هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا حدث يطغى هذه الأيام على ما يسمى صفقة القرن خاصة بعد اشتراك الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين ناتنياهو في عرض تفاصيل الصفقة على الرأي العام العالمي. والذي لفت أنظار أغلب الدبلوماسيين ووسائل الإعلام والاتصال الاجتماعي في العالم ملاحظات كثيرة . أهمها غياب الطرف الأول المعني بالصفقة تماما أي الجانب الفلسطيني . وهو غياب تأسس على رفض الصفقة جملة وتفصيلا من قبل كل فصائل الشعب المظلوم المكلوم .
ولا يعقل أن يحضر ممثلو شعب أرضه محتلة منذ 1967 ثم إن كبير مفاوضي الحكومة الفلسطينية سكرتير تنفيذي منظمة التحرير د.صائب عريقات في تعليق له على الصفقة على شاشة (نيوز ماكرز) قال: إن شعب فلسطين المحرر لأرضه والمقاوم للاحتلال هو شعب ذو كرامة ومجد وتاريخ وقضيته العادلة ليست للبيع حتى تعقد حولها صفقة!
الملاحظة الثانية التي أثارتها كل من (نيويورك تايمز) وأرقى مجلة أكاديمية أمريكية (فورين أفارز) هي المتعلقة باستحالة تطبيق بنود هذه الصفقة على الميدان وخاصة مع رفض فلسطين لها لأنها بكل بساطة نشأت عن وثيقة رسمية إسرائيلية تقدم بها اليمين الليكودي المتطرف في أبريل 2012 للمفاوض الفلسطيني حين كانت هذه الحكومة لا تضم إلا حزب الليكود وبعض أحزاب اليمين العنصري المتطرف أكثر منها وطبعا رفضها الجانب الفلسطيني واعتبرها مهينة وتوصد باب حل الدولتين فهي تلغي بالكامل إمكانية نشأة دولة فلسطينية تتعايش بسلام مع دولة إسرائيلية معتدلة أي في نهاية الأمر فإن الصفقة خروج عن الشرعية الدولية وإغلاق كل المنافذ أمام الحل المتفق عليه أمميا وروسيا وحتى أمريكيا ما قبل ترامب وصينيا وعربيا وإفريقيا وبمجموعة عدم الانحياز السبعة والسبعين!
إذن عن أية صفقة نتحدث وهي تحرم فلسطين من تكوين دولة كاملة السيادة ومن تحرير أرضها المحتلة منذ 1967 ومن مياهها الإقليمية ومن جيش يحمي حدودها ومن فضائها ومن أمن مواطنيها ومن دبلوماسية مستقلة تعبر عن مواقفها وهو ما يعني بكل وضوح ترسيخ الاحتلال وتوسيع المظالم والمزيد من تأزيم الصراع الذي تعفن مع الزمن بسبب الغطرسة الإسرائيلية وعملية الغش التي تعرض لها الفلسطينيون حين قدموا التنازلات تلو التنازلات نزولا عند إلحاح الراعي الأمريكي والمنظومة الدولية الحاضنة لحوار مدريد ثم أوسلو ثم كامب ديفيد ثم عبر كل محطات المفاوضات التي أدت في النهاية وعام 2020 إلى زيادة المستوطنات المدانة أمميا بنسبة 190% وتأبيد الاستيطان اليهودي بالقوانين الجائرة في كل أنحاء فلسطين التاريخية وتوسيع دائرة القتل والتنكيل والسجن الإداري بل وضمت القدس والجولان وغور الأردن بالقوة إلى إسرائيل .
لقد تقلصت فلسطين إلى مساحة ممزقة بين كانتونات مفروضة ومرفوضة أمميا لا تنشئ دولة بل ويفصل بينها جدار العنصرية والعار ضد إرادة الأمم المتحدة! ملاحظتان تتبادران إلى الذهن في هذه المأساة : أولا إنها تعزز الاعتقاد بأن نية إدارة قوة عظمى زعمت أنها راعية السلام تتجه لتعويض القانون الدولي بقانون القوة فتم إلغاء ما اتفقت عليه الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية من كونه ميثاق الأمم المتحدة وهو الفيصل في حسم القضايا التي تنشأ بين الدول ليحل محله بديل منحاز بدون حجة تاريخية أو سياسية أو قانونية إلى جانب المغتصب للأرض المحتل لشعب صاحب حق فأصبحت القوة الأحادية تفرض العقوبات وترسم الحدود وتسلم عواصم الدول لدول أخرى وتشرعن احتلال الأراضي وضمها وهي التي طبخت ما يسمى صفقة القرن لتعوض بضخ الأموال حق شعب فلسطين في أرضه لتحوله إلى شتات.
الغريب أن الصفقة تبرمج لإلغاء (الأونروا) بعد سحب المساهمة الأمريكية منها. الملاحظة الثانية الضرورية هي أن دول العالم منها القوى العظمى ومنها الدول العربية انقسمت حول هذه القضية المحورية التي تنعكس على أمن العالم فإدارة الرئيس ترامب هي الوحيدة الواقفة إلى جانب الليكود المتطرف في مشروع صفقة القرن بينما أدانتها روسيا والصين ولم توافق دول الاتحاد الأوروبي عليها ولكن العرب أيضا وهو ما لم يكن متوقعا لم تكن مواقفهم متجانسة بل يشوبها الخلل والتردد فانتكست قضية فلسطين التي كان العرب والمسلمون يسمونها بالقضية الأم إلى درجات أدنى من حماسهم ودعمهم، ولعل ذات يوم تصدق رؤية الزعيم بورقيبة حين حذر الفلسطينيين في أريحا يوم 5 مارس 1965 من مغبة التوكل الكامل على غيرهم قائلا يومئذ: حذار فقد تكون فلسطين هي أندلس العقود القادمة! مثلما قال د.صائب عريقات إن فلسطين ليست ضيعة حتى تعقد حولها صفقة بل هي مظلمة القرنين 20 و21 والظلم لا يعمر لأن وراءه شعبا يسعى لرفعه وتحقيق العدل.
(الشرق القطرية)