قضايا وآراء

لبنان.. هل جاءت كلمة السر؟

محمد موسى
1300x600
1300x600

لبنان الواقع على خط المواجهة الأمريكية- الإيرانية وصلت حكومته الحالية إلى الاستنفاد المطلق، حيث وصل الدولار إلى حافة العشرة آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد.. ربطة الخبز زادت 25 في المئة، وأسعار السلع تحلق أعلى من سعر الدولار نفسه، حيث وصل التضخم إلى ما يقارب 363 في المئة، مترافقا مع ركود تضخمي حارق.

لقد أطلق القطاع الخاص صرخته المدوية، حيث بلغت البلاد مستويات هائلة من الإقفالات المتلاحقة لكبرى الشركات والوكالات الأجنبية، كل ذلك ممزوج مع أزمات متصاعدة تبدأ من الغاز النائم في مهب الريح، والمازوت المهرب والمختفي، وأزمة الأدوية التي تكاد تنتهي لا سيما للأمراض المزمنة، والتي تترافق مع إضراب يحضر للصيادلة.

إن اللبنانيين المتجهين إلى خط الفقر قد يفوقوا 75 في المئة، وبالتالي فإن حجم الذل الذي يلحق باللبنانيين يكاد يكون تدميرا ممنهجا لحياة اللبنانيين في مأكلهم ومشربهم، وضوء بيوتهم في عتمة النفوس المريضة والعجزة عن حلول جدية، ولقمتهم المغموسة بالذل، والقادم في مدرستهم وتعليمهم.

والسؤال المطروح بعد كل هذا الفشل على مختلف المجالات المحلية: أما آن للحكومة أن تستعد للرحيل، خاصة أن بعض السياسيين العالمين يؤكدون أنه إذا أكملنا على هذه الطريق فلبنان ذاهب إلى العصر الحجري؟

يغالي من يقول إن الحكومة نجحت في إدارة الأزمة، ولولا حلول فيروس كورونا لما صمدت الحكومة طويلا في ظل اتفاق دولي واضح على لفظ الحكومة الديابية جملة وتفصيلا.

لقد قال وزير الخارجية مايك بومبيو: "طلبنا من الحكومة اللبنانية أن تحترم إرادة الشعب اللبناني، والمساعدة الإنسانية التي تقدمها الولايات المتحدة هي من أجل دعمه"، في إشارة منه إلى ما أعلنته السفيرة الأمريكية دوروثي شيا عن مساعدة بقيمة 13.3 مليون دولار من ضمن مساعدات قدمتها الولايات المتحدة إلى مجموعة كبيرة من دول المنطقة والعالم. إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقديم دعم يبلغ 500 مليون دولار أمريكي في شكل مساعدات طارئة صحيا وإنسانيا واقتصاديا.

ثم أضاف: "إن الشعب اللبناني تظاهر في الشارع قبل وباء كورونا مطالبا بالشفافية والعدالة وإبعاد الفساد السياسي عن عمل الحكومة. وقد كنا واضحين في القول إننا على استعداد لمساعدة حكومة في لبنان مستعدة للتجاوب مع مطالب الشعب".

وأضاف: "إنه أمر غير طبيعي أن تمارس منظمة متهمة بالإرهاب نفوذا في الحكومة؛ يضر أو يؤثر سلبا على الشعب اللبناني. فلبنان بلد لديه تقليد طويل من العمل الديمقراطي، وهذه الديموقراطية هي ما يطالب به الشعب اللبناني. وبمقدار ما تظهر الحكومة تجاوبا مع مطالب الشعب عندئذ، فإن التحديات المالية التي يواجهها لبنان اليوم هي أمر سنأخذه بجدية وإلحاح كبيرين. ولن نقدم المساعدة نحن فقط، بل سنبذل جهدنا من أجل أن تفعل بالمثل دول في المنطقة، وكذلك دول أوروبية نحن على تشاور مستمر معها. سنكون هنا من أجل دعم لبنان حين تظهر الحكومة والقيادات اللبنانية استعدادا للتجاوب مع ما يطالب به الشعب اللبناني".

وبالتالي يبدو واضحا أن المسار التصاعدي غربيا لوضع لبنان في عنق الزجاجة على مختلف الصعد؛ مستمر حتى يأتي كلام جديد يلوح في الأفق يقتضي رحيل حكومة وحلول حكومة جديدة، ولكن دون ذلك عقبات في الداخل والخارج على حد سواء.

