أخبار ثقافية

Black Christmas.. النسوية المُرعبة

يحمل الفيلم العديد من الرسائل والمفارقات التي تحملها المشاهد وتتضمنها الحوارات الدائرة بين شخصيات الفيلم- تويتر
يحمل الفيلم العديد من الرسائل والمفارقات التي تحملها المشاهد وتتضمنها الحوارات الدائرة بين شخصيات الفيلم- تويتر

يكمن معنى الحياة في تناقضاتها، وتقلّبها وتلوّنها بين الحين والآخر، إذ لا يمكن أن نُسمي الحياة حياةً إن سارت على وتيرة واحدة، فكان أن نعايش أحداثًا ونواجه مواقف تصبّ فينا نهر مشاعر دائم الجريان لا تلبث قطرة منه في مكانها، لذا فنحن بين الحب والكره، الحزن والسعادة، الأمل واليأس، وكل إنسانٍ منا يحمل نهره في داخله، فإما أن يغرق فيه أو أن يمتلك القدرة على أن يجاريه، أو قد يفيض النهر فيغرقُ ما حوله ويموت صاحبه من ظمأ.

تعرّضت (رايلي) بطلة الفيلم للاغتصاب من قِبل صديقٍ لها، ففاض نهرُها وجفّت روحها، وظلّت على مدار ثلاث سنواتٍ تحاول أن تستعيد الشعور بذاتها، ولحسن حظّها أن لديها صديقاتٍ وقفن إلى جانبها وأمطرنها دعمًا معنويّا حين شعرن بحاجتها لذلك، ففي مشاهد البداية لا بد وأن تلاحظ الحب المتبادل بين الصديقات، وحرصهن على بعضهن، كما أن أجواء عيد الميلاد أضافت لمساتٍ دافئة وأكثر حميمية جمعت بينهن، عدا عن أنهن يدرسن في جامعةٍ واحدة، ويُقمن في السكن نفسه، فإنهن يمتلكن كذلك وجهاتِ نظرٍ مشتركة، وهذا يجعلك تراهنّ كيانًا واحدًا لا يتجزأ، ويجعلك تتوقع أن يقاتلن على جبهة واحدة جنبًا إلى جنب.

فيلم black Christmas صدر العام الماضي، من إخراج وكتابة امرأتين هما صوفيا ناكل وأبريل وولف، كما أن بطلات الفيلم من النساء، ويقترب العمل من سلسلة أفلام الرعب scream، رجل مجهول بزيّ أسود وأداة قتلٍ يُهاجم مجموعةً من الطالبات لأسبابٍ تجهلها الضحايا في البداية، فيستمر في قتلهن الواحدة تلو الأخرى وتسعى من بقيت منهن على قيد الحياة إلى معرفة هُويته والقتال حتى اللحظةِ الأخيرة.

 

إلا أن ما يميّز العمل هو السبب الذي يجعل هؤلاء الفتيات عرضةً للموت، فالفيلم رعب سريالي، وموجّه إلى فئة النساء تحديدًا ويخاطب المجتمع الذكوري المتسلّط، وهو تجسيد لفكرة الحرب القائمة بين المرأة والرجل، ويُقصد به الرجل الذي يؤكد دائمًا على أحقيته في السلطة في هذا العالم، ويقلل من شأن الجنس الآخر، فتتعرض الكثير من النساء إلى العنف والاحتقار من قبل الذين يتبنّون الموقف نفسه، لكن بينما فكرت الصديقات بالوقوف في وجهِ الآلام التي تعرضن لها، واستعادة "رايلي" بفضل صديقاتها ثقتها بنفسها، وقيامهن بجمعِ تواقيع لعريضةٍ تُطالب بطرد أستاذ الجامعة الذي يركز في محاضراته على دعم السلطة الذكورية واحتقار النساء أصبحت حياتهن مهدّدة بالموت من قبل رجالٍ مجهولين يطاردونهن واحدة تلو الأخرى، ليكتشفن بأن القتلة زملاؤهن في الجامعة يقودهم الأستاذ المذكور سابقا!


اقرأ أيضا :  ونّوس.. العلاقة المتشابكة بين الإنسان والشيطان


يحمل الفيلم العديد من الرسائل والمفارقات التي تحملها المشاهد وتتضمنها الحوارات الدائرة بين شخصيات الفيلم، فيرى المشاهد أن عمق الإشارات والرموز مكثّف إلى حدٍ كبير، وهذا ما يجعلك منجذبًا من البداية حتى نهاية الفيلم، فلا بد وأن تشارك الشخصيات تعجّبها خصوصا في اللحظة التي تعرف فيها أنها معرّضة للقتل بسبب أدائها أغنية ساخرة! فالفتيات يقفن على المسرح ويغنين ويعتبرن ذلك انتصارًا ساحقًا لفريقهن، بينما يردّ الطرف الآخر بالخناجر والرصاص، لتظهر المرأة بالصورة الأكثر براءة في المشاهد كلها بينما يظهر الرجال بصورة وحشية لا ترحم.

