هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على اثر قرار البرلمان
العراقي بسحب كافة القوات الأجنبية من البلاد، بما في ذلك، وخاصة القوات الأمريكية،
ثار جدل واسع حول مدى قانونية هذا القرار بالعودة إلى الاتفاقات بهذا الشأن بين
بغداد وواشنطن من ناحية، وان هذا القرار اتخذ في ظل غياب "توافق
ديمقراطي" في البرلمان بالنظر إلى غياب مكونين أساسيين عن حضور جلسة البرلمان
التي ناقشت هذه المسألة: المكوّن السنّي والمكوّن الكردي، إلاّ أن الأهم من مدى
قانونية هذا القرار هو الموقف الأمريكي الذي ظهر من خلال تصريحات الرئيس ترامب
ووزير خارجيته تحديدا، إن واشنطن ليست بصدد الاستجابة لهذا القرار، وتهديد مباشر
من قبل الرئيس ترامب بمصادرة 35 مليار دولار للعراق موجودة لدى البنوك الأمريكية،
في حال لم تدفع العراق مقابل الخدمات والإنشاءات التي أقامتها أمريكا على الأراضي
العراقية بهدف مواجهة الإرهاب ودولة "داعش".
في البداية، نعتقد أنه من المهم التذكير
بحقيقة تغيب بعض الأحيان في ظل موجات إعلامية وسياسية تطغى على الذاكرة، فالغزو الأمريكي
على العراق في العام 2003، لم يتم بدعوة من النظام العراقي بطبيعة الحال، كما انه
خارج سياق القرارات الدولية، باعتبار أن التحالف الذي قام بغزو العراق لم يكن
بقرار من مجلس الأمن.
النقاش حول انسحاب القوات الأمريكية
من العراق ليس جديدا، الرئيس الأمريكي السابق أوباما كان قد اعلن عن انسحاب هذه
القوات عام 2011، إلا انه تراجع عن القرار بعد تمكن تنظيم داعش من السيطرة على
مدينة الموصل وإقامة ما يسمى بالدولة الإسلامية، إلا أن بقاء القوات الأمريكية في
العراق في تلك الفترة كان بهدف قيام تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة بهدف
القضاء على "داعش" في العراق وسورية. رئيس الوزراء العراقي عادل عبد
المهدي وأمام البرلمان، أشار إلى سلسلة الاتفاقات التي تم توقيعها مع الجانب الأمريكي
حول القوات الأمريكية في عهد حكومة المالكي، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقات ربطت
الوجود المسلح الأمريكي بمواجهة "داعش" وبما أن ذلك قد تم بالقضاء على
إرهاب "داعش" ودولته الإسلامية، فإن مهمة هذه القوات قد انتهت بموجب تلك
الاتفاقات.
ولعل اهم نتائج الغزو الأمريكي للعراق، ثم
التحالف الذي قادته واشنطن تحت مظلة الحرب على "داعش" والإرهاب، تزايد
النفوذ الإيراني في العراق بأشكال عديدة، سياسية وأمنية بدرجة أولى، ثم إن مثل هذا
التواجد، يعود إلى مقارنات تجعله مختلفا عن الغزو الأمريكي، باعتبار إيران دولة
جارة للعراق، ثم إن أهم مكونات المجتمع العراقي ترتبط "طائفيا" بإيران،
وإذا كان هذا الارتباط قد تعزز في السنوات الأخيرة التي تلت غزو أمريكا للعراق،
فإن ذلك يعود بدرجة رئيسة إلى هذا الغزو ونتيجة مباشرة له، خاصة ونحن نشاهد أن
النظام السياسي العراقي بات اكثر التزاما بالتقسيم الطائفي لمكونات الدولة، لذلك
يمكن القول إن الوجود الإيراني في العراق، لا يتحقق بفعل اتفاقات أو معاهدات، بقدر
ما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية والطائفية التي عززها الغزو الأمريكي لهذا البلد،
وهي الأبعاد ذاتها التي أبعدته عن حقيقة عروبته وانتمائه القومي للأمة العربية.
حكومة تصريف الأعمال لن يكون بمقدورها، من
الناحية العملية، تنفيذ القرار الذي اتخذه البرلمان بشأن سحب القوات الأمريكية من
البلاد، ليس فقط لأن الحكومة انتقالية وتصريف أعمال، ولكن لأن هناك أطرافا عديدة
ليس لها مصلحة في سحب هذه القوات، فالأكراد يعتبرون أن الوجود الأمريكي ضمانة
لاستقرار حكومتهم في شمال العراق، أما "المكوّن السنّي"، فإن وجود الأمريكان
يعزز "التوازن" مع ما يقال عن الأغلبية الشيعية، إلا أن الأهم من كل
ذلك، ورغم أن إدارة ترامب كانت وفي اكثر من مناسبة، دعت إلى مغادرة القوات الأمريكية
لكل مناطق تواجدها بما في ذلك في الشرق الأوسط، سورية والعراق، إلا أن إدارة ترامب
هذه المرة، لم ولن تنسحب من العراق، لسبب وجيه من وجهة نظرها، ذلك أن هذا الانسحاب
كان احد اهم أهداف قاسم سليماني الذي اغتالته، وبالتالي فإن انسحابها قد يشير إلى
تحقق أهداف سليماني حتى بعد اغتياله!
(الأيام الفلسطينية)