هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تزايد الحديث من أطراف تونسية مختلفة التوجهات مؤخرا، عن مساعي لـ"ثورة مضادة"، وحملات مشبوهة، وشبكات تحاول إدخال البلاد في المجهول، والفوضى العارمة، وإحداث إرباك من خلال الأزمة الصحية، وتحديدا جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
وبدأت مجموعات تحشد عبر صفحات "مشبوهة"
وبيانات سرية، تحت مسميات "هيئة الإنقاذ"، وأطلقت تصريحات صوتية تدعو
للقتل وحل البرلمان، وتغيير نظام الحكم، وتكليف الجيش بتسيير البلاد، وترسيخ الحكم
الذاتي عبر الديمقراطية المباشرة.
دعوات الفوضى طرحت شبهات كثيرة حول مجموعات مقربة من
الرئيس التونسي قيس سعيد، والتي ساندتها، ما طرح نقاط استفهام كبيرة، في ظل غياب
توضيح رسمي من رئاسة الجمهورية.
استهداف البرلمان
بدوره، قال النائب وعضو المكتب السياسي لحركة النهضة
السيد الفرجاني في تصريح لـ"عربي21" إن "الأطراف التي تدعو للفوضى أصدرت
بيانات، فنحن لا نتحدث عن تفكيك أو تفسير، ومن يقف وراء الأمر معروف ويتكلم حتى بقرابة
من رئاسة الجمهورية، وعلى الرغم من أن التصريح القريب من الرئاسة يقول إنه لا علاقة
لقيس سعيد بمن يقف وراء البيانات الداعية للفوضى، ولكن كان الأجدر أن يخرج الرئيس سعيد
ويوضح أكثر باعتباره من يحمي الأمن القومي للبلاد".
ورأى الفرجاني أن "من يقف وراء دعوات الفوضى يهددون
أمن البلاد ويوجهون دعوة للأمن والجيش بالانضمام إلى مجموعة سياسية، وفيهم حتى من تحدث
مباشرة على الشاشة ودعا إلى القتل والدم"، مؤكدا أن العملية تستهدف أساسا البرلمان،
"لأن النظام شبه برلماني".
وتابع: "أنا شخصيا أرى أن الإمارات وبعض الأطراف
لها معركة إقليمية داخل ليبيا خسرتها، تريد أن تعوض ذلك بشيء ما في تونس ولكن لن يكون
لهم ذلك"، مشددا على أنه "لا وجود لأزمة بين حزبه والرئيس قيس سعيد، بل توجد
أطراف تتحرك ضد الأمن القومي وتصدر بيانات وتتكلم عن الدم، وفيها حتى عناصر تنسب نفسها
لقيس سعيد، لذلك عليه التدخل، ونحن لا نريد أن نصل إلى مرحلة أن تضرب مؤسسات الدولة
بعضها البعض".
اقرأ أيضا: "النهضة" تحذر من حملات مشبوهة تدعو للفوضى بتونس
من جهته، قال النائب عن ائتلاف الكرامة (معارض للحكومة)
يسري الدالي في تصريح لـ"عربي21": "نعم نحن نتابع عن كثب الأمر
(..)، ما ألاحظه هناك دعوة للفوضى تتضمن ثلاثة أطراف، يدعون لإسقاط البرلمان والحكومة،
وسحل النواب أساسا"، بحسب تعبيره.
وتوضيحا لهذه الأطراف، قال الدالي إنها "ممثلة
أولا بأنصار التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب المخلوع بن علي)"، مؤكدا
أننا "نعرفهم جيدا وبالأسماء، ودعوتهم أساسا حل المجلس والحكومة، وفيهم حتى
من يتكلم باسم الرئيس قيس سعيد ويحركون المشاعر باسمه".
وأشار إلى أن الطرف الثاني متمثل في جماعة
"اليسار الفوضوي"، مبينا أنهم أصدروا بيانا داخليا، وبينهم ملحدون
ويعملون على التفرقة الجهوية والعرقية، وينادون بثورة "بولشفية" (ثورة
جياع)، ويتحدثون باسم حقوق الإنسان والمجتمع المدني، منوها إلى أن الطرف الثالث
يتمثل بالصفحات الداعمة لقيس سعيد، والتي عملت معه خلال انتخابات الرئاسة.
