هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ثارت تكهنات حول أسباب وتأثيرات قرار الرئاسة التركية إقالة محافظ البنك
المركزي مراد أويصال من منصبه، فجر السبت، وتعيين وزير المالية الأسبق (2015-2018)، ناجي
آغبال خلفا له، الذي كان يشغل منصب رئيس الإدارة الاستراتيجية والموازنة التابعة للرئاسة التركية.
وأويصال أصبح محافظا للبنك المركزي في تموز/ يوليو 2019، عندما عينه الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان خلفا لمراد تشتين كايا.
ويعد الاختلاف حول
سعر الفائدة المناسب للاقتصاد التركي أحد أسباب إقالة أردوغان لمحافظ البنك
المركزي الأسبق، مراد تشتين كايا.
ورغم أن أويصال عمل خلال فترة مكوثه في المنصب على خفض سعر الفائدة، تماشيا مع مبادئ
أردوغان الاقتصادية، وأقر خفضا كبيرا لسعر الفائدة من 24 بالمئة إلى 8.25 بالمئة،
في خمس مرات متتالية، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لبقائه في منصبه.
وجاءت إقالة أويصال بعد أسبوع من تصريحات للرئيس التركي هاجم فيها "سعر الفائدة والتضخم
وسعر الصرف"، ووصف بلاده بأنها تحارب "مثلث الشيطان".
اقرأ أيضا: الليرة التركية.. منذ تأسيس الجمهورية حتى الآن (إنفوغراف)
وفقدت الليرة التركية نحو 30 بالمئة من قيمتها أمام الدولار منذ مطلع العام
الجاري، وأغلقت الجمعة عند 8.54 مقابل الدولار الواحد.
واستطلعت
"عربي21" آراء باحثين مختصين في الاقتصاد التركي حول أسباب إقالة
أويصال، وتداعيات ذلك على الاقتصاد التركي، خلال الفترة المقبلة.
تصريحات أويصال
ويقول الباحث
الاقتصادي أحمد أبو زعيتر إن الإقالة تتعلق بتصريحات أدلى بها محافظ البنك المركزي
الأسبوع الماضي حول "مستويات التضخم وسعر الفائدة وسعر الصرف المستهدف حتى
نهاية العام"، في معرض رده على أسئلة الصحفيين.
وأوضح أبو زعيتر
لـ"عربي21" أن أويصال رفع مستوى التضخم المتوقع من 8.9 بالمئة إلى 12.1
بالمئة، ويعد هذا التصريح تراجعا عن خطة الحكومة الموضوعة في وقت سابق، حيث كانت
تستهدف تخفيض معدل التضخم إلى خانة واحدة (أقل من 10 بالمئة).
وقبل عام، أكد الرئيس التركي على أن "التضخم سيتراجع إلى خانة الآحاد
مع حلول عام 2020".
وعندما سئل أويصال
عن "سعر الصرف المستهدف حتى نهاية العام الجاري"، كانت إجابته
"غريبة جدا"، وفق وصف أبو زعيتر، حيث قال المحافظ السابق: "ليس
لدينا سعر صرف مستهدف".
وعلق أبو زعيتر:
"هذا يعطي إشارات خطيرة وسلبية للمتابعين، سواء داخليا وخارجيا".
وتابع: "عندما
لا يستطيع محافظ البنك المركزي، وهو يقف على رأس السلطة التي تقرر السياسة النقدية
في البلد، تحديد سعر الصرف المستهدف، فهذا شيء محزن، ويعطي إشارات استفهام كبيرة حول
ذلك الأمر".
واعتبر أن تصريحات
أويصال "أعطت دلالات غير مباشرة بتوقع تدهور كبير لسعر الصرف".
وبعد الأزمة الاقتصادية عام 2001، بدأت تركيا في تطبيق أسعار الصرف العائمة التي تحددها ظروف العرض والطلب في السوق، كما هو موضح على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي التركي.
ويرى الباحث
الاقتصادي أن التصريحات السابقة قادت إلى "مراجعة أداء أويصال خلال فترة
توليه المنصب منذ تموز/ يوليو 2019 حتى أمس السبت (قرابة 16 شهرا)"، وتبين أن
"سعر صرف الليرة تدهور خلال هذه الفترة من 5.6 إلى 8.5 مقابل الدولار"،
وقال أبو زعيتر: "هذا الفارق كبير".
وأضاف: "هناك
مبررات منطقية لإقالة أويصال يستند إليها الرئيس كمسوغ لقراره، بأن أداء محافظ البنك
المركزي لم يكن مقنعا خلال الفترة الماضية".
ويتوقع أبو زعيتر أن
يكون لقرار إقالة أويصال "أثر سلبي" على الاقتصاد التركي، لا سيما بعد
الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن برئاسة البيت الأبيض، الذي يعارض أردوغان
شخصيا، وقال إنه سيدعم المعارضة من أجل الإطاحة بالرئيس التركي؛ اعتراضا على نشاطاته
الخارجية في "شرق المتوسط، وسوريا، وليبيا، وأذربيجان".
اقرأ أيضا: أردوغان يقيل رئيس البنك المركزي وسط ضغوط على الليرة
ويقول أبو زعيتر إن إقالة محافظ البنك المركزي جاءت
في "وقت حرج جدا"، وستؤثر بشكل "قاس وكبير" على الاقتصاد
التركي وسعر صرف الليرة، مشيرا إلى أن هذه الآثار ستبدأ بالظهور غدا الاثنين، بعد
فتح الأسواق المالية للتداول.
ومن الممكن ألا يترك قرار الإقالة "أثرا
سلبيا كبيرا" على الاقتصاد التركي، وفقا لأبو زعيتر، إذا ما قام بايدن بإرسال
رسائل طمأنة تؤكد على أن تركيا حليف قوي ومركزي لواشنطن.
استقلالية البنك المركزي
وإلى جانب رفع البنك المركزي التوقعات حول معدل التضخم، فإن متغيرا آخر
يقف وراء الإقالة، بحسب الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان، يتمثل في أن معدل تكلفة الاقتراض
(الائتمان) ارتفع إلى حوالي 15 بالمئة، دون المساس بمعدل الفائدة المباشر "الريبو
الأسبوعي"، وهو ما تعارضه الرئاسة التركية.
وتعتبر مسألة
"استقلالية قرارات البنك المركزي التركي" أحد أسباب الخلاف بين مؤسسة الرئاسة التركية ومحافظ البنك المركزي
أويصال، وفق حديث أبو عليان لـ"عربي21".
وقال أبو عليان: "أعتقد أن الاختلاف
حول السياسة المتبعة، ولا أظن المشكلة كانت في شخص المحافظ أويصال نفسه".
ويضيف: "تغيير المحافظين أمر غير جيد، ولن يحل مشكلة الاقتصاد نهائيا،
وعلى العكس فإنه يظهر تخبطا في السياسة النقدية، إلى جانب زيادة احتمال استخدامه
في التشكيك باستقلالية البنك المركزي".
وقد تتأثر نظرة المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني تجاه تركيا عقب
هذا القرار، وتوقع أبو عليان أن "يزيد تشكيك هذه المؤسسات في البنك المركزي وما يصدر عنه من أرقام وتوقعات".
ويختم بالقول: "مشاكل الاقتصاد التركي أعمق بكثير من تغيير الأشخاص، وتحتاج
إلى تغيير السياسات والفكر الاقتصادي الذي يقود البلد، خاصة في ظل ضغط المشهد
السياسي".