هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفية كاترين بنهولد قالت فيه إن "مئات الناشطين اليمينيين المتطرفين حاولوا منذ فترة قريبة اقتحام البرلمان الألماني"، لافتة إلى أن إحدى قيادات الجمهور صوّرت وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ألمانيا، وقالت بصوت عالٍ من المنصة الصغيرة "ترامب في برلين".
وأشارت الصحيفة إلى أنها كانت مقتنعة
لدرجة أن عددا من مجموعات ناشطي اليمين المتطرف، ذهبوا إلى السفارة الأمريكية،
وطالبوا بلقاء ترامب، وأصروا على هذا الطلب قائلين: "نحن نعلم أنه هنا".
ولم يكن ترامب في السفارة ولا في
ألمانيا في ذلك اليوم، ولكن المتظاهرين وضعوا صورته على أعلامهم وقمصانهم وحتى على
علم ألمانيا الإمبريالي قبل عام 1918، والذي يستخدمه النازيون الجدد في تجمعات
احتجاجية على قيود جائحة كورونا، ويستخدمون اسم ترامب بحماس شديد.
وبحسب الصحيفة، هذا هو آخر دليل على
تحول ترامب إلى شخصية لها أتباع بين اليمين المتطرف في ألمانيا، وقال ماريو
ديتريتش، الخبير في التطرف اليميني في مؤسسة أماندو انتونيو في برلين: "أصبح
ترامب يمثل شخصية المنقذ لليمين الألماني".
اقرأ أيضا: ألمانيا تنتقد المحاكمة السعودية بقضية خاشقجي.. غير شفافة
ويبدو غريبا أن تكون ألمانيا هي
المكان الذي يكسب فيه ترامب مكانة، إذا ما اعتبرنا أن الألمان بشكل عام يؤيدون
حكومتهم التي تعاملت مع جائحة كورونا بشكل أفضل من بلدان كثيرة. وقليل من الدول
الغربية أصبحت علاقاتها خلافية مع ترامب أكثر من ألمانيا ومستشارتها أنغيلا ميركل،
ابنة قسيس وعالمة، وتمثل نقيضا لترامب. وتظهر الاستطلاعات أن ترامب لا يحظى بشعبية
بين الألمان، وفق "نيويورك تايمز".
ويقول خبراء التطرف إن القومية التي
يدعو لها وتسامحه مع المتعصبين البيض، إضافة إلى موقفه المتشكك من مخاطر الجائحة،
تجد لها قبولا خارج حدود أمريكا.
ويشيرون إلى أنه في عالم المعلومات
المضللة المتسع تشكل تلك الرسالة مخاطر حقيقية للديمقراطيات الغربية، فتشويش
الحدود بين الأخبار الكاذبة والحقيقية سيسمح للمجموعات اليمينية المتطرفة ببسط
نفوذها أبعد من حدودها التقليدية وزرع إمكانية التطرف العنيف.
ورأت الصحيفة أن جاذبية ترامب أضافت للمجموعات السياسية الهامشية عنصرا جديدا للسياسة الألمانية، في وقت حددت فيه المخابرات المحلية أن التطرف اليميني والإرهاب اليميني المتطرف أكبر مخاطر للديمقراطية الألمانية.
اقرأ أيضا: WP: بعد سنوات من أزمة الهجرة.. ميركل على حق وليس ترامب
وأكدت الصحيفة أن السلطات لم تفق إلا
حديثا لمشكلة اختراق اليمين المتطرف للشرطة والجيش، وعلى مدى الأشهر الخمسة عشر
الماضية، قام اليمينيون المتطرفون بثقل سياسي أمام بيته في مدينة كاسل، وهاجموا
كنيسا يهوديا في مدينة هالي، وقتلوا تسعة أشخاص من أصول مهاجرة بمدينة هاناو، لافتة
إلى أن ترامب برز في بيان القاتل بهاوناو، حيث أشاد بسياسة ترامب "أمريكا
أولا".
وأوضحت الصحيفة أن ترامب أصبح في
ألمانيا كما هو الحال في أمريكا، ملهما لهذه المجموعات الهامشية، ومن بينها مجموعات
يمينية متشددة وحركات نازية جديدة لم يمض وقت طويل على تشكيلها، ولكن أيضا لأتباع
نظرية المؤامرة QAnon والمنتشرة بين مؤيدي ترامب في أمريكا والتي تعتبره بطلا ومحررا.
