قضايا وآراء

جلالة الملك.. ما الذي تغير؟! (رسالة خاصة للملك عبد الله الثاني)

عبد الله فرج الله
1300x600
1300x600
جلالة الملك،

بالأمس القريب كنتَ ترى المعلم بمكانة الأب، وكنت تراه صانع الأجيال، وكنت تراه باني المستقبل، وكنت تراه صاحب رسالة في هذه الحياة، هي أعظم وأنبل رسالة، وكنت ترى وجوب أن يحظى بكل الدعم والاحترام والتقدير من قبل الجميع، فما الذي تغير في رؤية جلالتكم؟!

ألست القائل جلالة الملك: "المعلم يا إخوان، هو بمكانة الأب، وهو صانع الأجيال وباني المستقبل، ورسالته في هذه الحياة، هي أنبل وأعظم رسالة، ويجب أن يحظى المعلم، بكل الدعم والاحترام والتقدير من قبل الجميع".

فما الذي طرأ وتغير بين الأمس واليوم؟ نعم، ما الذي تغير على رؤية جلالتكم، حتى بات المعلم هدفاً لسهام الاتهامات والشيطنة والإهانة، لا بل والاعتقال والسجن والضرب؟! أهذا هو الذي كان ينتظره الأب، وصانع الأجيال، وباني المستقبل، وصاحب الرسالة من حكومتكم، وأجهزة أمننا وإعلامنا؟!

إن خطاب جلالتكم المتواصل في مختلف المناسبات والمحافل، عن الحقوق والحريات وعن الأردن كبلد القانون والمؤسسات، حرك فينا كما حرك في المعلمين جذوة الحرية، والنزعة نحو الكرامة، بنيل حقوقهم، فهل يعد هذا جريمة أن يطالب المعلم بحقوقه؟ حتى وإن كانت ثمة ملاحظات على مسيرته في المطالبة بحقوقه، أهذا هو الرد الذي يتناسب مع مقام جلالتكم وتوجهاتكم السامية في احترام المعلم وتكريمه؟! وإعلاء شأن الحوار ومكانته؟ وتجنب العنف قولاً واحداً؟ في قضايانا الداخلية؟!

هل تعلم جلالتكم أن تأسيس نقابة للمعلمين في عهدكم يعد من أعظم الإنجازات الدالة على ديمقراطيته وانفتاحه واحترامه للحقوق، وأن إغلاقها اليوم، واعتقال مجلسها ونقيبها، يعتبر ردة تسجل حدثاً مأساوياً، ومأتماً للديمقراطية، ونكوصاً على الأعقاب لعهد حكمكم؟!

نعم، فقد كنتم جلالتكم ترون الاعتداء على المعلم من الظواهر المرفوضة، والغريبة على مجتمعنا، وكنت تتساءل باستنكار شديد: كيف يمكن أن يتم الاعتداء على المعلم والطبيب والشرطي، وهم كما قلتم جلالتكم: "الذين يخدمون بلدهم ومجتمعهم بشرف وإخلاص، وهم أبناؤنا وإخواننا. لماذا الاعتداء على كرامتهم، وأحيانا على أرواحهم؟ معقول هذا الذي يصير يا إخوان؟"، فما الذي تغير جلالتكم حتى أصبح شعبكم يتساءل بقلق على المستقبل؟ أمعقول هذا الذي يصير يا عالم؟!

نعم، شعبكم اليوم يسأل بمرارة وحرقة: ما الذي حصل؟ وما الذي تغير في رؤية جلالتكم حتى أصبح المعلم يهان، وبهذه الطريقة المتعمدة في إذلاله؟

