نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافية فيفيان لي من بيروت، تقول فيه إنه مع تفشي
فيروس كورونا وتأثيره على الحياة، بدا أن هناك حاجة لمباركة البلد بكاملة، فصعد قسيس في طائرة صغيرة ومعه مبخرته وطاف حول لبنان ليباركها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه قبل صعوده إلى الطائرة، سأل جندي على حاجز المطار القس مجدي علاوي، الذي ينتمي للطائفة المارونية الكاثوليكية، إن كان لديه كمامة ومعقم يد، فرد عليه القس قائلا: "المسيح هو حمايتي ومعقمي".
وتقول لي: "يبدو أن الدين هو المصدر الأول للراحة بالنسبة لمليارات الناس الذين يحاولون التعامل مع وباء لم يجد له العلماء ولا الرؤساء ولا العالم العلماني إلى الآن أي أجوبة، ومع قلة توفر المعقمات، وقلة توفر القيادة، فإن الخشية من فيروس كورونا جعلت المؤمنين في أنحاء العالم أكثر قربا من الدين والطقوس الدينية".
وتستدرك الصحيفة قائلة إن ما هو جيد للروح، قد لا يكون دائما جيدا للجسد، مشيرة إلى أن هؤلاء المؤمنين يخالفون تعليمات السلطات الطبية بخصوص الحظر على التجمعات للحد من انتشار الفيروس، فتعد التجمعات حجر الزاوية لكثير من الطقوس الدينية، وأدى هذا الحماس الديني أحيانا إلى بحث الناس عن علاج لا يعتمد إلى قواعد علمية، وجذبهم في أحيان أخرى إلى أماكن مقدسة أو طقوس قد تساعد على زيادة خطورة الإصابة.
ويلفت التقرير إلى أن راهبا بوذيا في ميانمار ادعى بأن حبة ليمون وثلاثا من نواة النخيل، تعطي الشخص المناعة التي تلزمه، وفي إيران تم تصوير عدد من الزوار يلعقون قضبان المزارات الشيعية لاكتساب مناعة من الإصابة بالفيروس، وفي تكساس بث المبشر الإنجيلي كنيث كوبلاند التبشير التلفزيوني بالعلاج عن بعد، وبث حلقة له ويده ممدودة وترتعش مدعيا أن بإمكانه شفاء المؤمنين من خلال شاشاتهم التلفزيونية.
وتعلق الكاتبة قائلة: "يبدو أن الطقوس الدينية أصبحت أكثر أهمية في وقت تحاول فيه السلطات الدينية تقييدها".
وتذكر الصحيفة أن الصيدلاني المصري أحمد شعبان، الذي يبلغ من العمر 31 عاما، سافر هذا الشهر إلى السعودية للعمرة، حيث يزورها ملايين المسلمين كل عام ويتوقفون لتقبيل الحجر الأسود.
وينقل التقرير عن شعبان، قوله: "في أوقات الشدة والخوف والفزع.. إما أن تفكر (كيف يمكن أن يفعل الله بنا ذلك؟) أو أن تفر إليه للحماية والهداية، كي تفهم ما يحصل".
وتنوه لي إلى أنه في اليوم الذي كان من المفترض أن يقوم فيه شعبان بالعمرة علقت الحكومة السعودية الزيارات لمكة والمدينة كلها حتى إشعار آخر، مشيرة إلى أن المسجد الأقصى أغلق هذا الشهر أبوابه أمام المصلين، وهو ما يجعل أقدس ثلاثة
مساجد للمسلمين مغلقة.
وتفيد الصحيفة بأن تفشي فيروس كورونا في كوريا الجنوبية نسب إلى كنيسة هناك، فيما نسب في ماليزيا لمسجد اجتمع فيه 16 ألف مصل، وفي نيو روتشيل في ولاية نيويورك إلى كنيس يهودي أورثودوكسي.
ويستدرك التقرير بأن "التباعد الاجتماعي سيشعر المؤمنين بالبعد عن الله، فكيف يمكن أن يصلي المؤمنون دون تناول القربان المقدس في وقت قد تكون فيه الكأس هي ناقلة العدوى؟ وكيف يمكن للمرء الشعور بدفء العبادة في جماعة من خلال صلوات تبث على التلفاز؟".