ولفتت إلى أنه بالكاد كانت توجد
مجموعة في ألمانيا تؤمن بنظرية مؤامرة QAnon قبل الجائحة في آذار/ مارس، ولكنها الآن قد تكون أكبر مجموعة خارج
أمريكا، مع تلك الموجودة في بريطانيا بحسب من يرصدون قنوات المجموعة على الإنترنت.
ويطلق ماثياس كوينت، الخبير في
اليمين المتطرف في ألمانيا ومدير معهد دراسات الديمقراطية والمجتمع المدني، على
هذه الظاهرة "ترمبة اليمين المتطرف في ألمانيا".
وقال كوينت: "استطاع ترامب أن
يجذب أوساطا مختلفة وهذا ما نستطيع رؤيته هنا أيضا.. لدينا كل شيء من المعارضين
للقاحات إلى النازيين الجدد الذين يتظاهرون ضد إجراءات كورونا. والقاسم المشترك هو
الناس الذين يتخلون عن التيار الرئيسي والغاضبون على المؤسسة القائمة"، مضيفا
أن ترامب هو الشخص الذي يحارب المؤسسة الليبرالية الديمقراطية.
اقرأ أيضا: خطة بايدين للأمريكيين العرب: 6 عناوين رئيسية
ويرحب البعض على هامش اليمين المتطرف
بشكل خاص برسالة ترامب، في وقت تراجع فيه حزب البديل من أجل ألمانيا، ويجد صعوبة
في استغلال الجائحة لزيادة دعمه، الذي تراجع إلى حوالي 10 بالمئة، بحسب الخبراء.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لطالما رحب
الشعبويون القوميون في ألمانيا بوجود شخص مثلهم في البيت الأبيض، وتضفي لغة ترامب
وأيديولوجيته الشرعية على لغتهم وايديولجيتهم.
وتابعت: "كما حاول حزب البديل
من أجل ألمانيا استعارة شعارات ترامب فطرح شعار "ألمانيا أولا"، ولكن
يحظى الرئيس بشعبية أيضا في الأوساط الأكثر تطرفا. وقالت كارولاين سمرفيلد،
المنظرة البارزة لما يعرف بـ "اليمين الجديد" ولها علاقات وثيقة بحركة
"جيل الهوية" المتطرفة، بأنها احتفلت عندما فاز ترامب بانتخابات 2016".
وبحسب الصحيفة، ظاهرة QAnon صبت زيتا على النار، حيث يحتج المؤمنون بها بأن ترامب يحارب
"الدولة العميقة" والتي لا تسيطر فقط على الأموال والسلطة ولكنها أيضا
تعتدي على الأطفال وتقتلهم في سجون تحت الأرض لاستخراج مستخلصات تحفظ شباب
أعضائها. وبالنسبة لأتباع النظرية في ألمانيا فيعتقدون أن الدولة العميقة عالمية
وأن ميركل جزء منها ويعتقدون أن ترامب سيحرر ألمانيا من "دكتاتورية"
ميركل.
وحملت مجلة كومباكت اليمينية
المتطرفة التي تطبع في العادة خطابات ترامب بحرف Q على غلافها وأحيت ما أسمته "Q-week" على قناة الفيديو الخاصة بها، كما شوهدت القمصان والأعلام
التي تحمل حرف Q في برلين وأخرى تحمل شعار المجموعة "WWG1WGA" والذي يعني "حيث نذهب واحدا.. نذهب جميعا".
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إنه
"من الصعب تمييز الأعضاء المتشددين، حيث يشترك الأعضاء على منصات مختلفة".
اقرأ أيضا: MEE: تقرير يكشف ربط إعلام بريطانيا "الإرهاب" بالمسلمين
ووجد موقع نيوزغارد، وهو مرصد
للمعلومات المضللة في أمريكا، في أنحاء أوروبا العديد من الحسابات على يوتيوب
وفيسبوك وتلغرام تروج لنظرية QAnon.
وقال إنه في ألمانيا وحدها ارتفع عدد
المتابعين للحسابات التي لها علاقة بنظرية QAnon إلى أكثر من 200000 مشارك بحسب ديتريك. وأهم قناة في ألمانيا
لترويج QAnon هي (Qlobal-Change)
حصلت على 17 مليون مشاهدة وتضاعف عدد المتابعين لها أربع مرات على تلغرام إلى
124000 متابع.
