كتاب عربي 21

ما بعد زلزال بيروت: الصراع المفتوح على مستقبل المشرق إلى أين؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
الزلزال أو الإنفجار الكبير الذي أصاب العاصمة اللبنانية، بيروت، في الرابع من شهر آب/ أغسطس الجاري، لم تقتصر تداعياته على المآسي الإنسانية والعدد الكبير من الشهداء والجرحى، والدمار الكبير الذي أصاب المرفأ والمدينة وأحياءها، بل طالت شظاياه وتداعياته كل الواقع السياسي والشعبي في لبنان والمنطقة. وهو كشف عن حجم الصراع الكبير في كل منطقة المشرق والبحر المتوسط بين القوى الإقليمية والدولية.

وإذا كانت أولى الأزمات اللبنانية استقالة حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب والبحث عن تشكيل حكومة جديدة، والدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، فإن الأهم من كل ذلك الزيارة المفاجئة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، واللقاء الذي عقده مع القيادات اللبنانية (ومن ضمنها ممثل حزب الله النائب محمد رعد) في قصر الصنوبر الفرنسي، والدعوة لقيام نظام سياسي أو عقد اجتماعي جديد في لبنان، والدعوة لمؤتمر حوار وطني، وتبني الدعوة لعقد مؤتمر اقتصادي لدعم لبنان بمشاركة أمريكية وعربية وأجنبية، والذي عقد في باريس في 9 آب/ أغسطس الجاري.

وتلت زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت زيارة عدد كبير من المسؤولين العرب والإيرانيين والأتراك والأجانب، والجميع يريد مساعدة لبنان والبحث عن حلول للأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية والمالية، ومواجهة آثار الكارثة التي أصابت بيروت ولبنان من جراء زلزال الرابع من آب/ أغسطس.

فما هي أسباب هذا الاهتمام الكبير بلبنان بعد الانفجار الكبير والكارثة الكبرى التي أصابت مرفأ ومدينة بيروت العظيمة؟

مصادر سياسية مطلعة شاركت في اللقاءات التي عقدها الرئيس الفرنسي مع القيادات اللبنانية كشفت أن إحدى أهم النقاط التي أشار إليها ماكرون في هذه اللقاءات تحذيره من الدور التركي المتعاظم في لبنان ومنطقة البحر المتوسط، وضرورة العمل من أجل منع تحول لبنان إلى منطقة نفوذ جديدة للأتراك بعد تعاظم دورهم في سوريا وليبيا والبحر المتوسط ومناطق أخرى في المنطقة.

وتضيف هذه المصادر أن هذا الموقف الفرنسي يتلاقى مع وجهة نظر أخرى لدى عدد من الدول العربية الخائفة والقلقة من تعاظم الدور التركي، إضافة لتعاظم الدور الإيراني والروسي والصيني، مما سيؤدي إلى تراجع دور هذه الدول العربية وانحسار النفوذ الأمريكي والفرنسي في لبنان.

وتربط هذه المصادر بين كل هذه المخاوف وبين الحملة التي شنتها بعض القوى اللبنانية والجهات الغربية على الدعوة التي طرحت في لبنان من بعض القوى السياسية الداعية؛ للتوجه إلى الشرق لمواجهة الحصار الغربي، ومن ثم رفع شعار "حياد لبنان" والذي تبناه البطريرك مار بشارة الراعي.

وتشير هذه المصادر إلى أن مرفأ بيروت كان سيشكل البوابة الأهم للانفتاح على الشرق. وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الانفجار الذي حصل في الرابع من آب/ أغسطس، ولأن التحقيقات مستمرة، فإنه من الواضح أن هذا الانفجار/ الزلزال الكبير قد كشف حجم الصراع الكبير الإقليمي– الدولي على مستقبل لبنان والمشرق كله، وأن هناك تنافسا كبيرا بين عدد من القوى حول من سيكون اللاعب الأكبر في هذا المشرق.

فإلى أين تتجه الأمور في المرحلة المقبلة؟ وهل سينجح الفرنسيون في ملء الفراغ الحاصل في لبنان والمنطقة، ووقف الاندفاعة الصينية والروسية في ظل التراجع الأمريكي وتقدم دور القوى الإقليمية، وخصوصا تركيا وإيران؟

حتى الآن نجح الفرنسيون في استعادة زمام المبادرة من خلال التحرك السريع السياسي والاقتصادي والمالي، عبر طرح مشروع إقامة نظام سياسي جديد، وتقديم كل أشكال الدعم المالي والاقتصادي للبنان، وعقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان في باريس وإقرار حزمة كبيرة من المساعدات.