ما الذي حصل حتى تجرأ البعض على تجاوز رؤيتكم الملكية، للمعلم ومكانته وكرامته في مجتمعنا؟ فشعبكم حتى اللحظة ينزهكم عن كل هذه التجاوزات، التي فاقت حد المعقول والمقبول، ويتساءل: أين أنتم يا جلالة الملك من هذه الإهانات المتعمدة التي تمارس ضد المعلم، ضرباً وإهانة واعتقالاً؟! نعم، ما هو موقفكم من كل هذا العنف المستخدم اليوم ضد المعلم، بل ووصل الأمر إلى أن تهان المعلمات أيضاً؟ هذا العنف الذي وقفتم ضده ذات يوم واستنكرتموه بأشد ما يمكن استنكاره حين قلتم: "والعنف لا يمكن أن يكون حلا لأي مشكلة، بالعكس هو بحد ذاته مشكلة، وأي خلاف بين طرفين، وأي مشكلة كبيرة أو صغيرة، يمكن حلها بالحوار وتحكيم العقل، أو بالاحتكام إلى العدالة والقانون".

هل وصلتكم الأنباء التي تتحدث عن هذه الممارسات المستنكرة، التي باتت حديث العالم ومؤسساته ومنظماته الحقوقية؟! أم أن الإعلام الذي أردتم له أن يكون بلا سقف خذلكم ولم يكن عند طموحكم؟ أم أن رؤية جلالتكم تغيرت بهذا الخصوص أيضاً، ولا أظن ذلك؟!!

جلالتكم..

شعبكم يسأل: ما الذي تغير يا ترى؟ وأين هو الحوار البناء؟ وأين هو العقل وتحكيمه؟ وأين هو العدل والقانون واحترام الدستور؟! أم أن العنف الذي كان بالأمس مشكلة، ولم يكن حلاً، أصبح اليوم هو الحل والخيار؟!

وكم هو حجم مشكلة المعلمين ونقابتهم، حتى يضيق بها أفق الحوار، وتستعصي على حوار عاقل راشد، يحتكم فيه للعقل والعدالة والقانون؟!

ما الذي يمكن أن يفيده الوطن، وتكتسبه العملية التعليمية التربوية في بلادنا من هذا التصعيد في الأزمة، وهذا التشنج في الخطاب، وهذا العنف في السلوك الأمني، وهذه الفعل الخارج عن كل الأطر القانونية والدستورية؟!

جلالة الملك..

كنتم وما زلتم تتحدثون عن تلاحم البنية الداخلية لشعبكم، مفتخراً مباهياً بها، وكأنهم جميعاً وقت الأزمات على قلب رجل واحد، الشعب والحكومة والأجهزة الأمنية والجيش كل أولئك في صف واحد، فكانوا مثلاً حق لكم أن تعتزوا به في مواجهة وباء كورونا، فما الذي جرى اليوم، حتى يسود خطاب الكراهية، وتتحشرج النفوس، وتعلو نبرة العنف، وتتمايز الصفوف، ويقف الأخ بوجه أخيه، والتلميذ في وجه أستاذه؟!

جلالة الملك..

اليوم شعبكم ووطنكم ينتظرون ظهوركم، في موقف يحسم هذه المسألة، التي أريقت فيها كرامة المعلم، ووضع حد لهذه المأساة، حتى لا يتسع الخرق على الراقع. فبالحوار الذي تؤمنون به، وبمكانتكم في قلوب شعبكم، الأمر لا يحتاج منكم كثير عناء. فماذا عليكم لو بادرتم والتقيتم بأبنائكم في نقابة المعلمين، واستمعتم إليهم بشكل مباشر، استماع الأب الحاني، والقائد الحريص على وطنه وشعبه، بعيداً عن أولئك الذين لا يعيشون إلا في الأجواء الموبوءة، المليئة بالفتن، ونشر الشائعات التي تفسد الأجواء الجميلة لشعبكم، الذي قد يختلف معكم في الاجتهاد أحياناً، غير أنه لا يختلف عليكم، في الحكم والقيادة؟

كلنا أمل أن تكونوا جلالتكم لكل أبناء شعبكم، ومجلس نقابة المعلمين، مجلس منتخب من معلمي شعبكم، فلقاؤكم وحواركم يسجل لكم في سجل مآثركم.

حفظ الله الأردن بحفظه!!
التعليقات (0)