كتاب عربي 21

الجريمة و"الثواب".. والخطيئة الأصلية!

أحمد عمر
1300x600
1300x600

أمس، لم تكن مفوضية الأمم المتحدة تروي نكتة عندما طلبت من تركيا بعد تسع سنوات من فظائع الحرب التي لم يُرَ مثلها حتى في الحرب العالمية الثانية؛ فتح ممر آمن للنازحين من البراميل وقصف الطائرات الروسية! كان عليها أن تطلب من روسيا وقف القصف على النازحين الجوعى المقرورين من البرد! لم يعد أمين عام الأمم المتحدة يقلق، لقد ودَّع القلق وبدأ الحياة.

والأرجح أنها عقوبة أمريكية وعالمية للشعب السوري الذي طلب العتق وسعى إلى الحرية، هي عقوبة الثورة على سجّان الشعب السوري وحارس إسرائيل.. زوج زهرة الصحراء، بطل المعلوماتية، طبيب العيون..

قَتل متطرفٌ يميني تسعةً من الوافدين المسلمين في مقهى شيشة في هاناو الألمانية، وقتل معهم رومانيا. وصفت الأخبار القاتل باليميني المتطرف، وليس بالإرهابي، فصفة الإرهابي إيزو إسلامي عربي. هناك مؤشرات تقول إنَّ التقارير الطبية تجتهد على وصفه بالمختل عقليا.. المختل الانغماسي اليميني عاد إلى البيت، وقتل أمه وانتحر، مع أنَّ سجون ألمانيا لأمثالنا فردوس مفقود: سكن ودفْ وطعام ورياضة وحرفة تقي من البطالة، ولا سارين أو براميل أو سكتة قلبية.

الجريمة الأوروبية غير متكافئة مع عقابها غالبا، حتى لو كانت بالكرسي الكهربائي في بعض الولايات الأمريكية، فهي ماحقة وشاملة في حال كون الخصم غريباً، وناعمة في حال كونه مواطنا أو مقيما حبيباً. لنقل إن الجريمة الفردية في الغرب تكافأ بثواب، أما إذا كانت دولية، ومكان الجريمة هو بلاد الآخر، ومرتكبها الرئيس، فهي: إما قنابل نووية على شعوب مثل هيروشيما وناغا زاكي، وبطانيات ملوثة بالجدري لإبادة الهنود الحمر ومصادرة أرضهم، أو على شاكلة هذه "الفتوحات".

العدل في أوروبا:

كتب الصديق حسيب المقيم في بريطانيا ساخراً:

من غرائب القضاء في بريطانيا أنه إذا تسلل لص إلى منزلك، حظر عليك استخدام القوة لطرده أو منعه من سلب أي شيء من ممتلكاتك، تصرف كحاتم الطائي، وقدم له محتويات بيتك مع فنجان نسكافيه إذا طلب ذلك، وأعتقه مع سلائبه وغنائمه، وبعد ذلك اتصل بالشرطة، واروِ لهم حسن ضيافتك للمعتدي. وهو يشبه دخول مخبر إلى متجرك أو بيتك، في بلادنا، وهذا يختلف عن الجريمة والعقاب في الوطن العربي الذي لا توجد فيه دولة تطبق الشريعة سوى السعودية، على الضعفاء، وجميع الدول العربية تقريباً تقيم الحدّ على الضعيف المسكين الذي يسرق رغيفا وتطلق الشريف الذي يسرق جملا. بمصطلحات اليوم: تعاقب الدولة الوطنية العربية المعاصرة الشريف الرفيع، وتثيب الفاسد الوضيع.

الصديق أحمد كتب من السويد، وكان يقيم في المحل الذي يعمل به، وينام فيه توفيراً للنفقات، حتى يدَّخر مالاً ويرسله إلى أهله، وقد قبض على لص هاوٍ، فكتّفه، واتصل بالشرطة، فأطلقت الشرطة سراح اللص واعتقلت صاحبنا لأنه خرق القانون بالنوم في المحل. ذكر لي صاحبي بعد خبرة، أنه يفضل منع اللص من السرقة بالحسنى، والإمساك به دون تعريضه لأي أذى. وإذا حاول اللص دخول حديقة البيت وتزحلق من الجليد أو الثلج بسبب إهمال صاحب البيت في إزالة الثلج من الممرات، فإنه من الممكن مقاضاته ودفع تكاليف المشفى، وإلزامه عيادة الجاني كضحية وتقديم باقات الورد له!

بالجرم المشهود:

وفي حادثة أخرى يروي نازح سوري من إحدى دول أوروبا الرائعة: البوليس لم يعتمد كاميرا أحد المحلات، التي أعرف صاحبها، كدليل، وعند رؤية المسروقات في مستودع منزل اللص، تبنّتْ الشرطة أقاويل اللص، بأنها مدسوسة، وأغلق الملف، وخسر صاحب المحل ماله ووقته، ونجا من التوقيف!

جريمة إبادة في بلجيكا:

"المختلّ اليمني" أندرس برنغ بريفيك نرويجي ارتكب هجمات النرويج عام 2011، في العاصمة النرويجية أوسلو وجزيرة قريبة منها، والتي أسفرت عن مقتل 77 شخصاً، وأقرّ للشرطة بأنه كان يعتزم استهداف رئيسة الوزراء السابقة جرو هارلم في روندلاند، كما يُعتقد أنه نفذ عمليته الإرهابية لأن الشباب الذي قُتلوا كانوا مؤيدين لفلسطين.

