قضايا وآراء

العقل الاستراتيجي وإدارة أزمة "كورونا" بمصر

أحمد عمران
1300x600
1300x600

في ضوء ما تعيشه الدولة المصرية من أزمات مصيرية عدة، وأخطرها على الإطلاق أزمات فيروس كورونا المستجد، وسد النهضة، والأزمة المالية العالمية المرتقبة، تجدر الإشارة إلى أهم مشكلة تواجه اتخاذ قرارات رشيدة وفعّالة، خاصة في إدارة أزمة كورونا، وهي مشكلة نقص المعلومات وندرتها رغم كونها تمثل حجر الأساس لإدارة هذه الأزمة المصيرية بشكل علمي.

ومن هنا أطرح تصورا مختصرا لنظام دعم قرار أو ما يمكن أن نطلق عليه "العقل الاستراتيجي الجمعي لإدارة أزمة كورونا في مصر". وهذا الطرح جاء من منظور تخصصي العلمي، والتجارب الدولية التي شاركت فيها أو اطلعت عليها، وبعيدا عن أي خلافات سياسية مع القيادة الحالية، والتي لن تمنعنا كأبناء للوطن من المشاركة في إيجاد بدائل وحلول لهذه الأزمة المصيرية.

ويقوم هذا العقل الاستراتيجي على قاعدة تعظيم الموارد المتاحة وإدارتها بشكل علمي، والاستفادة من الخبرات الوطنية والنماذج التحليلية الكمية والكيفية. ويتم من خلاله التشبيك البيني بين مجهودات الحكومة وأدواتها وإمكاناتها مع إمكانيات المجتمع المدني ورجال الأعمال وخبراء المجال.

ويستند هذا العقل الاستراتيجي علميا على منهجيات وأدوات التخطيط الاستراتيجي في فهم وتحليل المشكلة، وتقييم الوضع الراهن، وطرح السيناريوهات المستقبلية والبدائل المتعلقة بكل سيناريو وتقييمها، ومحاكاة تطبيق هذه البدائل ثم الخروج بتصميم لمؤشرات ذكية وسياسات عامة وأولويات تستقي قوتها من معارف الخبراء والمستشرفين، وكذلك الدروس المستفادة من التجارب الدولية.

 

وتتكامل هذه المعارف مع أدوات وتقنيات متقدمة من تكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والنماذج الرياضية، وعلوم البيانات. ويشتمل النظام على مكونين ثابتين، وهما المكون الأساسي التنسيقي، والمكون الفرعي التنفيذي.

والمكون الأساسي التنسيقي يقوم بتفعيل دور مؤسستين هامتين في دعم القرار الوطني، وهما مركز معلومات مجلس الوزراء، وجهاز التعبئة العامة والإحصاء، وتعظيم دورهما الأساسي في إدارة المنظومة التقنية، والموارد المتاحة للعقل الاستراتيجي الجمعي المُقترح، وتشتمل المنظومة التقنية على تدشين الشبكة القومية لإدارة أزمة كورونا بما تشتمله من قواعد المعلومات الجغرافية الدقيقة عن كل ما يتعلق بالإمكانيات المادية والمستشفيات والإمكانيات البشرية لكل وحدة صحية على مستوي الجمهورية، وإمكانيات وموارد المجتمع المدني في هذه المنطقة، كذلك قواعد معلومات الحالات المنتشرة بأنواعها المصابة والمتوفاة والمخالطين أو التي تم شفائها بكل تفاصيلها العمرية والمرضية والمكانية والزمانية في كل منطقة على حدة.

وهناك قواعد المعلومات الخاصة بالمؤن والسلع الغذائية، وتوزيعها على مستوي الجمهورية، وأخيرا قواعد المعلومات المعرفية التفاعلية للخبراء والتوصيات والإرشادات الطبية والمجتمعية والثقافية العامة والمتخصصة.

ويشتمل المكون التنسيقي للعقل الاستراتيجي على عدّة وحدات، منها وحدة التواصل والدعم المعنوي، وهدفها الأساسي جمع معلومات عن حالات جديدة، وربط جسور الثقة المعنوية بين المواطنين والحكومة وطمأنة المواطنين، وبث شعور المسؤولية الفردية وإرسال رسائل نصية بالتوجيهات والإرشادات، وإدارة المنتديات الحيّة بين المواطنين والخبراء النفسيين والعلميين لإجابة التساؤلات، ورفع الروح المعنوية والمسؤولية الفردية، والتواصل المباشر مع إدارة الطوارئ.

وتهدف وحدة الطوارئ إلى التواصل مع المستشفيات وكوادرها المدربة للذهاب للحالات الجديدة التي تم التبليغ عنها، وجمع عينات واتخاذ التدابير اللازمة حسب المتبع طبيا.

ثم تأتي وحدة إدارة الموارد والمخصصات، وأهم مهامها هي توزيع المعدات والمؤن والمواد الغذائية على المحافظات بالتنسيق مع الشرطة والجيش بناءً على المؤشرات التحليلية.

