ إلى متى سيستمر صبر فلسطينييى الضفى على سلطتهم الذى ثبت أنها عدو لهم أكثر من عداوة عدوهم المفترض ألإحتلال؟!