أخبار ثقافية

أفلام محمد سعد.. بين إزاحة الأب وقتل النظير العقلاني

محمد سعد أحدث من خلال الشخصيات التي لعبها تغييرا في طبيعة البطل في أذهان الناس- تويتر
محمد سعد أحدث من خلال الشخصيات التي لعبها تغييرا في طبيعة البطل في أذهان الناس- تويتر

بينما كان المخرج المصري شريف عرفة يستعد لتصوير فيلم (الناظر) الكوميدي، من بطولة الفنّان الراحل علاء ولي الدين، الذي رأى النور عام 2000 وحقق نجاحا هائلاً على صعيد الإيرادات والشهرة، قرر المخرج أن يضيف شخصية بلطجي إلى سيناريو الفيلم، فأبلغ كاتب السيناريو عن مواصفات بلطجي تعرّف إليه في أثناء تصويره لفيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) -1998، فالتقت تصورات المخرج عن الشخصية مع مواصفات بلطجي آخر يعرفه الكاتب في مدينة الجيزة اسمه اللمبي واقترح الفنان محمد سعد لتأدية الدور(1).

 

ومن هنا ستنطلق شخصية اللمبي التي ستحظى بشهرة واسعة عام 2002 بعد إنتاج فيلم اللمبي بطولة محمد سعد وإخراج وائل إحسان وكتابة أحمد عبدالله.

 

لقد حقق الفيلم نجاحًا جماهيريا منقطع النظير على عدة مستويات: انطلاقًا من الأرباح غير المسبوقة التي حققها، وأيضًا الشهرة الواسعة التي رافقت الشخصية على المستوى الشعبي، فأصبح اسم اللمبي مرافقًا للفنان محمد سعد.

 

إضافة إلى أنّ الفيلم شكّل نقلةً نوعية في طبيعة الأفلام المصرية التي ستصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغتها؛ إذ ستنتشر أفلام المهرجانات والأحياء الشعبية بعد انطلاقة اللمبي. 

كما أنّ محمد سعد أحدث -من خلال الشخصيات التي لعبها- تغييرًا في طبيعة البطل في أذهان الناس يوازي التغيير الذي أحدثه عادل إمام؛ فقبل ظهور إمام كانت صورة البطل الذي يحظى بحب الحسناوات مرتبطة بالبطل جميل المظهر الدون جوان أو الجنتل مان الذي لا يوجد أي خطأ في هيئته الساحرة، لينتقل بها إمام إلى صورة البطل العادي الذي يشبهنا والذي يستطيع بسبب فهلوته وقدراته غير المرتبطة بالمظهر أن يغوي أجمل حسناوات السينما مثل سعاد حسني وميرفت أمين(2).

 

أمّا محمد سعد فقد انتقل بالبطل المعشوق من الإنسان العادي إلى الإنسان المجنون أوالمعتوه أو الأهطل الذي تعشقه الفنانة مي عزالدين في فيلم (بوحة) وتتزوجه في فيلم (اللمبي 8 جيجا)، وتقع في حبه الفنّانة زينة في فيلم (بوشكاش)، ونيكول سابا في (حياتي مبهدلة).


اقرأ أيضا :  عيد ميلاد سعيد صالح


أمّا إذا حاولنا قراءة الخطاب الكلي الذي تقدمه أفلام محمد سعد فإننا نجدها ترتكز على عدة نقاط مشتركة ومتكررة في أفلامه، وذلك على الرغم من تنوّع الشخصيات والقصص التي مثّلها، وهي:

أولاً: غياب الأب والسخرية منه، ورفض تكرار نموذجه؛ ففي فيلم (اللمبي) تلح الأم عليه بأن يُخرج "عربية الكبدة" التي كانت تخص والده وأن يمارس عمله، لكنّ اللمبي يكرر رفضه عدة مرات، وحينما يوافق يدور حوار بينه وبين روح أبيه تتضح فيه سخريته منه، كما أنه يفشل في تكرار نموذج أبيه من خلال فشله في الحفاظ على "عربية الكبدة" التي تصادرها السلطات.