وتشير الكاتبة إلى أن رجال الدين يسعون إلى توجيه الناس إلى الطاقة الذاتية الداخلية، فطلب الحاخام ديفيد لاو، الحاخام الأكبر لطائفة الأشكيناز (اليهود الأوروبيين) من اليهود أن يسبحوا مئة مرة في اليوم، كما فعل الملك داود عندما واجهه مرض الطاعون، أما الحاخام الأكبر لليهود السفارديم "المنحدرين من اليهود الذين عاشوا في الأندلس"، إسحاق يوسف، فحث اليهود على "الدعاء لله العظيم بأن يوقف تفشي الوباء، وأن ينتقل من عرش الحكم إلى عرش الرحمة".
وتذكر الصحيفة أن بابا الأقباط، البابا تواضروس الثاني، قال إن الوباء هو دعوة للتوبة، وأضاف: "إن كانت هناك خلافات بين الناس.. فالآن هو وقت المصالحة".
ويجد التقرير أنه في عالم تحطم فيه الكثير من الروتين، فإنها الطقوس ذاتها هي التي يفتقدها الكثير.
وتورد لي نقلا عن مونيكا مدحت، (26 عاما)، وهي مديرة لمصنع خمر في مصر وتنتمي إلى الطائفة القبطية، قولها: "اتخذت بعض الإجراءات الاحتياطية في حياتي بشكل عام ضد الفيروس، لكن القربان المقدس هو جسد ودم الرب.. لا يمكن الإصابة بأي عدوى"، مشيرة إلى أن إيمانها تعمق في هذه الأوقات، وأضافت: "أنا اعتقد أن كل شخص سيموت في الوقت الذي كتب له فيه الموت.. ليس مهما إن كان ذلك من فيروس أو حادث سيارة، ليكن الله في عوننا".
وتقول الصحيفة إن الناس ربما نشروا الفيروس وهم لا يعلمون باسم التقوى، مستدركة بأنه بالرغم من فرض نيويورك منعا على التجمعات الكبيرة، إلا أن عدة أعراس أقيمت في التجمعات اليهودية الحسيدية، التي صدرت عنها تقارير بزيادة حالات الإصابة بالفيروس في الأيام الأخيرة.
ويلفت التقرير إلى أن إيران تعد إحدى أكثر الدول تأثرا بالتفشي، وتحتوي على عشرات المزارات الشيعية التي بقيت مفتوحة أمام الزوار لأسابيع بعد أن تسبب فيروس كورونا بإحداث صدمة في البلد، مشيرا إلى أنه عندما رضخت الحكومة في النهاية لمناشدات المسؤولين الصحيين وأغلقت أهم مزارين في قم ومشهد، فإن الحشود قامت يوم الاثنين بكسر الحواجز للدخول للمزارين وهم يهتفون: "الرئيس مخطئ في فعل ذلك (الإغلاق)".
وتنوه الكاتبة إلى أن الهند رفضت إلغاء الاحتفالات السنوية التي تبدأ يوم الأربعاء تكريما للإله رام، والمعروف أيضا باسم راما، وفي الظروف العادية يحضر هذه الاحتفالات في أيودها، التي تقع في ولاية أوتار براديش في شمال الهند، ويعدها الكثير مسقط رأس راما، مليون شخص، مشيرة إلى أن الولاية طلبت من الأتباع أن يحتفلوا في بلداتهم هذا العام، لكن منظمي الاحتفالات مستمرون في الإعداد لها.
وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم مجموعة فيشفا هندو باريشاد، فينود بانسال، قوله: "يحصل الناس على فرصة استراق نظرات للرب راما.. وليس من المناسب حرمانهم من هذه الفرصة".
ويستدرك التقرير بأن الكثير من الأديان بدأت تتأقلم مع الواقع الجديد، فبيوت العبادة مغلقة أو فارغة، والمياه المقدسة ترش من الزجاجات الفردية بدلا من جرن التعميد، وتم إلغاء صلاة الجمعة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، فيما يطلب المؤذنون في الضفة الغربية والكويت من الناس الصلاة في بيوتهم.
وتقول لي إن هذا الأسبوع سيكون الرابع دون صلاة جماعية في الكنائس في أنحاء إيطاليا، إلا أنه في مدينة باليرمو في صقلية بقيت كنيسة القديسة روزاليا الجبلية، التي يعتقد أنها أنقذت باليرمو من الطاعون عام 1625، مفتوحة.