وتأتي أهم هذه الوحدات، وهي وحدة دعم القرار، وهي مسؤولة عن توصيف الوضع الراهن من نقاط قوة وضعف، ومحددات وفرص مستقبلية لكل محافظة على حدة والدولة ككل، واستخراج المؤشرات وبناء النماذج الرياضية، والتي ترسم الوضع الحالي، وتتنبأ بالوضع المستقبلي لتطور الفيروس وانتشاره جغرافيا وزمنيا، وتعطي التقارير المختصرة الذكية لصناع القرار على مستويات المحافظات، وعلى مستوى الدولة ككل، وكذلك تكون هذه الوحدة بالتعاون مع خبراء المجال من دراسة التجارب الناجحة الحالية لمكافحة الفيروس، واستخلاص الدروس والتوصيات، ورسم خطة استراتيجية عامة للدولة، وخطط فرعية على مستوي كل محافظة.

وآخر هذه الوحدات هي الاتصال، وهدفها تبادل البيانات والمعلومات مع المؤسسات والمنظمات الدولية، وإعطاء البيانات والمضامين الإعلامية لوسائل الإعلام المختلفة.

ثم يأتي المكون الثاني التنفيذي، وهدفه جمع وتنقيح وادخال البيانات المطلوبة من الجانب التنسيقي، وتنفيذ الإجراءات والخطط الاستراتيجية للمحافظة المتواجدة بها، والتنسيق مع الجهات التنفيذية ومتخذي القرار في المحافظة، وتُدار هذه الوحدة تحت إشراف المحافظ شخصيا أو من يفوضه.

وهذا العقل الاستراتيجي الجمعي يكون تحت إدارة مباشرة من دولة رئيس الوزراء، وبتنسيق تام بين الوزارات المعنية، ويكون مدعوم بإجراءات سيادية لتسهيل وظيفته.

ولنجاح هذه العقل الاستراتيجي على أكمل وجه، هناك إجراءات وسياسات داعمة وحاكمة لنجاحه لابد من تطبيقها، وتتلخص حسب نموذج PESTEL في الإجراءات التالية الإجراءات السياسية، والتي تشتمل عمل النظام مصالحة مجتمعية شاملة والإفراج الصحي عن كل المعتقلين وليس الإفراج بالانتقاء من باب الوقاية وتحفيز الظهير الشعبي الداعم لمواجهة الأزمة.

أما الإجراءات الاقتصادية فتتبلور في رصد ميزانية حقيقة كافية لمواجهة الأزمة وتوفير المؤن والأدوات الطبية، ووضع ميزانية خاصة بالتعويضات للقطاعات والفئات المتضررة، وزيادة ميزانية المراكز البحثية، خاصة المتخصصة بالمصل واللقاح لتتمكن من انجاز منتج قومي كمصل للمرض، وأخيرا رفع البدلات والمخصصات المالية للكادر الطبي عامة وتحفيزه معنويا.

وتأتي الإجراءات المجتمعية والثقافية في عمل خطة ومضامين إعلامية قوية لضمان الحشد والدعم الشعبي، ويمكن تدشين حملات يشارك فيها مشاهير المجتمع.

كذلك، تدشين حملات تبرعات من المجتمع المدني ورجال الأعمال لتوفير جزء من الميزانيات المطلوبة.

ثم تأتي الإجراءات التقنية من الهيئات والكليات التقنية للمشاركة في تطوير قواعد البيانات الخاصة بالعقل الاستراتيجي وإدارتها، وأيضا عمل تكتل تقني من الهيئات المتخصصة في بحوث الامصال واللقاحات بخطة قومية طارئة.

أما الجانب القانوني فيتمثل في صياغة مشروعات عاجلة لردع المتربصين والمتربحين في الأزمات من التجار، وكذلك قوانين لتقليل أثر المتضررين من طلبة العلم والمستثمرين والعاملين بالقطاعات الحساسة مثل السياحة.

هذه الرؤية مختصرة لهذا المشروع القومي، ومتاحة لكل وطني للتنقيح والإضافة، ومطروحة للتبني من قبل الدولة، وهي تعتمد على إدارة الموارد المتاحة وتعظيمها، وليس عمل كيانات ومؤسسات جديدة لتكون عملية فعاّلة وفاعلة بأذن الله. وهناك من الكوادر الوطنية المستعدة لتنفيذ هذا العمل في أيام معدودة لو تواجد الدعم والإرادة السياسية الوطنية لذلك.

التعليقات (1)
عمرو فاروق
الأربعاء، 18-03-2020 02:02 م
ممتاز د. احمد. و لكن كيف يمكن الحشد لهذا الامر؟ و كيف يمكن تداول المعلومات من كل هذه الجهات بشكل شفاف مع ما يعرفه الكثير عن الحساسيات الامنية لكثير من مراكز البيانات. و الارث الثقيل من البيروقراطيين الغير قادرين على التفاعل بمرونة كافية لمثل هذا العمل.