قضايا وآراء

الحرية

1300x600
1300x600
حينما نتكلم عن موضوع ما، لا بد وأنْ ستعلوه كلمة تعبر عن كنهه ومعناه. والكلمة التي تعبر عن الشيء دوما تكون جزءاً منه أو شيئاً مما يعبر عنه، إلا في موضوعنا هذا فإن الكلمة بذاتها أفخم وأعظم من كل موضوع قد يعبر به كاتب أومفكر أو شاعر أو حتى مناضل. 

وكلمة عنوان موضوعنا هي أم الكلمات ورأس الموضوعات.. فكل كلمة مستقلة فرع عنها وكل موضوع شامخ يرفل في ثنايا عظمتها، كلمة بزَّت كل الكلمات، كلمة ذات وهج ساطعة المعاني.. إنها تعبر عن نفسها وليس بحاجة أنْ يقدِّمها أحد، أرأيت أحداً يعرِّف معرَّفا أو يبرز بارزا؟!

تلك هي "الحرية" كلمة قليلة الحروف فخمة المعاني، ولم يمتلئ بها قلب إنسان إلا وتسامى نفَسُهُ وامتطى الكون اختيالا.. وهذه الكلمة فتنت السابقين واللاحقين فتغنوا بها وتغزلوا بمعانيها.. ولكن ما حاول أحد أنْ يتكلفها عملا إلا وسُدَّتْ عليه الأبواب، إذْ العبودية دركات والحرية مقامٌ واحد لا يعلوه مقام، ولا يجنح غيره في سبحات السماوات والعالم الأعلى.

هذه الحرية دعا لها كل الأسوياء في الكوكب وناضل من أجلها المناضلون بل صعدتْ أرواحهم جذلى وهم يتمنطقون بها كَلِفين بحبها باذلين في سبيلها النفيس والغالي:

نسيتُ في حبها الدنيا وما حملَتْ     وبعتُ من أجلها الأنفاسَ والنفَسَا

عجيبة هذه الكلمة.. يا لها من ساحرة خدَّاعة لمن لا يعرف سبيلها ومقتضياتها.. وهي من حديتها لا تقبل القسمة على غيرها، فالعلم فيه أرباع وأنصاف لكن هذه ذات الشأو الرهيب، هي وفقط.. وشأنها عجيبٌ مطَّرِدٌ وأمرها ملفتٌ، هي أنْ تأخذها كلها وكما هي أو تتركها كلها كما هي.. لا تقسيم فيها ولا تشظي.. هذه طبيعتها وهذه حالها وهذه بهجتها..

فالحرية التي طلبها كثيرون وفشلوا في تحصيها لماذا؟ لأن مهرها غال ومنها بذل كبيرٌ.. وكما قال أبو هلالة:

كل بذل إذا العقيدة رِيعتْ     دون بذل النفوس نزْرٌ زهيدُ

فأي عقيدة بلا حرية ليست بعقيدة، وكل عقيدة لا تنشد الحرية وتذيعها فليست سماوية ولا ربانية.. فأسمى درجاتها ـ وكلها درجة واحدة ـ أن تتخلص من معبودات البشر والحجر والطغيان والاستبداد، وعندما يحار الفلاسفة في التعبير عنها نوقن أن محور معناها ومؤدى مضمونها واحد وفلسفتها العليا وإنْ كانت من غير ذات الحدِّ، ألاَّ يكون قرارك تابعا لأحد مهما كان مقامه وأنْ تعبر عن نفسك بقناعة محضة لا يضغط فيها على الإنسان ضاغط.

وهي التي ظل ينشدها كثيرون ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي لما قال:

وللحرية الحمراء بابٌ    بكل يدٍ مضرَّجةٍ يُدَقُّ

كان مدركاً أن الحرية ليست كلمة رقراقة أو حروفا مسبوكة أنيقة فحسب، بل هي دم ونار ونور وحياة شاقة طويلة "ناح لأجلها نوح".. فتبعاتها كبيرة كاسمها والكلف بها مرهق وربما دفع الإنسان حياته ثمنا لها..

والسير في درب البطولة مرهقُ

فما أجملها من كلمة وما أعذب جرسها ولكنها كم كلفت وكم أوكستْ عن رغائب المال والجاه، ولذلك من جميل ما نقدمه هنا بأن الحرية غاية الغايات وأسمى المنالات التي تشوَّف إليها الأحرار، الإسلام كدين سماوي خاتم جعلها رقم (١).. فصاحب الرسالة صلى الله عليه وله وسلم  قال في مكة مخاطباً قريش: (خلُّوا بيني وبين الناس) في صيحة عارمة تجتحف كل عبودية رعناء، أنْ يجب أنْ يمكن الناس من نيل حريتهم وألَّا يكون هناك من يحول بينهم وبينهم ما يجب أنْ يعتقدوه إنْ اقتنعوا به، أو فليختاروا ماشاؤوا فليس ثمة في الإسلام، وهو الدين الذي تطلَّع للحرية بكل تفاصيله، ليس فيه ما يسمى من ملة الإكراه بل هو دين الحرية والإنطلاق فلا إكراه في الدين ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فالأمر حرية لا مثيل لها.

وهذه الحرية التي باتت في بلادنا جريمة يحاسب عليها قانون القراقوشيين من الحكام المستبدين لأنهم لم ينعموا إلا بالعبودية واللؤم ، فحسدا من عند أنفسهم وكمدا لايريدون أنْ يمكنوا هذه الشعوب من حريتها لأن الحرية خطر عليهم..

لقد شيَّعتُ فاتنةً 
تُسمى في بلاد العُرْبِ
تخريبا وإرهاباً 
وطعنا في القوانين الإلهيهْ
وكان اسمها في الأصلِ
حريهْ

كل يوم وأنتم بحرية

*مدير مركز الجزيرة العربية لتعزيز الحريات
التعليقات (2)
Rank
الأربعاء، 22-07-2020 05:36 ص
احسنت اخي سلطان مقال جميل
الفاضل الكثيري
الثلاثاء، 21-07-2020 05:36 م
مقال الحرية لسلطان العبدلي في غاية الاهمية لان الحرية هي كينونة لاتمارس خارج الأسوار ولا تدرك الا لمجرب القيود والاغلالى...فهي قيمة الحياة منذ خلقنا وادرك سيدنا عمر معناها فقال لاحد الولاة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرار وهي هبة الله لممارسة الحياة وبقدر حريتك تكون مسؤوليتك ... وتسقط الاعتبارات اذا فقدت الحرية فالحرية صنوا العدل ...وما أحوج بلادنا للحرية والعدل اذ من دونهما لا تقدم ولا كرامة ولا عزة ولا امان