هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني مقال رأي للكاتب محمد صايغين تحدث فيه عن حملة إيمانويل ماكرون المعلنة على ما أسماها "الانفصالية الإسلامية".
وقال الكاتب في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إن الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده في ميلوز شرق فرنسا الشهر الماضي عن خطة عمل ذات أربعة محاور لمكافحة ما أسماه "الانفصالية الإسلامية".
وأشار إلى أن مشروع ماكرون، يشمل خطوط عمل أربعة، وهي، "محاربة التأثيرات الأجنبية، خاصة في المدارس وأماكن العبادة، وتحسين تنظيم العقيدة الإسلامية في فرنسا "وفقا لقواعد العلمانية"، ومحاربة جميع أشكال "الانفصالية الإسلامية" و "الطائفية"، أو العزلة الاجتماعية والثقافية، واستعادة السيطرة على أراضي الجمهورية المفقودة، أو المناطق "التي فشلت فيها أو تخلت عنها"، خاصة من حيث العجز الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي".
وأضاف الكاتب أن التدابير المعلنة لتحقيق ذلك تشمل: "التخلص التدريجي من برنامج تدريس لغة وثقافة المدرّس الأصلية، وهي دورات اللغة والثقافة الاختيارية للطلاب التي تُدرَّس غالبًا من قبل مدرسين أجانب يقع تعيينهم وخلاصهم من قبل بلدهم الأصلي، على الرغم من أن علاقة ذلك بالإسلام غير واضحة، باستثناء العلاقات المشحونة بين فرنسا وتركيا، إحدى الدول المتضررة".
ومراقبة أماكن العبادة، أي تحديد أصول التمويل والمستفيدين منه وأهدافه، ومواجهة ما أسمته بـ"الإسلام القنصلي"، أي الإسلام المدفوع من قبل دول أجنبية تتصرف من خلال سفاراتها وقنصلياتها.
وأوضح أن "المؤتمر الصحفي، بدأ بشكل جيد بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، الذي ذكّر بمبادئ اللائكيّة، وهي الشكل الفردي للعلمانية في فرنسا الذي يضمن حرية الدين (المرهونة بالقيود اللازمة لحماية النظام العام)، وفصل الكنيسة عن الدولة، والحياد الديني فيما يتعلق بالخدمة العامة ولكن ليس "الحياة الخاصة".
أهمية الزمان والمكان
أشار الكاتب إلى أهمية دراسة مكان وموعد المؤتمر الصحفي. في الواقع، تُعدّ ميلوز، الواقعة في المنطقة الشمالية الشرقية من الألزاس - موزيل، خيارا غير مناسب على أقل تقدير، إذ أن قانون 1905 القائل بالفصل بين الكنيسة والدولة ليس ساري المفعول في الألزاس - موزيل، التي لا يزال سكانها محكومين باتفاق الكونكوردات لسنة 1801، الذي أعاد نابليون بموجبه وضع الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا بعد ثورة 1789.
وبالإضافة إلى المحتوى الإشكالي للخطاب، فإن توقيت المؤتمر الصحفي يثير القلق. في الحقيقة، تأتي حملة ماكرون عشية الانتخابات البلدية وعلى خلفية مشروعه لإصلاح نظام التقاعد المتنازع عليه بشدة.
وقبل بضعة أشهر فقط، حث الرئيس المواطنين الفرنسيين على الانتباه إلى "الحوادث الطفيفة في المدرسة والعمل وفي أماكن العبادة والأماكن القريبة من المنزل، وإلى التغيّرات التي تطرأ على أنماط السلوك والاختلافات، وإلى تلك الأحداث الصغيرة التي تحيد عن القوانين وقيم الجمهورية ". ووقف وزير الداخلية في صفّ الرئيس، مشيرا إلى أن هذه القائمة يمكن أن تشمل اعتماد اللحية (هل ينطبق ذلك على نفسه؟) وأداء "صلاة طقسية منتظمة أو بارزة".
في الواقع، جاء هذا الخطاب في أعقاب الكشف في وسائل الإعلام عن وضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون "تعديل وتحديث" قانون 1905 بشأن الفصل بين الكنيسة والدولة، بما في ذلك أقسام تشير إلى تصميم الحكومة على وضع الدين الإسلامي تحت إشراف الدولة. لذلك، من المستحيل فصل المؤتمر الصحفي الذي عقد في 18 شباط/ فبراير عن الأحداث المؤدية إليه.
النظرية مقابل الممارسة
بيّن الكاتب أن الرئيس الفرنسي يزعم أنه ضد جميع أشكال الوصم والاستبعاد، كما يدعو إلى اللائكية التي تحترم المعتقدات الدينية وترفض التمييز بجميع أنواعه. بالإضافة إلى ذلك، أصر ماكرون على أن الإجراءات المعلنة لم تكن موجهة ضد الإسلام وأتباعه. كانت الخطة خطوة إلى الأمام، إلا أن الفجوة بين روايته وأفعال حكومته وإخفاقاتها كبيرة.
