هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد الولايات المتحدة هذا العام انتخابات رئاسية، تشكل اختبارا صعبا لساسة واشنطن من كلا القطبين، وسط غياب مرشح ديمقراطي بارز، من جهة، واتهامات متعددة بتجاوز القانون لمرشح الجمهوريين، الرئيس الحالي، دونالد ترامب، من جهة ثانية.
وفي ظل هذا المشهد، يسعى الحزبان إلى تعزيز قبضتهما على معاقلهما الرئيسية، واستعطاف ما تبقى من ولايات يطلق عليها في العرف السياسي الأمريكي وصف "المتأرجحة"، على اعتبار أنها غير محسوبة على أحدهما بشكل مطلق.
تعمق تلك المساعي الاستقطاب الحاد، وتزيد من انعكاسه على خريطة البلاد السياسية- الديموغرافية، بين يسار تقدمي يمثله الديمقراطيون، ويمين محافظ يمثله الجمهوريون.
وتشكل الملفات الساخنة مثل الرعاية الصحية والمهاجرين والضرائب والسلاح وحقوق المثليين والإجهاض وغيرها وقودا لماكينات انتخابية تجتذب الناخبين إلى معسكرين متنافرين تماما.
يدفع كل ذلك وسائل الإعلام المحلية، وبشكل متزايد، إلى نعت البلاد بأنها باتت "منقسمة".
وفي المقابل، يقول مرشحون ديمقراطيون، أبرزهم جو بايدن، نائب الرئيس السابق، باراك أوباما، إنهم يمثلون الوسط، ويتجنبون الخطاب اليساري واليساري المتطرف لحماية البلاد من انقسام غير قابل للرأب، إلا أن ثقة الناخبين في الخطاب السياسي التقليدي يبدو أنها تراجعت، ومن أبرز معالم ذلك وجود رئيس من خارج "المنظومة" بالفعل، هو ترامب.
اقرأ أيضا: هذه الملفات ستحدد خيارات الأمريكيين في رئاسيات 2020
الجدار الأزرق والبحر الأحمر
منذ نهاية الثمانينيات، بدأت تتشكل في الولايات المتحدة خريطة حزبية، حيث أخذ كل من الديمقراطيين والجمهوريين بالتمترس في مساحات مختلفة، وتضاءل بالمقابل عدد الولايات المتأرجحة، كما تراجعت قدرة أحد القطبين على تحقيق اختراق لدى ناخبي الولايات المحسوبة على الآخر.
وبات يطلق على الولايات المحسوبة تقليديا على الديمقراطيين اسم "الجدار الأزرق"، وتتركز في الساحل الغربي والشمالي الشرقي ومحيط البحيرات العظمى، وهي أقل مساحة وأكثر سكانا، وتختزل في المدن الكبرى المكتظة، التي تضم عددا أكبر من المهاجرين، والأكثر تأثرا بالعولمة وعالم الإنترنت.
أما ولايات الجمهوريين فيطلق عليها اسم "البحر الأحمر"، وتتركز في الوسط والجنوب، ويشكل المواطنون البيض الريفيون والمحافظون طابعها الأساسي.
وبحسب رصد أجرته "عربي21" لنتائج الانتخابات الرئاسية منذ عام 1992، فإن الديمقراطيين يتمتعون بنفوذ قوي في 18 ولاية، بالإضافة إلى العاصمة واشنطن، بمجموع 242 من أصوات المجمع الانتخابي، كما تميل لهم خمس ولايات أخرى، تمتلك 37 صوتا، ما يجعلهم أوفر حظا بجمع الـ270 صوتا، المطلوبة للفوز بالرئاسة (من مجموع 538).
في المقابل، يحكم الجمهوريون قبضتهم على 13 ولاية، لديها 102 من أصوات المجمع الانتخابي، كما تميل لهم 11 ولاية أخرى، تمتلك 104 أصوات، ما يجعلهم أكثر خوفا من خسارة أنصارهم، وأكثر حاجة للولايات المتأرجحة، أي فلوريدا وأوهايو وأيوا، التي تمتلك 53 صوتا، ولتحقيق اختراقات في "الجدار الأزرق".
اقرأ أيضا: 5 مؤشرات على فوز ترامب برئاسة أمريكا مجددا العام المقبل
اختراق ترامب
انعكست هذه الخريطة بشكل صارخ في العديد من الانتخابات الرئاسية والنيابية الماضية، بما في ذلك انتخابات عام 2000، رغم خسارة "أل غور" أمام الجمهوري جورج بوش الابن.
فقد حصل "غور" آنذاك على 266 من أصوات المجمع الانتخابي، بفارق خمسة أصوات فقط عن "بوش"، جراء خسارة الديمقراطيين ولايات تميل لهم وأخرى متأرجحة، بتأثير من فضيحة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون.
وعام 2016، تمكن الجمهوريون لأول مرة من تحقيق اختراق في ولايات محسوبة تقليديا كمعاقل صلبة للديمقراطيين، هي ويسكونسن، وميشيغان، وبنيسلفانيا.
عكس ذلك عزوفا كبيرا لدى ناخبي "الأزرق" عن التصويت جراء انقسامات داخلية بين اليسار والوسط، لا سيما بعد تسريب وثائق تتحدث عن "مؤامرة" في أروقته ضد المرشح التقدمي "بيرني ساندرز"، لحساب "هيلاري كلينتون"، التي خسرت أخيرا لصالح ترامب، وهو مشهد قد يتكرر هذا العام، إلا إذا وضع الديمقراطيون خلافاتهم جانبا، وقرروا التصويت ضد الرئيس الذي يعتبرونه "فاسدا"، بغض النظر عن أية حسابات أخرى.