قضايا وآراء

الاقتصاد اللبناني.. صدمات بعضها فوق بعض

أشرف دوابه
1300x600
1300x600

لبنان بلد الجمال يعاني منذ سنين من ويلات الطائفية المقيتة والفساد الذي استشرى في كل نواحي البلاد، في ظل وجود دولة رخوة عاجزة عن تلبية متطلبات اللبنانيين، حتى أصبح ذلك الشعب المحب للحياة يعاني متاعب الحياة بصدمات بعضها فوق بعض.

لقد تعرض الاقتصاد اللبناني لانتكاسة كبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية وأصبح على جرف هار من الإفلاس، بعد تعثره في سداد ديون تتجاوز 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وما زالت مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي شاقة وشبه متعثرة؛ للحصول على قرض بنحو 10 مليارات دولار لمعالجة أزمات عدة، منها: انهيار قيمة العملة الوطنية، وندرة النقد الأجنبي، وتراجع احتياطي مصرف لبنان المركزي.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة والصدمات المتلاحقة التي أفقدت الليرة اللبنانية قيمتها، وحالت بين المودعين وسحب مدخراتهم بالبنوك، ومعيشة نحو نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، ووصول نسبة البطالة إلى 35 في المئة، وغياب خطة محددة المعالم لمعالجة تلك الأزمات المتلاحقة، جاءت صدمة كبرى هي ذلك الانفجار المخيف في مرفأ بيروت الذي حول بيروت من عرسها الجميل إلى شبح في لحظات، فقدت فيها العشرات قتلا، وتضررت المباني والشوارع وأملاك الناس من متاجر وسيارات ومقتنيات، وصولا إلى بعد 15 كيلومترا عن مركز الانفجار. حتى وصف محافظ بيروت مروان عبود العاصمة اللبنانية بأنها مدينة منكوبة، مشيرا إلى أن الضرر الناتج عن انفجار المرفأ طال نحو نصف بيروت، وأن هناك بين 250 و300 ألف شخص باتوا دون منازل، ومنازلهم أصبحت غير صالحة للسكن، وأن هذا وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها.

إن الخسائر المادية لمرفأ بيروت تقدر بنحو 15 مليار دولار، فيما لا تتجاوز الخسائر المؤمن عليها نحو مليارين إلى ثلاثة مليارات منها فقط، وفقا لما ذكرته مصادر لرويترز. ومن قبل قدر محافظ بيروت مروان عبود قيمة هذه الأضرار ما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار كرقم أولي.

ولو أخذنا بمصادر رويترز فإن الخسائر تمثل أكثر من 28 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبنان خلال 2019، والبالغة 53.37 مليار دولار. كما تزيد عن 15 ضعف قيمة سندات يوروبوند التي تخلف لبنان عن سدادها في آذار/ مارس الماضي والبالغة 1.2 مليار دولار، كما تعادل 75 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد والبالغ 20 مليار دولار.

ويواجه لبنان حاليا أزمة فيما يخص الأمن الغذائي، إذ يستورد 90 في المئة من استهلاكه من القمح عبر مرفأ بيروت، والصوامع الوحيدة ذات السعة الكبيرة في لبنان تهدمت جراء الانفجار. وقد توقع فرحان حق، نائب المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، أن يؤدي الضرر الذي لحق بالميناء إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والأمن الغذائي بشكل كبير في لبنان؛ الذي يستورد نحو 80-85 في المئة من المواد الغذائية.


إن هذا الحادث المريع بغض النظر عن أسبابه، وسواء أكان بفعل فاعل أو بالإهمال، يكشف حقيقية ما آل إليه لبنان من فساد بيّن وتناحر لا ينتهي، حتى وصل بأكثر من 44 ألف شخص أن يطالبوا بعودة الانتداب الفرنسي مرة أخرى للبنان، وهذه مصيبة كبرى وخيانة عظمى واستجارة من الرمضاء بالنار. أما الفضيحة الأكبر فهي تصريح الرئيس الفرنسي في عقر لبنان بأنه لن يعطي الإعانات للحكومة الفاسدة.

إن لبنان للأسف الشديد شعب بلا دولة، وحكومة بلا مسؤولية، واقتصاد مهلل فاقد البنيان، وقوة باطشة بأيدي فئة، وفئة أخرى تستقوى بالخارج، وثالثة مغلوب على أمرها رغم أكثريتها، لتناحر أهلها في زعامات موهومة، والمفقود في كل ذلك الشعب اللبناني بكافة طوائفه. ولا يمكن لدولة أن تبني حكما رشيدا واقتصاد مزدهرا على طائفية مقيتة يغيب معها العدل مع القوة الباطشة، ويتم في النهاية تمييع التحقيقات وتحميل المسؤولية للصغار مراعاة لحسابات طائفية.

آن لهذا البلد الكريم في ظل هذا التعاطف الدولي والتسابق بالإعانات أن يعلي مصلحة أبنائه بعيدا عن الطائفية البغيضة، لا سيما وقد تسابقت تركيا لوضع كافة قدرتها لعلاج آثار هذا التدمير والنهوض بلبنان.. فهل ستجد لمبادرتها مستمعا، أم أن الداعين للانتداب الفرنسي والمقاتلين مع إجرام بشار سيكون لهم موقف آخر؟!.. نتمنى أن يعلو لبنان وحاضره ومستقبل أبنائه فوق الجميع.

twitter.com/drdawaba

التعليقات (0)