قضايا وآراء

2008.. يوم تفجّرت أَورِدة غزة

زهرة خدرج
1300x600
1300x600
بدأ يومي ذاك خلسة، متسللاً محاولاً أن يفلت من ذاكرة باتت تحترف تخزين الأحداث بكافة تفاصيلها المقيتة. برغم رغبتي الجامحة بالنسيان، جريت خلفة لاهثة مشتتة، أروم استعادة بعض ما فُقد، بيْد أن الفجيعة تسربت إلى أعماق روحي، وفرَّت الطمأنينة موليةً إلى وجهة غير معلومة.

انهزمت عقارب الساعة وهربت في طريق الوقت الوعرة الضيقة، وانتهى معها كل السواد الذي جلله، والشعور بالعار والهوان الذي لا ينفك يلاحقني ويلاحق أمة غفت على أعتاب سادة يستعبدونها ويمتهنونها ويحتقرونها، ويمتصون نفطها ومياهها وخيراتها ودماءها وكرامتها حتى آخر قطرة دون أن يشعروا بالشبع..

الألم والضيق لا يفتأ يتحلق حولي.. يحاصرني حتى الآن.. كما هو حال غزة، حين تشهر الذكريات أشواكها كالقنافذ، وتُسحل الأحداث على سطح روحي مثل أسلاك شائكة.. جارحة.. تترك جروحاً غائرة وندباً لا تزول.

تختلط الصور أمامي مثل مياه جدول تتسارع نحو أذرع طاحونة ماء تعلكها وتعلكها ثم تلفظها بلا خجل.. تراني أتفجر مثل بركان ثائر ويعلوني الغضب. 

أسائل نفسي باستنكار:

كنَّا قبل ذلك مثل حصان بري يعشق الشمس والهواء، يقدِّس الانعتاق، عصي على الترويض، أبيّ على الوطء، مشاكس لا يقبل اللجام، يقاوم السنابك.. فراشه الأرض، وغطاؤه السماء، يستبدل بعزه الزاد. فما الذي تغير بحقِّ الإله؟ ما الملمَّة التي حلَّت بنا؟ ألسنا نحن نحن؟ هل نسينا من نكون؟ ألسنا فرسان النصر؟ ألم نكن السادة والقادة؟ ألا نذود عن الحمى وندفع الروح ثمناً رخيصاً؟

وكما هي عادتي، هربت إلى أحضان الورق.. أنغمس بكلماتي الحمقاء دون وعي مني، وأنتحب على صدره وأبثه هموماً تعتريني وأوجاعاً تعذبني، وكأني أخشى على ذاكرتي من أن يجد النسيان طريقاً إليها، فيخطف حكاية تلك الأيام ويغادرني.

رأيت بأم عيني آنذاك غزة تنزف وتحتضر، وتقاوم وتتشبث بعروق البقاء.. على أمل البقاء.. وأنا.. لا أملك إلا دموعي وشعوري بالعجز أهدهد به نفسي المعتَّقة بالحزن والغضب.. ما لدي من سبيل أفرغ فيه حمم غضبي سوى كلمات جوفاء، لا تحمي رأس طفل من قذيفة فاجرة، ولا تستر جسد امرأة مزقها صاروخ آثم، أو شيخ شرَّدته طائرات ودبابات وضيعة، وتخاذل أمة تفتح أبوابها مشرَّعة لسافل يدَّعي الأناقة واللباقة والأخلاق والحضارة والأدب..

نبوءات كثيرة كاذبة تبلغ آذاننا.. تحاول خداعنا والتأثير فينا، علنا نصدِّقها، ونؤمن بردَّتها.. نبوءات تؤبن بقايا كرامتنا الممزوجة بثرى غزة ومياه غزة وهواء غزة.. وتودع عزتنا الفتيَّة اليانعة فيها، في مدافن قد سبقها إليها كثيرون.

بيْدَ أن غزة تكذِّب أحلامهم.. وتقف لهم كابوساً بغيضاً يتمنى صاحبه لو يفيق، وصقراً شامخاً يرفض الموت ينتظرون على أحرِّ من الجمر سقوطه وانكساره وتهشم أجنحته.

فتصمد غزة، وتقاوم، وترابط على الثغور.

واعلموا يا هؤلاء أن غزة تختلف.. غزة لا تُثملها وعود، ولا تُرعبها رعود وتهديد..

غزة يا هؤلاء أصل كل شجاعة وكل كرامة..

غزة عنوان أنفة كل العرب!
التعليقات (0)