كما أن التطورات السياسية المتسارعة في بيروت من خلال استقالة حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب، والبحث عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري أو من يدعمه ويختاره، كل ذلك يشير إلى أن الفرنسيين يريدون العودة القوية إلى لبنان، ولعب دور فاعل كي لا يكون مسرحا للنفوذ الإيراني أو التركي أو الصيني أو الروسي.

وهناك دول عربية، وخصوصا مصر، تدعم التحرك الفرنسي، كما أن الأمريكيين وافقوا على التحرك الفرنسي، وإن كانت لديهم مطالب محددة وخصوصا في ما يتعلق بترسيم الحدود مع الكيان الصهيوني وتقليص نفوذ حزب الله داخليا. وأما السعودية والإمارات، فحتى الآن تعبران عن تحفظهما تجاه ما يجري، والأهم لهما مواجهة نفوذ حزب الله وإيران ومحاصرة النفوذ التركي.

نحن إذن أمام صراع مفتوح على مستقبل لبنان ومنطقة المشرق والبحر المتوسط، خصوصا في ظل التمدد التركي– الإيراني الذي حصل في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تزايد النفوذ الروسي، والاستعداد الصيني لملء بعض الفراغات والتحضير المستمر لمشروع الحرير. ويبدو أن حزب الله سيضطر حاليا لإبداء بعض التراجعات التكتيكية، كما حصل في العراق، حيث اضطر حلفاء إيران هناك للقبول بحكومة الأستاذ مصطفى الكاظمي وتقديم تنازلات جزئية.

لكن هل يعني هذا أن الصراع حسم وأن تداعيات زلزال بيروت ستنتهي قريبا؟ المعطيات المتوفرة في بيروت لا تشير لذلك، بل إن المنطقة كلها ستظل محور صراع إقليمي- دولي في ظل التراجع الأمريكي والفراغ الذي يتركه هذا التراجع.

وستكون الأيام والأسابيع القادمة حافلة بالتطورات السياسية والأمنية والعسكرية، إضافة لاستمرار الضغوطات المالية والاقتصادية، إن بانتظار انتهاء الانتخابات الأمريكية ووضوح الصورة الدولية، أو بانتظار أحداث أخرى ضخمة قد تشهدها المنطقة في الفترة المقبلة، والله أعلم.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الخميس، 20-08-2020 12:04 ص
... فليعذرنا الكاتب، "وهو اللبناني الذي عاش جل حياته في بيروت يمارس عمله الإعلامي فيها، ومتعرفاً على كل وقائعها وخباياها وأسرار السياسة فيها ومواقف كل اطرافها"، على اهتمامنا بشئون لبنان عموماُ وبيروت خصوصاً التي لها مكانة خاصة في نفس كل عربي، ويعتبرها الكثيرون منهم عاصمة العالم العربي، وملتقى مثقفوها وسياسيوها، وحاملة وزر خلافاتهم وصراعاتهم، والمقالة شاملة وضافية، وعرضت وتعرضت لكل الأطراف النافذة في لبنان اليوم ومواقفهم المتضاربة، وإن كانت لم تشر أو تجاهلت ذكر أن انهيار الاقتصاد اللبناني على يد فساد سياسيوها قد جاء قبل انفجار مرفاً بيروت، وربما ممهداً له، والذي يبدوا أنه قد جاء محققاً لصالح اطراف لا تريد الخير للبنان، والغريب أنه في تعرض المقالة لكل الأطراف الداخلية والخارجية الفاعلة والطامعة في لبنان وشعبها، فقد أغمض العين وتجاهل ذكر اللاعب الرئيسي بأمن لبنان، وهو المجرم السفاح بشار الأسد الذي دمر سوريا فوق رؤوس شعبها، بدعم ومشاركة من لبناني معروف للجميع متسربل بلباس الرهبان، ولم تنج لبنان من إجرامه وإجرام عصابته، ليقيم عرشه على أشلاء شعبه، ولكن يبدوا أن هوى الكاتب لأطراف جنوبية، قد مال به إلى هواه، رغم محاولته التسربل بلباس الاعتدال والتسامي فوق الطائفية، وسيدفع بعض اللبنانيون ثمن سكوتهم المخزي ومشاركتهم في جرائم عصابة بشار وشريكه، وسيرى الظالمون أي منقلب ينقلبون، والله أعلم.