هو من اليمين المتطرف، كما أنه معادٍ للإسلام وانتشاره، وقيل إنه ماسوني، ولم يُعرف بعد ما إذا كان فرداً أم عضواً في جماعة سرية. وصف نفسه بأنه فاشي، ونازي، ويُمارس الديانة الأودينية الوثنية الجديدة، ويستخدم الخطاب المعادي للإسلام لدعم القوميين الإثنيين. وهو يقضي أوقاتا سعيدة في السجن. كتب أندرس أنه "قد حان الوقت لوقف الدعم الغبي للفلسطينيين، والشروع بدعم أبناء عمومتنا الحضاريين في إسرائيل". اسم إسرائيل ورد ذكره ما لا يقل عن 300 مرة في وثيقته التي تضم أكثر من 1500 صفحة! وفيلم" 22 July"، فيلم جريمة ودراما تم إنتاجه في الولايات المتحدة، وصدر سنة 2018، من تأليف وإخراج: بول جرينجراس، اقتُبس من الواقعة.

جريمة القنصلية:

 

لنذهب إلى جرائم أخرى، مثل ذبح الخاشقجي، وتقطيعه، ويرجّح أن الجثة إما أذيبت بالأسيد وإما أحرقت. وشاءت الأقدار أن يُقتل في دولة غير صديقة. وقد نجا مقترفها من العقاب. لنذهب إلى جرائم أخرى، مثل "رابعة" التي وقعت على الهواء مباشرة، وليس في قنصلية، ولا تحتاج إلى تحقيق محققة أممية مثل كالامار، فمن يحمي القاتل هو رئيس العالم، ترامب!

"صلب" المسيح عليه السلام:

ذكرنا جرائم السرقة والجرائم الفردية الفظيعة المروّعة، ويمكن أن نتذكر تنصيب المجرمين الشاملين العامين ملوكاً على الشعوب المستضعفة، وجرائم تهجير الشعوب. نأتي الآن إلى أصل الجريمة والثواب في الغرب، وهي جريمة صلب المسيح عليه السلام في الرواية المسيحية (والسلام من أدب الإسلام مع الأنبياء) ونحن نتذكر تدمير أفغانستان بذريعة ابن لادن، وهو سعودي، وتدمير العراق بذريعة الأسلحة الكيماوية، وكانت كذبة، وتدمير سوريا بذريعة الحرب الأهلية، والتمتع بجريمة رابعة على الهواء، كما لو أنها عرض صراع ثيران إسبانية، وترفيع حفتر من أسير ومتقاعد إلى مشير، وقتل مرسي بالسكتة القلبية والكمامة.

كلود دينيس ماكينزي، باحث من دعاة نظرية أسطورة المسيح، وصاحب كتاب "أخطاء الكتاب المقدس"، وهو دليل مرجعي (Biblical Errancy: A Reference Guide)، يذكر خمسة مسائل في عقيدة المسيح، بعضها عقائدي ليس هذا محله، ما يهمنا هي المسألة الخامسة، المتعلقة بالجانب القضائي، والذي يتعلق بالجريمة والثواب، وهو مناط حديثنا. يقول: يقولون إنَّ المسيح قتل من أجلنا على الصليب، وهذا يمكن أن يكون عملاً شهماً وكريماً، لكن ليس له علاقة بالعدل، لأنه بريء و كان يمكن أن يكون منطقياً، لو أنني قتلت مئة شخص وحكم عليَّ بالإعدام بالكرسي الكهربائي، وجاء أبي قبل الحكم، وقال سأفديه، وهذا لن يقبل به أسوأ قاض في الولايات المتحدة، فكيف يقبل به الله، لماذا؟ لأني أنا الذي ارتكبت الجريمة. لقد ظُلم المسيح بالخطيئة الأصلية المنسوبة إلى آدم، فظُلم المسيح مرتين. تصحيح الخطأ بالخطأ لا يجوز في المسيحية، بل إنَّ الانجيل يقول "من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر".

دفعنا ثمن العدوان من أجل قبر المسيح في الحروب الصليبية الأولى، مع أنه ليس له قبر في عقيدة المسلمين. المسيح حيٌّ في السماء الثانية مع يحيى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل. وسالت دماء إلى الركب في بلاد الشام، ودمرت أمريكا العراق بشعبها وحضارتها، لأنَّ جورج بوش الابن زعم أنَّ صدام حسين حاول قتل أبيه. برّأ البابا بنديكتوس السادس عشر اليهود من المسؤولية عن صلب المسيح، وتأكيد براءة القاتل فتوى قديمة في الكنيسة الكاثوليكية الحديثة تعود إلى سنة 1965. العفو أمر محمود، لكن المسلمين هم الذين يدفعون ثمن "صلب" المسيح، عليه السلام.

لقد تحولت بلادنا إلى مقبرة أو إلى معتقل حصين، بفضل عدالة الغرب.

لعله لا يجوز لنا أن نقول إنهم "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ".

التعليقات (1)
محروس
الخميس، 27-02-2020 07:20 م
أحسنت ياأستاذ أحمد ياعبقرى .. مقال في الجول .. سلمت يداك .. بالتوفيق .. حريص على قراءة كل مقالاتك الرائعة لكنى لا أعلق دائمآ مثل أغلب متابعيك .. شكرآ جزيلآ .

خبر عاجل