ملفات وتقارير

إعمار مرفأ بيروت واجهة لصراع إقليمي.. من يحصل عليه؟

تمر عبر المرفأ 70 بالمئة من الصادرات والواردات اللبنانية- جيتي
تمر عبر المرفأ 70 بالمئة من الصادرات والواردات اللبنانية- جيتي

تحولت المنافسة على إعادة إعمار مرفأ بيروت، بعد الانفجار المدمر في 4 آب/أغسطس، إلى ساحة تعكس الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.


وفي أعقاب الانفجار، توالت وفود دولية إلى لبنان لتقديم المساعدة وللوقوف على حيثيات الانفجار، وكان من أبرز الواصلين لبيروت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.


وتلا الزيارة الفرنسية، وصول وفد تركي رفيع تمثل في فؤاد أوكتاي نائب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، اللذين أعربا عن استعداد أنقرة لإعادة إعمار مرفأ بيروت، إضافة إلى عرضهما ميناء مرسين كبديل مؤقت أمام لبنان لحين إعادة الإعمار.


وتتعارض المصالح الفرنسية والتركية بشكل واضح في منطقة الشرق الأوسط، وبرزت خلافات الجانبين في الآونة الأخيرة في دورهما بالأزمة الليبية، وفي الصراع الدائر حول التنقيب على الثروات الطبيعية بشرق البحر المتوسط.


ولمرفأ بيروت أهمية استراتيجية فهو أهم ميناء في لبنان، ومن أهم الموانئ في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، إذ يشكل مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، وآسيا، وأفريقيا. 

 

اقرأ أيضا: تركيا تسعى لترميم دور عبادة ببيروت تضررت بانفجار المرفأ

وتمر عبر المرفأ 70 بالمئة من الصادرات والواردات اللبنانية، إلى جانب استيراد المواد الأساسية من دول العالم وتصديرها عبر الداخل اللبناني إلى دول الشرق الأوسط.


ويتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه بـ3100 سفينة سنويا، فيما تصل عائداته السنوية إلى أكثر من 200 مليون دولار.


ودمر الانفجار 80 بالمئة من المرفأ وأجزاء واسعة من العاصمة، وقدرت خسائر الانفجار بـ15 مليار دولار، بحسب تصريحات لبنانية رسمية.

 

الحماس التركي


وإلى جانب العرض التركي بإعادة إعمار المرفأ، أوضح الكاتب والمحلل السياسي محمد نور الدين أن الإمارات قدمت مقترحا بهذا الخصوص، على أن تستثمر في المرفأ مدة 25 عاما قبل أن يعود إلى الدولة اللبنانية.


وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح نور الدين، الخبير في الشؤون التركية، أن العرضين التركي والإماراتي هما المقدمان حاليا أمام الدولة اللبنانية، لكنه يتوقع ألا يكونا "الوحيدين"، فقد تكون "عروض فرنسية ومن دول أخرى" لذات الغرض.

ويشير إلى أن التنافس على إعادة بناء المرفأ يتركز حاليا بين ثلاث دول أساسية "تركيا والإمارات وفرنسا"، ولا ينفصل التنافس بين هذه الدول على إعادة بناء المرفأ عن "صراعهم بمنطقة الشرق المتوسط"، أو المنافسة حول "النفوذ في العالم الإسلامي" خاصة بين الإمارات وتركيا.

وأمام أهمية مرفأ بيروت وتفوقه على الموانئ الإسرائيلية المجاورة في تصدير البضائع إلى المشرق العربي، يقول نور الدين: "يعد بناء المرفأ موطئ نفوذ مهم" للدول الثلاث.

ويوضح أن تركيا تحاول عبر عرضها إعادة إعمار مرفأ بيروت "إيجاد موطئ قدم لها في لبنان"، فيما عرض الإمارات يأتي في سياق "محاولة منع تركيا من أن تمضي قدما بهذا الاقتراح".