وتشير الصحيفة إلى أنه بحسب القيود الحكومية الحالية فإنه يمنع على الإيطاليين مغادرة بيوتهم عدا في حالات الطوارئ، لافتة إلى أن القس جيتانو سيرافولو، الراعي الرئيسي للكنيسة، قال إن حوالي 40 حاجا جاءوا الأحد الماضي إلى الكنيسة، حيث صلوا لوقت قصير مع ترك مسافة بينهم.
ويورد التقرير نقلا عن فرانسيسكو تراموتو، وهو عضو في المجموعة التي تحمل آثار القديسة عبر مدينة باليرمو على مدى ثلاثة قرون، قوله: "بالنسبة لنا فهي صديقة ومرجعية نرجع إليها.. غيرنا قد يكرس نفسه لمريم العذراء، لكن بالنسبة لباليرمو فإنها (القديسة روزاليا) الخبيرة في الأوبئة".
وتفيد الكاتبة بأنه في إسرائيل سعت الأديان السماوية كلها لاستيعاب المصلين دون تعريضهم للخطر، فتم تقسيم الحائط الغربي إلى مناطق صغيرة للصلاة لمنع تجمع مجموعات كبيرة، وقامت المعابد اليهودية بالصلاة بجموع أقل، وطلبت من ذوي المناعة الأقل البقاء في بيوتهم، فيما أغلقت الكنائس في الضفة الغربية، وسمح في المسجد الأقصى للمسلمين بالصلاة فقط في الساحات.
وتذكر الصحيفة أن الإنترنت قدمت طريقة لصلوات معقمة في البيوت، حيث تم نقل صلاة البابا نقلا حيا، وكان هناك طقس حرق في معبد كنبوسن-جي في اليابان للقضاء على الفيروس، وقدمت كنائس كوريا الجنوبية صلاة عبر "يوتيوب" لأول مرة.
وبحسب التقرير، فإن ما أزعج الزعامات الدينية في كوريا الجنوبية، الذين استمرت صلواتهم خلال الاحتلال الياباني وخلال الحرب، هو أن صلواتهم كانت موضوع تدقيق؛ لأن معظم 8800 حالة إصابة تعود إلى تجمع كبير لكنيسة غير تقليدية في مدينة دايغو في جنوب شرق البلاد.
وتنقل لي عن كيم جاونغ-جا (58 عاما)، الذي لا ينتمي إلى كنيسة معينة لكنه يصلي في كنائس سول، قوله: "أنا حزين جدا لأن مكان الصلاة والسلوان أصبح مكانا للخوف.. لا أدري كم سيبقى هذا الأمر، فالصلاة على الإنترنت ومشاهدة (يوتيوب) ليست كالذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد".
وتبين الصحيفة أنه "وسط هذا الخوف من فيروس كورونا فإنه لا بد أن البعض سيفسر انتشار هذا الوباء على أنه رسالة مقدسة، إلا أن ما تحتويه هذه الرسالة هو أقل وضوحا".
ويلفت التقرير إلى أن "بعض المسلمين المصريين عبروا عن تأكدهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن الله يعذب البلدان غير المسلمة بانتشار الفيروس لديها، ومن الواضح أنهم لا يعلمون أن هناك 200 حالة مسجلة في مصر، وربما الكثير من الحالات التي لم تسجل.
وتقول الكاتبة إن بعضهم سعى للحصول على علاجات أرضية ملهمة من قوى أعظم، فظهر فيديو الأسبوع الماضي لناشطين هندوس في الهند يشربون بول البقر للحصول على المناعة من فيروس كورونا، وفي المستشفى الحكومي في لبنان، حيث يتم علاج المصابين بالفيروس، وصلت امرأة تحمل معها خليطا من الماء المقدس والتراب الذي جمع من قبر مار شربل، الذي يقدسه المسيحيون اللبنانيون، وقيل إن بعض المسيحيين يشربون محاليل شبيهة كإجراء وقائي.
وتذكر الصحيفة إن إدارة المستشفى قامت بإجراء فحوصات على التراب، ووجدت أنه من غير المحتمل أن يتسبب لهم بأي ضرر، ووافقت على إبقائه إن وجد المرضى ذلك مريحا، وقال أحد المسؤولين في المستشفى: "من يكونون ليحكموا؟".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول: "على أي حال فإن هناك حاجة لمعجزة الآن".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)