وقال ديتريك: "إن هناك مجتمعا
كبيرا في ألمانيا من أتباع Q"،
وما ينشر في أمريكا يتم ترجمته وإعادة نشره في ألمانيا مباشرة.
وقال كوينت إن اندماج اليمين
التقليدي مع أتباع نظرية QAnon هو أمر جديد وأضاف: "إنه نوع جديد ومنتشر من التمرد الشعبوي
الذي يتغذى على نظريات المؤامرة ويتم تغذيته بالأيديولوجية من جوانب مختلفة من
اليمين المتطرف".
وقال ديتريك إن أحد أسباب رواج نظرية QAnon في ألمانيا هي أنها تتماشى مع نظريات المؤامرة الموجودة محليا
والشائعة في صفوف اليمين المتطرف.
وأحد تلك النظريات "الإحلال
العظيم" والتي تدعي أن ميركل والحكومات الأخرى تتعمد جلب المهاجرين لتخريب
التركيبة الإثنية لألمانيا. ونظرية أخرى هي "Day
X" وهو اليوم الذي سوف ينهار فيه النظام الحالي ويحل محله النظام النازي
الجديد.
ونظرية ثالثة هي أن ألمانيا ليست
دولة مستقلة بل شركة وأرض محتلة من دعاة العولمة.
هذا الاعتقاد يسود بين مجموعة "مواطني الرايخ" الذين نظموا اجتياح البرلمان في 29 آب/ أغسطس. فهم لا يعترفون بجمهورية ألمانيا الاتحادية ما بعد الحرب العالمية الثانية وينتظران أن يوقع ترامب مع بوتين اتفاقية سلام تحرر الألمان من حكومتهم.
اقرأ أيضا: ألمانيا تقرر حل وحدة من القوات الخاصة بسبب "التطرف"
وما ساعد على نشر نظريات المؤامرة
هم المشاهير الألمان، مقدم أخبار سابق ومغني راب وحكم سابق على برنامج مسابقات
تلفزيون. وأحد أكبر الشخصيات التي تنشر نظرية QAnon أتيلا هيلدمان، وهو طباخ مشهور مختص بالأطعمة النباتية، وتحول إلى
مروج للفكر اليميني المتطرف حيث لديه 80 ألف متابع على تلغرام. وظهر في معظم
مظاهرات كورونا في برلين، حيث هاجم الكمامات وبيل غيتس وعائلة روثتشايلد – وناشد
الرئيس ترامب أن يحرر ألمانيا.
وقال هيلدمان في مقابلة الأسبوع
الماضي: "ترامب شخص يحارب الدولة العميقة العالمية منذ سنوات.. لقد أصبح
ترامب شخصية منيرة في هذه الحركة، وخاصة بخصوص QAnon بالضبط لأنه يحارب ضد هذه القوى العالمية.. ولذلك يبقى أمل الحركة
القومية الألمانية أو حركة التحرر مع كل من Q وترامب.. لأن ترامب شخصية
منيرة ولأنه يظهر أن بالإمكان محاربة تلك القوى العالمية ولأنه منتصر".
وقال: "الألمان يأملون أن يقوم
ترامب بتحرير ألمانيا من نظام الكورونا الذي تقوده ميركل"، وذلك على أمل
"تفعيل الرايخ الألماني".
وأصبح تأثير هيلدمان واضحا عندما حرك
الناس في حزيران/ يونيو لإرسال رسائل لسفارتي أمريكا وروسيا في برلين لمناشدتهما
للمساعدة. وخلال عدة أيام وصلت 24 ألف تغريدة للسفارتين تدعو كلا من ترامب
وبوتين إلى "تحرير" ألمانيا من
"النظام المجرم" لميركل، ولمنع "التطعيم الإجباري" و"الإبادة".
وكانت المخابرات الألمانية الداخلية
حذرت من مخاطر استغلال اليمين للجائحة لأهدافهم. وقال رئيس المخابرات، ثوماس
هالدينوانغ الأسبوع الماضي إن "عناصر اليمين المتطرف العدوانيين" هم
القوة الدافعة خلف المظاهرات ضد قيود كورونا.
ولكن خبراء التطرف والنواب يخشون أن
الأمن لا يعيرون اهتماما كافيا، لمزيج حملات المعلومات المضللة لنظرية QAnon وإيديولوجية اليمين المحلي، وفق ما أوردته الصحيفة الأمريكية.