 

أمّا في بقية الأفلام فإن شخصية الأب تختفي فيها مثل أغلب أفلامه أو تموت في بداية الفيلم دون ظهور الشخصية مثلما حصل في بداية فيلم (بوحة)، ويكاد يكون فيلم (كركر) استثناء بين أفلامه، إذ يظهر الأب في شخصية (الحناوي)، من حيث إفساح مساحة غير صغيرة للأب، غير أن الصراع بينهما يطل منذ بداية الفيلم، كما أنّ الأب يموت في الربع الأول من وقت الفيلم. 

وطبيعة الصراع في الفيلم توضّح موقف سعد من فكرة الأب في كل أفلامه، فالأب يلح على فكرة تكرار النموذج من خلال الزواج التقليدي وإنجاب طفل يكون تكرارًا لحياته ويحمل اسمه (الحناوي)، وهو الأمر الذي يرفضه الابن.

 

ويتجلّى الصراع بينهما حينما يطلق الأب الرصاص على الابن بعد زفافه إلى العروس التي اختارها رغما عنه في مشهد يبدو سرياليًا، وحينما يموت الأب نجد أن (كركر) المجنون في العزاء يرتدي ملابس والده التي تظهر واسعة عليه، كما أنه يطرد الناس الموجودين في سرادق عزاء أبيه.

 

وفي نهاية الفيلم حينما يعود البطل (كركر) إلى صوابه -بعد أن مر بفترة جنون- يخبر والده الذي يسكن القبر بأنه سيتزوج لينجب له (الحناوي) الصغير الذي كان يحلم به، وهنا يخرج الأب من قبره لتعيد الصدمة الابنَ إلى جنونه.

 

وبذلك تؤكد رسالة الفيلم على فكرة هدم النموذج واستحالة تكراره من خلال إزاحة الأب التي شكلت المشترك الثيمي بين جميع أفلام سعد.

ثانيًا: فشل أي نموذج يمكن أن يحل محل الأب، ويتجسّد ذلك من خلال التأكيد على فكرة سوء النماذج التي يمكن لها أن تسد مسد الأب مثل الخال أو العم؛ ففي فيلم "بوحة" يستولي الأعمام على نصيب بوحة في الميراث ولا يتركون له سوى شيك مالي بمبلغ كبير لا يعرفون مكان موقعه.

 

وفي فيلم "اللي بالي بالك" يستولي العم على ميراث ابن أخيه اللمبي، أمّا في فيلم "كتكوت" فإن الأخوال والعمة (الكبيرة) يدفعون بكتكوت ليكون الأضحية التي تدفع عنهم خطر الثأر.

ثالثًا: بينما تسعى أفلام محمد سعد إلى إزاحة الأب والنماذج البديلة له فإن هذه الأفلام تصر على فكرة قتل النظير العقلاني وشرع الأبواب أمام كل ما هو غير عقلاني؛ ففي أهم أفلامه يكون هناك دائما نظيران/ شبيهان يقوم سعد بتمثيل دورهما، الأول عقلاني يمثّل النظام الصارم والقاسي، والثاني فوضوي غير منضبط ومتمرّد على كل ما هو ملتزم ومنظم.

 

ففي فيلم "اللي بالي بالك" نجد رياض المنفلوطي مدير السجن الصارم والقاسي الذي يمثّل النظام بكل حذافيره، في مقابل اللمبي البلطجي الفوضوي وغير المنضبط، وفي حمى الصراع بينهما ينجح اللمبي في قتل هذا النظير العقلاني/ المنضبط ويدخل إلى جسده ويحل محله ليصبح أمام الناس هو رياض المنفلوطي مدير السجن، لكنه يقود السجن إلى الفوضى وكسر النظام.