وأوضح الكاتب أنه إذا كانت مبادئ العلمانية تضمن لجميع الأفراد الحق في الحرية الدينية، طالما لم يخلّ ذلك بالنظام العام، وإذا كانت متطلباته لا تنطبق على المواطنين العاديين ولكن فقط على موظفي الخدمة المدنية الذين يُتوقع منهم أن يظلوا حياديين عندما يتعلق الأمر بالدين، فلماذا لم تُلغى قوانين على غرار قانون الحظر لسنة 2004 الذي يمنع الطلاب من ارتداء الرموز الدينية اللافتة مثل الحجاب؟
وتابع: "علاوة على ذلك، إذا كنا نتمتع جميعًا بنفس الحق الأساسي في حرية الدين، فلماذا لا يُدان المسؤولون المُعيّنون من قبل الحكومة لإدلائهم بتصريحات تنتهك بشكل واضح هذا الحق؟ فعلى سبيل المثال، في اليوم الذي تلا المؤتمر الصحفي في ميلوز، سُئل وزير التعليم عن عدد الأحياء التي حلت فيها الشريعة الإسلامية محل القانون الجمهوري. فأجاب: "الأمر واضح" وأُغلقت القضية. هل يعني ذلك أنه من الممكن أن يعكس المظهر الخارجي للأشخاص الذين يمارسون دينهم رفضهم للمعايير الجمهورية؟ وماذا عن التصريحات التي أدلى بها أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس الشيوخ على أساس شبه يومي، والذين شجعوا بلا خجل على كُره مجموعات معينة؟".
الإسلام المعتمد في فرنسا
وأفاد الكاتب بأن الرئيس الفرنسي أعلن مؤخرا عن عزمه على "تنظيم العقيدة الإسلامية". كما بدا تصريحه أكثر تمشيا مع مبادئ العلمانية، حيث أنه أشار إلى أن مسؤولية تحديد الكيفية التي يجب أن تُنظم بها الأديان والجوانب الثقافية للحياة الدينية لا تعود للحكومة. بالإضافة إلى ذلك، صرح ماكرون بأن الحكومة طلبت من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن يُقدم مقترحات ملموسة حول تدريب الأئمة في فرنسا مما أثار مزيدا من المخاوف.
ولفت الكاتب إلى أن تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وقع من قبل الحكومة في سنة 2003. وباعتباره هيئة حكومية، يُمثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مثالا أساسيا على الاستهانة باللائكية خاصة فيما يتعلق بعدم تدخل الحكومة في الشؤون الدينية، وفي هذه الحالة، في شؤون الدين الإسلامي. وبالتالي، فإن شرعية هذا المجلس تُعد موضع شك كبير.
وأشار إلى أن القول بأن الحكومة غير مسؤولة عن تحديد المسائل المتعلقة بالدين، ولكنها تفرض في الوقت ذاته مواصفات على المؤسسات الدينية وموعدا نهائيا لتطبيقها، يمثل تدخلا حكوميا غير مباشر، وفي الواقع، يوجد عدد من المبادرات المستقلة داخل المجتمع المدني الإسلامي، مثل اتحاد الأئمة، ولكن لا يبدو أن هذه المبادرات تهم السلطات العامة.
الاختيارات الفردية والقيم الوطنية
وأورد الكاتب أن دعم الجدل الدائر حول مفاهيم اللائكية والوحدة والعزلة الاجتماعية والثقافية، والمفهوم الأخير على القائمة، الانفصالية، هو عبارة عن خلط متعمد أو غير المقصود بين "الاختيارات الفردية" و "القيم الوطنية".
وأوضح أنه، بما أن الجمهورية تقوم على المساواة وعدم التمييز والحرية والعدالة، توجد حاجة إلى اليقظة المستمرة لحماية هذه القيم من الأفراد والجماعات التي تسعى إلى تقويضها. غير أنه لن تكون هذه القيم المشتركة ذات مغزى إلا إذا سمحت لكل واحد منا أن يتخذ خيارات فردية، ولكن مختلفة بطبيعتها، والتي تحترم النظام العام وحقوق الآخرين.
وأضاف الكاتب أنه مع ذلك، كان هناك ميل متزايد في فرنسا على مدى العقدين الماضيين لحرمان الجماعات من الحق في اتخاذ خيارات محددة، حتى إذا لم يُعرّضوا النظام العام أو حقوق الآخرين للخطر. والجدير بالذكر أن الإجراءات القمعية المتخذة ضد ارتداء الرموز الدينية اللافتة على سبيل المثال تتوافق مع هذا الاتجاه.
وأشار الكاتب إلى أن "الحقيقة تتمثل في أن قوانين الجمهورية التي ندافع عنها بشدة، والتي يفترض أنها ستمنح المساواة لجميع المواطنين، تُستخدم في الواقع لإجبار الناس من أصول وخلفيات دينية مختلفة على "العيش مثلنا" و"تناول الطعام مثلنا" و"الشرب مثلنا" و"التصرف مثلنا".
وخلص الكاتب إلى أن هذه الرواية الاستيعابية لم تعد من اختصاص اليمين المتطرف التقليدي، بل إنها اخترقت على نطاق واسع جميع الأحزاب "الديمقراطية". كما أنها أصبحت مقبولة ومُطوّرة من قبل اللاعبين من مختلف الأطياف السياسية، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
زختم بالقول: "بحاجة إلى العمل الآن لمواجهة انتشار هذه الرواية، والذي يمثل العقبة الحقيقية أمام الوحدة الجمهورية الحقيقية. إذا لم يحدث ذلك، فإن الشر الذي نحاول تجنبه قد تترسخ جذوره بشكل دائم".