قضايا وآراء

لماذا فشلت دعوة محمد علي للحشد في ميدان التحرير؟

1300x600
1300x600

دعوة محمد علي للتظاهر في التحرير

 

قبل ثلاثة أيام من موعدها دعا الفنان والمقاول محمد علي، إلى خروج التظاهرات من القرى والمحافظات إلى القاهرة، حيث ميدان الثورة في التحرير. محمد علي الذي فجّر الحراك الشعبي ضد النظام المصري في العشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي على إثر الغضب الشعبي من هدم البيوت في مصر؛ أراد أن يطور الحراك الذي تحول من مظاهرات مطلبية بوقف هدم البيوت وتخفيض الغرامات، إلى حراك سياسي بامتياز، لاستمراره لأكثر من أسبوعين من دون توقف، رغم تراجع النظام عن قراراته ووقف الهدم وخفض الغرامات. بل وفي عرض لم تقم به أكبر الشركات التجارية حتى وهي تفلس، قدّم تنزيلات كبيرة لإرضاء الشعب الغاضب وتجميع ما يمكن تجميعه من "إتاوات" سحبا من جيوب الشعب.

ورغم كل هذه العروض المادية وما صاحبها من عروض درامية تمثلت في خطاب عاطفي لم تنقصه دموع تماسيح، خرج رأس النظام ليستجدي، وهو ما أكد أن الحراك لم يعد مطلبيا، وأكد بالنتيجة أن الحراك مؤثر بالفعل.

دوافع مقبولة لجمعة غضب ثانية

لقد شهدت التظاهرات خلال الأسبوعين الماضيين انتهاكات بالجملة؛ من قوات أمن النظام بدأت بالسب بألفاظ نابية يندى الجبين حين سماعها، وهو السباب الذي شمل قرى بأكملها، ومقاطع الفيديو وثقت سباب عناصر الشرطة الذي يشمل رجال ونساء قرى بأكملها دون تفرقة، وبين ألفاظ عنصرية طالت ملح هذا البلد وروحه الجميلة من أبناء النوبة. ولو أن هناك قضاء حقيقيا لعوقب متلفظ هذه الألفاظ العنصرية تجاه حرائر النوبة من أخواتنا وأمهاتنا، لكن ولأن المتلفظ رضع العنصرية في مرابي النظام فلا يفرق بين وجه بحري وقبلي، فكما سب أهالي قرى بحري بالأعراض، لم يسلم أهل قبلي من العنصرية، ووصل الحال إلى القتل، وتساوى الوجهان، القبلي والبحري، في تقديم الشهداء، وإن كان مقتل عويس الراوي الأكثر تأثيرا لرفضه الإهانة وعلّم على وجه السلطة بصفعة لن ينساها التاريخ، ليردى قتيلا جزاء إهانته النظام.

لقد كانت كل هذه الدوافع مقبولة للخروج في جمعة غضب ثانية يعبّر فيها المتظاهرون عن رفضهم للإهانة والاستهانة بأعراضهم ودمائهم.

تكلفة الخروج من القرى إلى القاهرة

دعوة محمد علي للخروج من القرى إلى القاهرة كان الهدف منها إسماع العالم صوت المتظاهرين بشكل أكبر ومن ثم إحراج النظام، فلطالما كانت القاهرة محور الحدث، ولطالما كانت فاعلياتها هي الأكثر تأثيرا، وإن كان الرجل محقا، فلم يسقط نظام يوما ما من الأطراف إلا بعد انفصال تلك الأطراف وخروجها عن السيطرة، وهي الحالة التي لم يصل إليها الحراك حتى الآن.

فإن كان الحراك قد كسر حاجز الخوف وهي المرحلة الأولى لأي حراك شعبي يواجه القمع، إلا أنه حتى الآن في مرحلة الانتشار، وهي المرحلة التي قد تأخذ أسابيع أو ربما شهورا. لذا فمحمد علي، غير الخبير بتحريك الجماهير، استعجل أمره ودفع المحتجين إلى مربع لم يكن أوانه، فنزول الناس في قراهم ليس له تكلفة لا مادية ولا أمنية، بشكل كبير، لكن الدعوة للنزول إلى القاهرة تشكل تكلفة على الشعب الفقير، ومن ثم فإن المتظاهر سيحسب أكثر من مرة كلفة النزول هو وأسرته من الصعيد مثلا إلى القاهرة، والتي قد تصل إلى مبلغ لا يستطيع تحمله ذهابا وإيابا. ومن ناحية أخرى، فإن هذا المتظاهر الذكي بفطرته سيفكر مليا قبل أن يتظاهر في أرض لا يعرف جغرافيتها جيدا ولا يعرف جاره بالجنب في المظاهرة، ومن ثم فإنه يخاطر بأمنه إذا ما استجاب للدعوة.