وحينما تنجح الظروف في جعل اللمبي يستجيب لعقلانية النظام ويسعى إلى ضبط الفوضى والتسيب من خلال القبض على السجين الهارب، يصطدم مرة أخرى بحافلة سياحية ويدخل في جسد جديد في إشارة إلى استحالة التصالح مع النظير العقلاني.

وفي فيلم "كتكوت" يمثّل جوزيف العقل الإجرامي المنظّم والمعقّد الذي ينفذ أخطر الجرائم الإرهابية على المستوى الدولي، بينما يمثّل كتكوت نموذجا غير منضبط وغير قادر على تشكيل خطاب عقلاني منظّم، غير أنّ كتكوت يزيح نموذجه المنظّم ويحل مكانه.

 

أمّا في فيلم "كركر" فإنّ تبادل الأدوار وحلول اللاعقلاني بدلاً من العقلاني يتجسّد في الشخصية ذاتها، تنقلاً بين العقل والجنون وانتهاءً بالجنون كالعادة.

رابعًا: إن سعي هذه الأفلام، التي تعبّر عن رؤية محمد سعد، إلى رفض النظام الأبوي وقتل النظير العقلاني لا يؤسس لبنية ديمقراطية متسامحة، بل يؤسس لدكتاتورية لا عقلانية تتمثّل في الشخصيات التي يؤديها سعد، فهو يكاد يستأثر بكل المشاهد الكوميدية في أفلامه، ويصر على تأدية أكثر من دور في الفيلم الواحد.

 

فيؤدي دور شخصيتين في فيلم "اللي بالي بالك" وكذلك في فيلم "كتكوت" وفيلم "عوكل"، أمّا في فيلم "كركر" فقد أخذ مجده في تأدية الأدوار المتعددة والمتشعبة، فقد تقمّص أدوار خمس شخصيات (الحناوي، وكركر العاقل، وكركر حينما جن، ورضا الميكانيكي ورضا حينما تقمّص شخصية فتاة).

وهذا يدل على رغبة سعد في الاستيلاء على الشاشة وعدم إعطاء دور لغيره في الظهور على الشاشة والسيطرة على قلوب المشاهدين، فهو يرفض أن يشاركه أحد في تحقيق هذا المجد.

 

أمّا طاقم الفيلم فهم مجرّد أدوات تساعده في إضحاك الجمهور وصناعة الإفيهات الكوميدية، لكنه لا يسمح لها بصناعة هذه الإفيهات دون أن يكون هو محورها الرئيس، وأفلامه شاهدة على هذا الأمر.

أخيرًا: قد يرى البعض أنّ الأفلام تمثّل وجهة نظر كاتب الفيلم ومخرجه وليس الفنّان الذي يمثّل دور البطولة فيها، وهو رأي لا يخلو من الصواب عموما، غير أنّ محمد سعد بعد النجاح غير المسبوق الذي حققه فيلم "اللمبي" أصبح هو من يختار سيناريوهات أفلامه ويتدخل في توجيه أفكارها وأحداثها، كما أنه كتب قصص بعضها.

 

وإذا عدنا إلى بداياته، وإلى مشروع تخرجه في المعهد أيام الدراسة والشباب سنجد أنه اختار أن يؤدي دور "كاسيوس" في مسرحية شكسبير "يوليوس قيصر"، وهو الشخص الذي أقنع "بروتس" أن يغدر بيوليوس قيصر(3).

 

وإذا قارنا بين كاسيوس وقيصر سنجد أن الأخير يجسّد النظام العقلاني المسيطر على كل التفاصيل، بينما الأوّل يمثّل الثورة على هذا النظام والرغبة الشديدة في تدميره. كما أنه كان -أيام المعهد- يحب تمثيل دور هاملت(4)، بما يجسّده من رغبة في إزاحة الأب وقتله.     


