قضايا وآراء

مشروع الإصلاح الفكري للإخوان المسلمين (2)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
تناولنا في المقال السابق الأزمات الفكرية الأربع المركزية في جماعة الإخوان المسلمين وكيفية علاجها:

أولا: غياب النظرية العلمية التأسيسية.

ثانيا: إنشاء مجتمع ونظام ودولة جديدة بديلا عن إصلاح المجتمع والدولة الحالية.

ثالثا: تأكيد وتعميق التحول الاستراتيجي المركب على يد جيل تنظيم 65.

رابعا: الخلط بين فهم شمول الإسلام، وشمول التنظيم.

ونستكمل هنا الأزمة الخامسة بالغة التأثير في بناء الشخصية الجمعية الأيديولوجية للإخوان المسلمين.

خامسا: عدم الالتزام بحدود وضوابط العلاقة القرآنية المحددة بين الداعي والمجتمع المدعو، والوقوع في المحاذير التي حذر منها القرآن الكريم، والتحول إلى فكرة السيطرة والوكالة وصولا إلى فكرة الأستاذية، بما يعد خلطا تنفيذيا بين مهمة دعوة وإصلاح المجتمع وبين السياسة والحكم والسيطرة على المجتمع.

منظومة الآيات التي ترسم في سياقها العام المبادئ الأساسية لعلاقة الداعية بالمجتمع، والتي تؤكد جميعها فكرة ومهمة البلاغ المبين فقط:

1- "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم" (البقرة).

2- "إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ" (فاطر).

3- "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين" (الأنبياء).

4- "فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" (المائدة).

5- "فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (النحل).

6- "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ " (النور).

7- "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (النحل).

8- "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ" (المائدة).

9- "نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ" (ق).

10- "قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِين" (الأحقاف).

الضبط والفصل بين مهمة الداعي والسياسي

ولعظمة الدين وقوة أثـره وفاعليتة في النفس البشرية..

- وما يمنحه للداعي من فضل ومكانة كبيرة وجليلة في النفوس، قد تدفع بالداعي إلى غير موضعه ومهمته..

- وما قد يحدثه لدى البعض من خلط بين الداعي والدعوة، والدين والتدين، وبين عقيدة الإسلام التي تقرر صلاح الدين لإدارة كافة شؤون الحياة، وتضع مقاصدها ومبادئها، وبين إلزام الداعية بالسياسة والحكم والسيطرة على المجتمع..

.. فقد جاءت الآيات محذرة مبينة محددة مبينة واضحة جلية من خطر إفراط وتحوّل فهم الدعاة وتجاوز الخط الفاصل بين مهمة الداعي إلى الهداية بدون مقابل، ملتزما مسار ومنهج (وَمَآ أَسْـألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ)، وبين التحول إلى مسار مهمة السياسي الذي يطلب دعم الناس ومساندتهم المالية للتمويل وأصواتهم الانتخابية وتأييدهم السياسي والإعلامي ووكالتهم، ليصل إلى الحكم والقيادة، أو منح نفسه حق الوكالة والوصاية على الناس وإن لم يمارس العمل السياسي:

1- "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة).

2- "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ" (الأنعام).

3- "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ " (الأنعام).

4- "وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ" (الأنعام).

5- "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ" (الغاشية).

6- "نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ" (ق).

7- "وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ" (الكهف).

8- "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر" (الكهف).

9- "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا * أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين" (يونس).

10- "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" (البقرة).

11- "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (الرعد).

12- "أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (فاطر).

13- "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" (هود).

ونتج خلط وتجاوز وتناقض كبير بقيام الفرد الواحد بمهمتين متقاطعتين ومتناقضتين:

- مهمة الداعية المتجرد لدعوته وعينه على عقل وقلب المدعو (المجتمع) للأخذ بيده نحو الهداية.

- ومهمة السياسي صاحب المصلحة السياسية وعينه على الحكم للانتصار على الخصوم.

وهذا كان له عظيم الأثر في عدم نجاح الإخوان والتنظيمات الدينية في المهمتين؛ لأن الداعية الذي ينتقل من فكرة "لا أسألكم عليه أجرا" إلى فكرة "تعاونوا معي وساعدوني" على الوصول إلى سدة الحكم (أعطوني أصواتكم)؛ يعامله الناس كسياسي ويتعاملون معه بمنطق الأفضل لتحقيق مصالحهم، وليس بمنطق الداعي المربي المعلم الموجه بلا مقابل.

سادسا: الوقوع في شراك العزلة النفسية والاجتماعية نتيجة فكرة الإحساس الجمعي المنعزل بالتميز في الأهداف والاهتمامات، والجانب العبادي والأخلاقي النسبي عن المجتمع، ما عزز الاعتزاز المفرط بالذات، بالرغم من السطحية والهشاشة الفكرية للكثير من أفراد التنظيم بل وقياداته، والذي فسر الكثير من المظاهر السلبية الكثيرة داخل مجتمع الإخوان ذاته، وبين الإخوان والمجتمع، والإخوان والجمعيات والتنظيمات الإسلامية والتيارات الوطنية المختلفة، وبين الإخوان والدولة.

سابعا: الغفلة عن استحقاقات التجديد الفكري الواجبة لمفاهيم وقيم الإسلام كجزء أساسي وعمود فقري للمشروع الإسلامي الحضاري، وترك مساحات الفراغ بين مقاصد وحقائق الإسلام وبين الواقع، والانشغال بالعمل الميداني، مما تسبب في أزمة بنيوية كبيرة تم اكتشافها عند تصدر الحكم بدون مشروع إسلامي حضاري بديل أو مكمّل ومجوّد للمشاريع الفكرية الحالية التي بلغها الفكر البشري.

نتناول في المقال القادم نتائج تحول الإخوان المسلمين عن مسارهم الدعوي إلى السياسي على القيادة والأفراد، والجماعة والتنظيم، والشعوب العربية والإسلامية، وعلى الفكر الإسلامي، ثم نتبعه بالتقويم الفكري الواجب لمصلحة الدعوة والإخوان والمجتمع والأمة الإسلامية.
التعليقات (0)