من جهته، قال النائب عن حركة الشعب (مساندة للحكومة) خالد الكريشي لـ"عربي21" إن "دعاة الانقلاب على الشرعية الدستورية والقانونية المجهولين
اسما وصفة، وعلى نتائج الصندوق الانتخابي؛ يستغلون الحرب على كورونا لافتكاك السلطة،
ولم يمر على مباشرة الحكومة لمهامها سوى شهرين فقط"، متسائلا: "هل يمكن القول
بكل موضوعية وصدق أن أداء هذه الحكومة ضعيف وهي حكومة فاشلة، ما يبرر الدعوة إلى إسقاطها،
والحال أنها لم تستكمل المئة يوم؟".
وطالب الكريشي دعاة الانقلاب إلى "انتظار موعد الانتخابات
التشريعية والرئاسية 2024 وألا يضيعوا وقتهم في مغامرات غوغائية فاشلة، تستنفد قواهم
دون أي نتيجة تذكر، والاستعداد في مقابل ذلك إليها جيدا بخدمة الشعب".
نقاط استفهام
من جانبه، استنكر بشدة النائب عن حركة النهضة السيد الفرجاني
غياب دور الجهات المسؤولة، قائلا: "لم نر النيابة العمومية تتحرك، ولا الأمن
أوقف هؤلاء وهذه نقطة استفهام غير عادية"، مستدركا القول: "في نفس الوقت
لنا ثقة في الأمن والقضاء والدولة، لأن من يقف وراء الدعوات يعيش في حالة مراهقة وشعبوية
لا يؤمنون بالدولة، والبلاد تعيش في وضع صعب نتيجة جائحة كورونا ونحن نحتاج إلى العمل".
وفي سياق متصل، دعا النائب يسري الدالي الحكومة
ووزارة الداخلية والعدل والنيابة العمومية إلى التحرك بصفة عاجلة، لتطبيق القانون،
وفرضه لمواجهة دعوات العنف والقتل والدم، وكل من له علاقة بالفوضى.
توظيف برنامج الرئيس
وفي الموضوع ذاته، يرى الباحث الأكاديمي زهير إسماعيل
في حديث لـ"عربي21" أن "صفحات أحزاب المنظومة والصفحات المحسوبة على
الثورة المضادة في رافدها الخليجي (الإمارات) تتطاول على مؤسسات الدولة والأمن الوطني
والمنظومة الديمقراطية ومؤسساتها، مع دعوة صريحة لإلغاء الدستور والانقلاب والعنف والخروج
إلى الشارع واعتبار حكومة الفخفاخ مجرد ترويكا 2"، بحسب وصفه.
وتابع إسماعيل: "ما يلفت الانتباه أنّ هذا التوجه الانقلابي يتوسل بتصور الرئيس سعيّد للمسألة السياسية، ويستدعي معجمه وبرنامجه في الديمقراطية المباشرة، ولكن يبدو أنّ هذا مجرد تمويه وتوظيف لشعبية الرئيس سعيّد، وإبعاد الشبهة عن المنظومة وخطابها الهجين المعروف، ويبدو مثل هذه حركات فوضى هدامة لا تجد صداها، وهو غير بعيد عن أن يكون محاولات استباقية لوضع حفتر في ليبيا، والذي يمهد لانهيار المشروع الإماراتي في المنطقة كلها (..)، فعسى بلبلة في تونس تعيد توازنا للمترنح في ترهونة"، وفق قوله.
ومن ناحية أخرى، ذكر إسماعيل أن "مثل هذه الترتيبات
الانقلابية مرتبطة بتصريحات بعض وزراء الحكومة عن ملفات فساد كبيرة يستعد للتصدي
لها، ومنها حديث وزير الصحة عبد اللطيف مكي عن وجود دولة عميقة داخل الدولة، تتحرك
بطريقة ممنهجة لإرباك سياسة الحكومة".
وتوقع الباحث الأكاديمي أن تشهد الأسابيع القادمة
أوضاعا حاسمة في تونس، سواء على صعيد "كسر نسق الوباء"، أو إبطال
محاولات إيقاف المسار الديمقراطي وتعطيل الإصلاحات العميقة.