المصادر والمراجع:
(1)- برنامج صاحب السعادة: لقاء المخرج شريف عرفة، تقديم: إسعاد يونس.
(2)- حلقة أحمد بحيري عن عادل إمام بعنوان: "الزعيم.. حنفي الأبهة".
(3+4)- برنامج ممكن: حوار مع محمد سعد، تقديم: خيري رمضان.

التعليقات (5)
نيو ان يكون في العالم الفنان يسوي من هو هاينريش
الأربعاء، 27-01-2021 06:05 م
ينب في مصر تتغير ان تكون العطلة أطول في بنى من هو مؤلف طرزان وهل ألف من قبل ذلك خلال أسبوع ان اكون مثله ان اكون مقابل ما في العالم نفس الشيء بمةلعبيوظلبورثية من منذ عامين في بنى من هو مؤلف من طابقين ان تكون في العالم الفنان ان يكون قبل ذلك في بنى صلاح في مصر في العالم الآن ان تكون العطلة أطول في بنى من هو مؤلف من طابقين ان اكون مثله ان تكون العطلة أطول في بنى صلاح ان تكون العطلة
محمود العوامله
الخميس، 20-08-2020 02:04 ص
بتعرف اول مره بنتبه للموضوع، شكرا على التحليل الرائع.
شادي حكيم
الأربعاء، 19-08-2020 08:55 م
محمد سعد فنان ناجح قرر استغلال طاقته وقدم فن مختلف كم من الاحيان نشاهد فيلم لاحدعمالقة الفن الراحلين ونتمنى لو قدم افلام اكثر .
sandokan
الأربعاء، 19-08-2020 09:32 ص
^^ الخط الثالث بين الأنساق السينمائية ^^ أربع دقائق فقط ، كانت تكفي المخرج فجر يعقوب ، ليتحدث لنا في فيلمه ( متاهة ) عن مخيم شاتيلا في العام 2067 ، ليصدمنا بصورة المخيم الباقي ، بعد قرن من النكسة الحزيرانية ، تماماً ، و في مكانه ، و كأنما هو تحذير يريدنا الإنتباه إلى أن لا شيء يتغير ، مادامت حالتنا العربية ، هي محض كلام في كلام . و في ثماني دقائق ، هي مدة فيلم ( روميو و جولييت ) ، و في غرفة عناية مركَّزة ( أو مشدَّدة ) ، نرى عاشقين شابين ، مستعارين من عالم غسان كنفاني في وهلة ، و من عالم السحق و القهر ، الذي يجثم الآن ، بكلكله علينا ، في وهلة أخرى ، و هما يعيدان التراجيديا الأزلية التي تحيق بالبشرية ، هاهنا شاب و فتاة يتحايلان على واقعهما ، من خلال الإدعاء بالمرض ، علَّ غرفة العناية المركَّزة ، في أحد المستشفيات ، تجمعهما ! و لكن الفتى العاشق يمضي في اللعبة إلى نهايتها ، و يموت ، قبل أن تنهض الفتاة من لعبة الإستغماء ، التي إصطنعاها من قبل . في أفلام السينما المستقلة نجد أنفسنا ، نقاداً و مشاهدين ، أمام تجارب إبداعية سمعية بصرية ، تحاول النفاذ من بين أصابع المعوقات جميعها ، لتقدم رؤى سينمائية إبداعية بارعة ، قليلة التكاليف ، رخيصة الإنتاج ، تنفلت من خلالها المخيلات لتقول أشياء لم يكن بالإمكان صناعة أفلام تحملها ، لولا خيار السينما المستقلة التي تحاول بدأب إختراق الجدران السميكة ، و التحصِّل على نص سينمائي خاص .
محمد سالم عبادة
الثلاثاء، 18-08-2020 01:38 م
مقال نافذ البصيرة شديد الإحكام. هنيئا لنا هذا التحليل المحترم. تحياتي.

خبر عاجل