 

وفي المشهد الذي وقعت فيه الطالبات على العريضة بينما رفض الطلاب ذلك باستثناء شاب واحد معجب بــ"رايلي" قد يهيأ للمشاهد أن الفيلم موضوعي وغير منحاز أبدًا وقد بدا كذلك بالفعل، خصوصا بوجودِ الصديقة الخائنة والواقفة في صف الرجال المجرمين، وأظن أن الكاتبة أرادت ذلك وتعمدته كي يُقال بأن الفيلم ليس نسويّا إلى الحد الذي يهاجم فيه الرجال، وبأن ثمة إنصافا وعدلا في إظهار صورة الطرفين، فإذا ما تعرض الفيلم للانتقاد سيكون القائمون عليه في مأمنٍ عن طريق إضافاتٍ بسيطةٍ  قد تخفّف من حدة الانتقادات التي قد توجه للعمل، وفي الوقت نفسه تضيف بعضًا من الإثارة والتشويق إلى سياق الأحداث.


إلا أنه لم تمنع تلك الإضافات الملائكية من ظهور العمل بصورته الحقيقية، خاصة مع اضطرار الفتيات إلى حمل السلاح بدلًا من القتال السلمي، إذ لا يمكن بالطبع أبدا إنكار البهجة التي يصنعها مشهدٌ كهذا تقاتل فيه النساء جمعًا من الرجال الكارهين للجنس اللطيف، بالأخص بعد أن قام الفيلم بإشباع المتلقي آلامَ الفتيات ومعاناتهن وجعله يرى دماءهن تسيل أمام عينيه، لخلق حالة تعاطفٍ كبيرة تهيّؤه للفرحةِ الكبرى حين يرى رجلًا مقتولًا بلا رحمة.

على أية حال فقد أبدعت الممثلة الإنجليزية إيموجين بوتس في أدائها دور البطولة "ريلي"، من حركات الجسد وصولًا إلى ملامحها في السعادة والخوف والغضب، وكأنك تشاهد الفيلم ملخّصا في تعابير وجهها.

 

ومن الجدير بالذكر أن الممثلة إيموجين كانت قد مثلت آخر مرةٍ في نسخة مسرحية  "who's afraid of Virginia Woolf"، "من يخاف مِن فرجينيا وولف؟" وقد قامت أيضًا بدور شابّة تتعرض للظلمِ والاغتصاب مما يؤثر على حياتها، ويسبب لها إحباطا وعُقدا نفسية، وتصبح لا تثق بالرجال مُطلقًا، وهذا يؤكد ظنون المشاهد بأنه أمام حملة تشويه نسوية ماكرة، فلن يجد في نهايته سوى أنه تم القضاء على أبناء جنسه فردًا فردًا، بينما تحتفي المشاهدات من النساء بالعبارة الختامية على لسان البطلة: "نحن لا ننكسر أبدًا".

1
التعليقات (1)
sandokan
الأربعاء، 30-09-2020 02:12 م
وصلتني رسالة واتسية مقتطفة من كتاب قصص حروب أوروبا وقد تضمنت قصة عن قرية أوروبية أنقلها لكم أعزائي القراء كما وردتني: »دخل الجنود قرية واغتصبوا كل نسائها إلا واحدة من النساء قاومت الجندي وقتلته وقطعت رأسه! وبعد ان أنهى الجنود مهمتهم ورجعوا لثكناتهم ومعسكراتهم، خرجت كل النساء من بيوتهن يلملمن ملابسهن الممزقه ويبكين بحرقه إلا هي! خرجت من بيتها وجاءت حامله رأس الجندي بين يديها وكل نظراتها عزة نفسٍ وقالت: هل كنتم تظنون أتركه يغتصبني دون ان أقتله أو يقتلني!! فنظرت نساء القرية لبعضهن البعض وقررن أنه يجب قتلها حتى لا تتعالى عليهن بشرفها ولكي لا يسألهن أزواجهن عندما يعودون لم لـم تقاوموا مثلها! فهجموا عليها على حين غفلة وقتلوها». (قتلوا الشرف ليحيا العار )...