الآلاف استجابوا لكن ضاعت جهودهم

على الرغم من كل تلك العوامل التي تجعل المتظاهرين يترددون في الاستجابة لدعوة محمد علي للنزول إلى القاهرة، إلا أن الآلاف استجابوا لدعوة الرجل، والذي طورها صباح يوم الجمعة، موعد التظاهر، ليكون التجمع في ميدان العتبة قبل ميدان التحرير، حتى يأمن المتظاهرون من إحباط تجمعهم، ويضمن نزول أعداد كبيرة، ليكون المتظاهرون حصنا لبعضهم، قبل الزحف إلى ميدان الثورة.

والشاهد أن ميدان العتبة فعليا قد شهد اكتظاظا غير معهود في ذلك اليوم، أكده شهود عيان. فالدعوة التي أطلقها محمد علي لم تلق قبولا من أهالي الأقاليم فقط، بل كان ينتظرها أهالي القاهرة أيضا، فهي فرصتهم للتعبير عن أنفسهم بعيدا عن الضربات الاستباقية أو اللاحقة للتظاهرات، ما يعني أن الآلاف بالفعل استجابوا للدعوة. لكن لماذا لم يظهروا في تظاهرة إذا كانوا قد تجمعوا؟

دور المعارضة في إفشال حراك جمعة الغضب الثانية

ما زالت المعارضة تُحجم عن الظهور في تظاهرات لم تنضج، فإذا كان الآلاف قد استجابوا لدعوة محمد علي "المستعجلة" للنزول إلى التحرير، فإن عدم تنظيمهم وعدم وجود كتلة صلبة تحركهم أضاعت جهودهم سدى، في معضلة كمعضلة أيهما أولا البيضة أم الدجاجة.

فالمعارضة تخشى موجة قمع ثانية، وهي غير محقة في ذلك، فالقمع لم يتوقف منذ الثالث من تموز/ يوليو وحتى يوم الناس هذا.. اعتقالات وملاحقات ومصادرة أموال، وقتل بالقانون وخارج إطاره، وتغريب في التيه الذي لا يعرف منتهاه. وفي الجهة الأخرى، لا يمكن لشخص أو مجموعة أن تحرك الشارع في حالة شك وريبة خلقها النظام بين كل اثنين يمشون في الشارع متجاورين، لذا فإن المعارضة حتى الآن تمثل عامل ضاغط على الشارع المنتفض، يمكن أن تتحول إلى دافع فيما لو قررت النزول.

هل انتهى الحراك كما انتهى العام الماضي؟

قد يكون المشهد محبطا لمن نزلوا ولم يجدوا من ينظم حراكهم، فأغلب ظنهم كما ظن إعلام النظام أن الحراك قد انتهى، كما خرج العام الماضي وتم إحباطه، لا سيما وقد أخرج النظام قده وقديده في تظاهرات صنعت بأمر المخابرات وأموال المنتفعين من رجال أعمال وتجار، دفعوا إليها الناس قسرا والأطفال تغريرا، وأنفقوا عليها ملايين الجنيهات بين حافلات تقل "المتظاهرين" ووجبات للمحتشدين، وأموال رشى لسماسرة الحشد أو للمجاميع الصامتة التي اضطرت منظمي التظاهرات في "حب" النظام إلى أن يزيدوا من تكاليف الحشد باستئجار مطربين حتى يضفوا روحا للجنازة التي أُخرج فيها الناس رغبة ورهبة.. رغبة في وجبة طعام بعد أن حرمهم النظام بإفقارهم منها، ورهبة من أن يرفضوا فيكتبون عند النظام إرهابيين.

وعلى كل حال، فإن الحراك لم ينته والغضب لم يزل، وخضوع النظام وكسره دافع أكبر لمزيد من الحراك. وعلى الداعي للحراك أن يصحح خطأه ولا يستعجل، وعلى المعارضة أن تنضم للحراك حتى يتسع، وكما قال الحكيم: "لا تيأس إذا رجعت خطوة للوراء، فالسهم يحتاج أن ترجعه لينطلق بقوة إلى الأمام".

التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 05-10-2020 07:38 م
... لا أفهم سبب إصرار بعض المتابعين للشأن المصري على النفخ في محمد علي، بتصويره بأنه زعيم الثورة المطاع الذي تأتمر الجماهير بأمره، ويخرج المتظاهرين بإشارة منه يصدرها من منفاه في إسبانيا، والأغرب إظهاره وكأنه على علاقة واسعة بمن هم داخل دوائر السلطة وصنع القرار في النظام الانقلابي، وبأنه مطلع على ما لا يعلمه غيره عن حقيقة الأوضاع في أنحاء البلاد، وعلى معرفة بما يدور من مؤامرات داخل أجهزة الدولة المنوط بها قمع المواطنين، وذلك لمجرد كونه مقاولاُ كالآف غيره ممن عملوا في تنفيذ مشاريع أشرفت عليها القوات المسلحة، ودون تقليل من شأنه، فالرجل قد اعترف بأنه كان من مؤيدي وداعمي الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي المنتخب، وأنه قد جنى الملايين من عمله في مشروعاتهم، ولما ساءت أوضاعه بسبب سوء إدارة العسكر لتلك المشروعات، ولعدم انتباهه وتورطه معهم تراكمت الديون عليه، فقرر الفرار إلى خارج البلاد حماية لنفسه ولأسرته منهم، ولكن كانت له الجرأة لفضح العسكر من شركاءه السابقين، وحالته في المنفى ليست بأسوأ من حالات عشرات الآلاف من رافضي الانقلاب، والذين دفعوا وأسرهم ثمناُ باهظاُ لمقاومتهم للانقلابيين، وما زالوا يكافحون من أجل إسقاطه، والنفخ في محمد علي شبيه بحالة شاب مغمور أخرق، كان يكتب بعض التدوينات على صفحات الانترنت باسماء وهمية، وقدموه باعتباره مفجر ثورة 2011 وايقونتها، رغم أن الأذرع الإعلامية المشبوهة للعسكر في الداخل قد احتفوا به وأشادوا بثوريته، كما أن جهات أجنبية مشبوهة في الخارج قد كرمته ومنحته أرفع الأوسمة وقدمته بتلك الصفة المكذوبة باعتباره مفجر ثورة 2011، رغم أن من خرجوا من المساجد من جماهير الشعب المصري الحقيقي يوم الجمعة 28 يناير في يوم الثورة الحقيقي الذين تحركوا بوازع من أنفسهم، لم يكونوا يعرفون لا اسمه ولا صفته، ولم يقرأ أحد تلك التدوينات التي ادعوا أنها هي التي حركتهم، والهدف كان واضحاً وهو إخفاء الصفة الإسلامية للثورة، والتي هي هوية غالبية الشعب المصري الحقيقية، وإضفاء صفة العلمانية على القائمين بها بالتضخيم من دور بعض العلمانيين الذين حاولوا إبرازهم ووضعهم في مقدمة المشهد الثوري، فقد قاموا باستدعاء البرادعي، وهو مصري متغرب قد بلغ من العمر أرذله، ضعيف الشخصية بسيط التفكير سهل الانقياد ومقيم خارج البلاد منذ عقود، ولم يكن له أي دور معروف في نقد أوضاع الفساد في مصر قبلها، وحاولوا فرضه وتقديمه كزعيم للثورة، ولكن خوار عزيمته لم تمكنه من الاستمرار في لعب هذا الدور المزور، وبافتراض حسن نوايا من يقدمون محمد علي باعتباره صاحب النفير الذي متى أطلقه ستنطلق الثورة المصرية الثالثة، فنقول لهم أن جماهير الشعب لديها الوعي والعزيمة والإرادة على القيام بالثورة وتحديد ساعتها، ضد من أفقروهم واستذلوهم واستخفوا بهم، وهم القادرون وحدهم على تقديم التضحيات دفاعاً عن أنفسهم ومستقبل بلادهم، ومتى تحين ساعة الثورة الحقيقية، سيظهر من بينهم قيادات ميدانية تحدد لهم المسار وتقود حراكهم، دون حاجة إلى دعوة من محمد علي أو من غيره، وللقيادات السياسية دور آخر عليهم أن يدركوه ولا يتقاعصوا عن أدائه.