قضايا وآراء

المجتمع الرأسمالي المسلح في الولايات المتحدة

هاني بشر
1300x600
1300x600
في شباط/ فبراير الماضي، كان المواطن الأمريكي من أصول أفريقية أحمد أربيري يجري في حديقة عامة في مدينة برونزويك بولاية جورجيا، قبل أن يعترضه رجلان أبيضان ثم يطلقان عليه الرصاص فيرديانه قتيلا. الرجلان قالا للشرطة إنهما ظنا أن أحمد أربيري لص يجري أو يهرب من مشكلة ما. القضية لا تزال منظورة أمام القضاء الأمريكي، وهي نقطة في بحر العنف المتبادل في الولايات المتحدة بين كثير من مكونات المجتمع الأمريكي، وليس بين ذوي البشرة البيضاء والسمراء فقط.

وفي سياق هذا العنف الأهلي العام يمكن أن نفهم كيف يطأ شرطي على رقبة المواطن من أصل أفريقي جورج فلويد بولاية مينيسوتا، لأنه لم يفعل ذلك بدوافع عنصرية فقط، بل فعلها بثقافة الشرطي ذي السلطة في مجتمع مسلح. وإننا نظلم قضايا الأمريكيين من أصول أفريقية بإحالتها لمشكلة العنصرية فقط، من دون إدراك الثقافة الرأسمالية المسلحة التي يعيش فيها هؤلاء.

فمن ناحية يضمن الدستور الأمريكي للجميع حق حمل السلاح، وهو أمر جرّ على البلاد والعباد ويلات عديدة جراء الذين فقدوا حياتهم بسبب الاستخدام غير الرشيد لهذا السلاح، والذي راح ضحيته أطفال وكبار بأعداد مهولة. بل إن هناك ولايات لا تشترط استصدار ترخيص لحمل السلاح، مثلما هو الحال في ولاية تكساس.

إن وجود عشرات الملايين من قطع السلاح في يد الناس في الولايات المتحدة هو مجرد تعبير عن ثقافة صراع تاريخية مترسخة في البلاد، عززتها القيم الرأسمالية في صورتها التنافسية الصراعية. وفي هذا الإطار يمكن أن نستوعب نقد المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري لثقافة المجتمع التعاقدي في الولايات المتحدة، كنموذج للعلاقات التعاقدية في المجتمعات الحديثة مقابل العلاقات التراحمية في المجتمعات التقليدية القديمة.

ولا يمكن أن تكون هناك أفضلية لأي من النموذجين بشكل مطلق، ولكن تصلح هذه النظرية لفهم العلاقات البشرية والاجتماعية في مجتمع الوفرة المالية؛ حين تنخفض معدلات التعاطف وترتفع معدلات التنافس وتنتشر آلات القتل بين الناس.

ولهذا، فإن كثيرا من المجتمعات الحديثة أعادت التفكير في جدوى السلاح في يد الشرطة ونزعته منها، مثل بريطانيا والنرويج. فضابط الشرطة في هذه البلاد لا يحمل سلاحا، مع استثناءات قليلة في بعض الأماكن مثل البرلمان. وتعتمد هذه البلاد على نظرية ترى أن نزع السلاح من يد السلطة والشعب يخفض تلقائيا من معدلات الجريمة، وذلك لأن السلاح في يد الإنسان يغويه على استخدامه. فوفقا للكثير من الدراسات العلمية فإن هناك نشوة للقتل، الأمر الذي يفسر سلوك السفاحين والقتلة وجماعات العنف. وهناك صعوبة للفصل بين السلوك المهني للضابط الشرطة والسلوك النفسي الراغب في الانتقام أو الغضب.

يعرف الأمريكيون هذه النظريات وهذه التجارب، وهناك حملات كثيرة ضد فوضى حمل السلاح تلك. وللأسف كل هذه الحملات ليست بأقوى من جماعات الضغط والمصالح المستفيدة ماليا من تجارة السلاح، والتي تضغط بشدة من أجل إبقاء الوضع كما هو عليه رغم كل هذه الكوارث.

ومن المصادفات الغريبة في الحالة الأمريكية المليئة بالمتناقضات؛ أن جامعة مينيسوتا التي تقع في الولاية ذاتها محل مقتل فلويد، هي التي توفر مكتبة الكترونية مجانية لوثائق متعلقة بحقوق الإنسان بعدة لغات، منها اللغة العربية. وهي مصدر مهم للراغبين في الاطلاع على عديد من وثائق الأمم المتحدة في هذا الشأن، منها دليل الشرطة للتدريب على حقوق الإنسان وإنفاذ القانون الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بالإضافة لدليل هام آخر صادر عن المفوضية ذاتها حول تدريس مبادئ حقوق الإنسان، ويشتمل على أنشطة عملية للمدارس الابتدائية والثانوية.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (1)
هذا تمييع لجريمة قتل!
الأحد، 31-05-2020 08:47 م
لا أقبل بهذا التمييع لجريمة قتل وحشية عنصرية صارخة لم يستخدم فيها ضابط الشرطة السلاح بل ظل يضغط بركبته على رقبة الضحية حتى مات دون أن يأبه لتوسلاته بأنه لا يستطيع التنفس. القضية عنصرية بامتياز، ومن عاش في امريكا وبتابع مجريات الأمور فيها يدرك ذلك إدراكاً مباشراً. بل هذا المقال فيه تشتيت لانتباه القارئ عن الحقيقة التي هي العنصرية التي تسببت في إزهاق أرواح ثلاثة أبرياء من السود الأمريكيين في نحو أسبوع من الزمان. زد على ذلك أن النيابة رغم القتل العمد المسجل بالفيديو لم توجه إلا تهمة "القتل غير العمد من الدرجة الثالثة" لكي تضمن عدم توقيع عقوبة رادعة على الضابط الأبيض القاتل الذي لم يُقبض عليه إلا بعد الجريمة بأربعة أيام. السود لا يزالون يعامَلون في أمريكا معاملة العبيد. وعلى الكاتب أن يفهم ذلك جيداً.