وكان الخبير التركي، دينيز تانسي، قد ذهب في تقرير نشره على قناة "haber7" ترجمته "عربي21" إلى أن العرض التركي بإعادة إعمار مرفأ بيروت وتحويل السفن إلى "مرسين" مؤقتا يهدف إلى تحقيق "مكسب تجاري"، ويشكل خطوة نحو سعي أنقرة إلى "ترسيم الحدود البحرية" مع لبنان، ما يمنحها مكاسب في البحر المتوسط.


وتقدر احتياطيات المنطقة البحرية اللبنانية من النفط بـ865 مليون برميل، ومن الغاز بـ96 تريليون قدم مكعبة، ويعتبر جزء منها منطقة نزاع بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي.


ويعلق نور الدين بالقول: "تركيا تبدو الأكثر حماسة لمقترح إعادة إعمار المرفأ، لكنها الأقل حظوظا، نظرا لأن هناك نفوذا فرنسيا أكبر بكثير من النفوذ التركي في لبنان، كما أن النفوذ العربي السني المعادي لتركيا  أكبر من النفوذ التركي في لبنان".

 

النفوذ الفرنسي

أما النظرة الفرنسية للبنان فهي "مختلفة عن النظرة التركية والإماراتية"، فباريس لا يهمها في لبنان المرفأ فقط، فهي ترى في لبنان بلدا فرانكفونيا (منظمة دولية للدول والحكومات الناطقة باللغة الفرنسية كلغة رسمية أو لغة منتشرة) ينتمي للثقافة الفرنسية، ولا تريد أن تخسره، خصوصا أن المناطق التي أصابها الضرر بالانفجار هي لأحياء مسيحية في بيروت.

ويؤكد نور الدين أن فرنسا معنية بلبنان "دينيا وثقافيا ولغويا"، أكثر من أن يكون اهتمامها "منافسة مع دول أخرى" بالدرجة الأولى، أما خصامها مع تركيا "فيعطي البعد التنافسي بعدا إضافيا للاهتمام الأصلي من فرنسا بلبنان".

وتتمتع فرنسا بنفوذ واسع في لبنان، لدى المسيحيين عموما، والطائفة المارونية على وجه الخصوص. وخضع لبنان للاستعمار الفرنسي 23 عاما، قبل الاستقلال في عام 1943، وإبان الانفجار بمرفأ بيروت وقع لبنانيون على عريضة تطلب "إعادة الانتداب الفرنسي".

 

اقرأ أيضا: أمريكا: دعم مالي مستدام للبنان "إذا لمسنا جدية بالإصلاح"

وعن أي الدول المتنافسة التي يمكن أن تحظى بثقة الدولة اللبنانية في إعادة إعمار المرفأ، يقول نور الدين: "لا أحد يجزم بذلك. لكن حظوظ تركيا هي الأقل، نظرا لمعارضة فئات لبنانية لمزيد من الحضور التركي في البلد".


وتابع: "فرنسا قد لا تكون معنية كثيرا بأن تكون الجهة التي تعيد بناء المرفأ. قد يكون الاحتمال الأكثر واقعية أن يتم الإعمار على أيد خليجية بدعم وتأييد فرنسي أمريكي".

في المقابل، يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط ميشال نوفل أنه يصعب "التكهن" حول الدول التي يمكن أن تساهم في إعادة الإعمار في ظل "الفراغ الحكومي" الحالي بلبنان.

واستقالت حكومة حسان دياب الأسبوع الماضي على وقع الانفجار بمرفأ بيروت، واحتجاجات شعبية حمّلت الطبقة السياسية المسؤولية عن الكارثة، وطالبت بإزاحتها عن الحكم.

وغالبا ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أسابيع وحتى أشهرا، نظرا لنظام المحاصصة القائم بين الأحزاب.

ويقول نوفل لـ"عربي21": "يتعين أولا الاتفاق على الحكومة الجديدة التي ستكون عملية إعادة بناء المرفأ ومحيطه من أولويات برنامجها".

التعليقات (0)