لبنانيا، فإن حزب الله لن يقبل رحيل الحكومة بطريقة مخزية ولن يرضى أن تسقط في الشارع، علما أن القادم من الأيام يوحي بأن الناس وصلوا إلى نقطة اللاعودة، حيث العجز عن كل شيء، وكأني باللبناني يموت في اليوم والليلة مئات المرات، وتاليا لا خيار ربما إلا الشارع. ولكن هل المعركة معركة استبدال أسماء؟

 

كذلك من الواضح الشرخ الحاصل بين المكونات التي تشكل موضع قوة لكل طائفة. فالسنّة بقيادة تيار المستقبل بمواجهة مفتوحة مع العهد والتيار الوطني الحر حتى النخاع، ويظهر ذلك في الغياب الأخير عن اجتماع بعبدا، وتاليا ما صدر عن مرجعيات السنة عن وجود فجوة واسعة وعميقة مع العهد وما يمثله.

كذلك، فإن الشيعة في لبنان طائفة مؤسسة ووطنية تعاني بمكان ما من محاولة البعض شيطنة الشيعة وتلبيسهم ثوبا غير ثوبهم، وكأنهم لبنانيون من نوع آخر، وفي ذلك تجن كبير. ولكن ما الحل في ظل الانقسامات الحاصلة؟

وفي الشارع المسيحي يتضح يوما بعد يوم أن الفجوة تكبر بين كافة المكونات، ويظهر ذلك في الانقسام على كافة المقاربات الكبرى، والذي تجلى أخيرا مع أزمة السفيرة الأمريكية، والحركة في التشكيلات القضائية والتعينات الأخيرة.

لذلك كان ملفتا في الأيام الأخيرة حركة سفيري أمريكا والسعودية في العلن وغيرهما في الغرف المغلقة، لمحاولة إخراج لبنان من عنق الزجاجة، ولكن ما هي الشروط القادمة للتفريجة قبل خيار الحرب الذي يلوح في الأفق وبقوة، حيث المجتمع الدولي الغاضب من كل شيء، وما تعثر مفاوضات صندوق النقد مع الحكومة و"خربطة" الأرقام، وعراك الحكومة وجمعية المصارف وحاكم المركزي اللبناني واستقالة مدير عام المالية؛ إلا مؤشرات لما يحضّر عند أول مفترق.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل التصعيد، وهو تصعيد يُتوقع لحدّته أن تشتد حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا سيّما مع منح حكومة الاحتلال الإسرائيلي تراخيص للتنقيب عن الغاز في بلوكات محاذية للبلوك رقم 9 المتنازع عليه، و"انتظار" السفن الإيرانية المحملة بالغذاء والمحروقات "ضوءا أخضر" من طهران للانطلاق باتجاه لبنان، فهل يحتمل لبنان استقبال السفن وقانون قيصر لا يزال سيفه مسلط فوق رقاب الجميع؟

لقد تعدّدت القراءات التي تناولت خطوة الاحتلال المفاجئة. ففيما حذّر البعض من مواجهة عسكرية وشيكة، وضع آخرون ما يجري في إطار الضغط على لبنان لاقتياده نحو طاولة المفاوضات، في ظل ظروف تتيح للاحتلال والوسطاء الأمريكيين إخضاع لبنان لتنازلات مقابل انتشاله من الأزمة. ولكن من يحتمل التنازلات؟ وهل صفقة القرن وتوابعها من ضمنها، مع ترسيم الحدود وفق الرؤية الأمريكية؟

بكلام واضح، خرج نائب رئيس مجلس النواب إلياس الفرزلي لتجهيز الأرضية ربما لعودة الرئيس الحريري في لحظة قادمة، ولكن لعودة الحريري أيضا شروط قد تكون تعجيزية لكل من في السلطة والمعارضة والشارع.

إن الناظر في الأرقام والمؤشرات والاستقالات المتوالية في المحيطين بالحكومة ومن إطار إعداد خطط الحكومة الاقتصادية والمالية، وكان آخرها استقالة مدير عام المالية ألان بيفاني، يرى أن السقوط قد يكون قادما، ولكن هل يكون السفراء المتنقلون يحملون كلمة السر في انتقال سلس لمرحلة جديدة تحمل حلولا؟!

إن الواقع مر أكثر من العلقم، لكن الأمل بالله أن تستيقظ الضمائر قبل وقوع المحظور، وقد وقع جزء منه للأسف. إن الشعب لا يحتمل الجوع ولا الإهانة ولا الحروب ولا الضغط أمام معادلة الموت أو الموت.

التعليقات (0)

خبر عاجل