هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن الزيارة التي أداها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى فرنسا، ليكون بذلك أول زعيم أجنبي يزور فرنسا منذ بداية تفشي فيروس كورونا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الوضع السائد في ليبيا كان الموضوع الرئيسي للمحادثات التي جمعت بين الزعيمين، وذلك بعد مرور أقل من أسبوعين على طرح البرلمان التونسي مشروع قانون يطالب فرنسا بالاعتذار من تونس والتعويض عن مخلفات الاستعمار.
وأضافت الصحيفة أن زيارة الرئيس التونسي التي استغرقت يومين نظمت بمبادرة من فرنسا. وحسب موقع "أفريكا إنتليجنس" الاستخباراتي، أراد الرئيس الفرنسي مناقشة ثلاث قضايا حاسمة مع نظيره التونسي خلال اللقاء الذي جمع بينهما: وهي الوضع في ليبيا، ومدى استعداد تونس للقمة الفرنكوفونية التي تأجلت بسبب مشاكل في الميزانية التونسية، واللائحة التي طرحت للتصويت في البرلمان التونسي وتلزم فرنسا بتعويض الشعب التونسي على سنوات الاستعمار.
وخلال هذا الاجتماع، أعلن ماكرون عن نية بلاده إسناد قرض بقيمة 350 مليون يورو لتونس لدعم اقتصادها المتضرر جراء الوباء. وحسب ماكرون، فإن هذا القرض لا يمثل سوى جزء من مبلغ يناهز 1.7 مليار يورو الذي تعهدت فرنسا بتقديمه لتونس حتى سنة 2022 بغاية تمويل مشاريع في قطاع الصحة وتوفير مواطن شغل.
اقرأ أيضا: المشري: القبائل ليست جهة سياسية وتجربة كابول لا تصلح لليبيا
وذكرت الصحيفة، نقلا عن موقع "أفريكا إنتليجنس" الاستخباراتي، أن الأموال المخصصة ليست سوى ثمن لكسب ولاء تونس، التي باتت حاليا في مرمى نيران تركيا وفرنسا في الصراع الليبي. بالنسبة لماكرون، باتت مواجهة النفوذ التركي المتنامي في ليبيا وشمال أفريقيا تمثل إحدى أهم قضايا السياسة الخارجية. وفي حين تعتبر فرنسا من الأطراف الداعمة لقوات حفتر، تقدم تركيا المساعدة العسكرية لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجولة الأخيرة من التوتر بين أنقرة وباريس جدت الأسبوع الماضي بعد أن منعت السفن الحربية التركية الفرقاطة الفرنسية من تفتيش سفينة شحن متجهة إلى ليبيا. وخلال مؤتمر صحفي بحضور الرئيس التونسي، اتهم الرئيس الفرنسي تركيا بممارسة "ألعاب خطرة" في ليبيا، مشيرا إلى أن فرنسا وتونس تطالبان معًا الأطراف المتدخلة في الصراع الليبي بوقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات.
بعد أحداث "الربيع العربي"، قدمت أنقرة دعمًا ماليًا كبيرًا للسلطات التونسية أملًا في توسيع نفوذها في شمال أفريقيا، التي كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وبناء على ذلك، أصبحت جزيرة جربة التونسية القاعدة الخلفية للمخابرات التركية، ويتم تسيير رحلات عبر مطارها المحلي من تركيا إلى ليبيا مع شحنات لأغراض مختلفة بشكل منتظم.
وأفادت الصحيفة بأنه قبل شهر، أصدر نواب الكتل البرلمانية الأربع بيانًا مشتركًا يطالب رئيس مجلس النواب وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي بعدم التدخل في السياسة الخارجية للبلاد؛ وذلك إثر تهنئته لحكومة الوفاق الوطني الليبي على الاستيلاء على قاعدة الوطية الجوية الواقعة بالقرب من الحدود التونسية.
في المقابل، يحاول الرئيس التونسي تجنب وضع نفسه في موقف يضطر فيه للاختيار بين باريس وأنقرة، بغض النظر عن الإغراءات التي يعرضها كلا الجانبين. كما أن عدم رضا جزء من النخبة العسكرية والسياسية التونسية، بما في ذلك قيس سعيد نفسه، عن تصرفات زعيم حركة النهضة التي تبدو كتدخل للتأثير على قضايا السياسة الداخلية والخارجية، يتطابق مع المصالح الفرنسية.
اقرأ أيضا: موقع فرنسي: ماكرون تعمد مهاجمة تركيا بحضور قيس سعيد
وبينت الصحيفة أن النقاش الذي دار منذ أسبوعين في البرلمان التونسي حول لائحة تطالب فرنسا بالاعتذار رسميا عن الماضي الاستعماري ودفع تعويضات ورفع السرية عن ملفات الأرشيف لتلك السنوات يثير قلق فرنسا. وقد بررت الجهات التي عارضت التصويت على اللائحة موقفها بأن ذلك يمكن أن يضر بالمصالح الاقتصادية لتونس في وضع تظل فيه فرنسا شريكها التجاري والمستثمر الرئيسي. ورغم عدم تمرير اللائحة، لا تزال باريس قلقة.
وعلى عكس تونس، يبقى مشروع القانون الذي يجرم السياسة الاستعمارية لفرنسا محط تركيز الجزائر المجاورة. وطوال السنوات الماضية، لم تعتذر باريس أبدًا لتونس والجزائر، على الرغم من أن تصريحات السياسيين تضمنت أيضًا اعترافًا بأخطاء الماضي الاستعماري.
ونقلت الصحيفة عن خبيرة مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أناستازيا فاسيلينكو، أن موقف تونس والجزائر مختلف تجاه فترة الاستعمار. بالنسبة للجزائر، كان النضال من أجل الاستقلال عنصرًا هامًا في تشكل الهوية الوطنية، وحتى الآن لا يزال الموقف من هذه القضية يؤثر على السياسة الداخلية، في حين لا تكتسي هذه القضية الأهمية ذاتها في تونس.