هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع استمرار انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد
"كوفيد-19"، هناك حاجة إلى معرفة سير الأوبئة عبر التاريخ الإنساني،
بحسب ما ذكر أستاذ الأحياء الدقيقة بالجامعة الإسلامية عبد الرؤوف المناعمة.
وفي حديثه لـ"عربي21"، يشير المناعمة
إلى أن الأوبئة عبر التاريخ أخذت مسارات مختلفة، يمكن حصرها في أربعة مسارات مختلفة:
1. الاستئصال السريع
وفقا لهذا المسار، ترتفع أعداد المصابين بالمرض
ثم تنخفض إلى الصفر انتهاء كاملا.
وفي هذه الحالة، فإن الفيروس
يبدأ في الانتشار، مما يتسبب في زيادة سريعة في عدد الحالات المصابة.
يحدث بعد ذلك أن أجسام الأشخاص الذين يشفون من المرض تطور
مقاومة أو مناعة يصبحون بها محصنين على الأقل لفترة زمنية معينة.
أما الأشخاص المصابون حديثا سيستمر تزايدهم بالتزامن مع هؤلاء الأشخاص الذين باتوا محصنين من المرض.
تكون هذه الآلية مناعة عامة ضد المرض، وتتسبب في إبطاء
النمو السريع الأولي إلى أن يتوقف الوباء نهائيا، بوصول الحالات المصابة إلى الصفر.
حدث ذلك في فيروس إنفلونزا 1918 بعد أوائل عشرينيات القرن الماضي، والذي انتهى، بسبب أن عددا كافيا من الأشخاص أصبحوا محصنين ضده.
2. الاستئصال البطيء
يرتفع منحى الإصابات في هذا الوباء، ثم ينخفض تدريجيا
على فترة طويلة من الزمن، حتى يصل إلى الصفر.
يعتبر مرض الحمى القلاعية، الذي يصيب الأغنام والماشية،
نموذجا على وباء سلك مسار الاستئصال البطيء، حيث تتصاعد العدوى، ويستغرق الأمر
وقتا طويلا في القضاء عليها.
في هذا المرض، تم حصر
تفشيه في المملكة المتحدة في عام 2001 بعد محاصرته في الجزر المحلية من خلال حظر
حركة الحيوانات، ثم تم القضاء عليه عن طريق الإعدام الجماعي للحيوانات المصابة. لكن
الأمر استغرق وقتا طويلا وتكاليف باهظة لإنهائه بالكامل.
3. الاستمرار على نحو منخفض
من المستحيل القضاء على بعض الأمراض حتى على المدى الطويل، وفي هذه الحالة، يستمر المرض بعد تفشيه الأول، ولا يمكن أن يصل عدد المصابين هنا إلى مستوى صفر.
في هذا المسار ترتفع
أعداد المصابين، ثم تنخفض قليلا، ويستمر معنا طوال الوقت، كما هو الحال مع
الإنفلونزا الموسمية التي تظهر في الشتاء، وتختفي في الصيف.
كما تعتبر أمراض الجدري
والحصبة من الأوبئة التي بقيت تظهر من حين لآخر بأعداد محدودة، مع أن ظهورها في
البداية تسبب بمقتل الكثيرين خاصة في أمريكا الشمالية أواخر القرن الخامس عشر
وأوائل القرن السادس عشر، واستمرت على نحو أقل في القرن العشرين، ولا تزال تظهر
بأعداد محدودة.
4. أوبئة متكررة
هنا المسار يكون متذبذبا، بحيث يرتفع ثم ينخفض إلى فترة زمنية معينة، ثم يعاود الارتفاع وينخفض ويبقى بهذه الآلية.
كانت أوبئة الحصبة الكبيرة، قبل أن تتوافر اللقاحات، تحدث كل سنتين
أو ثلاث سنوات، يتخللها انتشار أقل حدة للمرض.
سبب هذا النمط المتكرر هو ولادة أطفال لم يأخذوا اللقاح،
أما مع التطعيم الجماعي للأطفال، فقد تم إبطاء هذا الانتشار بما يكفي لخلق مناعة القطيع،
ونكاد نقضي على المرض.
ماذا عن فيروس كورونا؟
بناء على التجارب الماضية في تفشي المرض، تحاول الحكومات عبر الجمع
بين التباعد الاجتماعي وإغلاق الحدود وعزل الحالات والاختبار وزيادة الحصانة بين
السكان إلى إبطاء انتشار الفيروس التاجي، وبطبيعة الحال هذه الإجراءات متباينة بين
الدولة، ما يعني أننا سنكون أمام نتائج مختلفة في انحسار المرض.
لا يمكننا التنبؤ بالمسار الذي سيكون عليه الفيروس
المستجد، لكن تجربة البشر مع مثل هذه الأوبئة أنها قد تمتد إلى
فترة طويلة، وخلالها نتعلم كيفية التعايش معها بالتدريج ومن ثم التقليل من آثارها المدمرة.
احتمال استمرار المرض لوقت طويل يعود إلى الانتشار
الواسع للفيروس في معظم بلدان العالم، وبسبب غياب لقاحات أو علاجات ناجعة، فأي لقاح
لا يمكن إنتاجه قبل عام أو عام ونصف، كما أن احتمالات تمكن الباحثين من إنتاج لقاح
تبقى احتمالات مفتوحة، بسبب طبيعة الفيروس، وربما لا يصلح التطعيم في الوقاية من المرض.
نحن لا نزال لا نعلم الكثير عن طبيعة الفيروس أو
سلوكه، وتتراكم الأبحاث حاليا، ومع الوقت يؤدي ذلك إلى فهم أعمق، وبالتالي يصبح لدينا
فرص أفضل في مكافحة وعلاج هذا الفيروس.